كتاب جديد يرصد خطب الكعبة في مختلف العصور
كتاب جديد يرصد خطب الكعبة في مختلف العصور
جدة: أحمد محمد عزوز
صدر أخيراً في مكة المكرمة الجزء الأول من كتاب «كوكبة الخطب المنيفة من منبر الكع
بة الشريفة» للشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس إمام وخطيب المسجد الحرام، عرج فيه الى التعريف بالخطبة ومعناها وتطورها في مختلف عصور الاسلام الاولى وحتى العصر الحديث، مشيرا الى ان الخطيب الأول في الاسلام هو نبي هذه الأمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، يليه خلفاؤه الراشدون وصحبه الكرام رضي الله عنهم اجمعين.
وقسم الدكتور السديس كتابه الى 12 قسما، تحدث في الأول عن فضل القرآن الكريم، وفي الثاني عن العلم والعلماء، فيما خصص القسمين الثالث والرابع عن العقيدة الاسلامية السمحاء والسيرة والسنة النبوية، وفي باقي الاقسام عن المعاملات، والصفات الحميدة، والقضايا الاجتماعية، ومآسي المسلمين، وبعض القضايا الشرعية المتنوعة التي حفل بها الكتاب. ويقدم القسم الأخير من الكتاب خطب المناسبات مثل بداية العام، وخطب الاستسقاء، وعيد الأضحى المبارك، وغيرها من المناسبات التي يتجه فيها الخطباء الى أمة الاسلام، ومناقشة آمال وآلام الأمة وواقعها ومكتسباتها.
ويعرف الباحث خطب الجمعة والأعياد والمناسبات بالقول: الخطبة كلام منتخب ممتاز، متصف بحسن الرصف، وجودة السبك، وقوة التأثير لدعوة الناس الى الخير، وثنيهم عن ضده وفق احكام الاسلام ومقاصده لتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة، مشيرا الى أن للخطابة في الشريعة مقاما ساميا ومنزلة عظيمة، وذلك لما تمثله من تحقيق الاضطلاع بمهمة الدعوة الى الله، موردا في السياق كتاب «أدب الخطيب» لابن العطار الدمشقي (427هـ) الذي كان معاصرا لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمهما الله.
واوضح الدكتور السديس الذي يتولى الى جانب الامامة والخطابة في الحرم المكي الشريف التدريس الجامعي بصفته عضوا في هيئة التدريس في جامعة أم القرى المكية. ان لتاريخ الخطابة عند العرب، ارباب الفصاحة والبلاغة والبيان، تمثل قمة من قمم الابداع، وذروة الافهام والاقناع، ولسان الصدق والدفاع، بها ينافحون ويفاخرون، وبها يقارعون ويضارعون، يستقبلون بها الوفود، ويبرمون من خلالها العقود، ويمضون المواثيق والعهود، ويقف الخطيب حاضا على التجلد والثبات. وأورد الشيخ عبد الرحمن السديس نماذج للخطباء منهم اكثم بن صيفي، وقس بن ساعدة، وسحبان وائل وغيرهم.
وأكد الباحث ان من اهم مميزات الدين الاسلامي الكمال والشمول، ومن ذلك ما اختصت به هذه الأمة من الشعائر والفضل والفضائل كاختصاصها بيوم عظيم (يوم الجمعة) وما امتاز به هذا اليوم المبارك من هذه (الشعيرة الاسلامية) وهي الخطبة، التي كان المصطفي صلى الله عليه وسلم الذي اوتي من جوامع الكلم، وتحدى ببلاغة القرآن العرب والعجم، من افصح من نطق بالضاد، ومن ملأت خطبه ببراعتها السهول والوهاد، ولا غرو، فلها من الوحي وحججه معين لا ينضب، وكدد لا ينفد، حتى غدت مشعلا لنشر الدعوة الاسلامية والملة المصطفوية، تلاه الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم وارضاهم في سلم المجد البياني، وقمة الهرم الخطابي، وغيرهم من الصحب الكرام، ممن له الخطابة دانت، والألفاظ طوعت ولانت.
ويرجع الباحث اسباب ارتقاء الخطابة في العصرين الاموي والعباسي الى ظهور الفرق والأهواء، مما جعل الخطابة في عصر السلف تشق طريقها في سلاسل ذهبية. وعن الخطابة في العصر الراهن قال الدكتور عبد الرحمن السديس: اصبحنا نعيش نهضة معرفية مذهلة، وثورة معلوماتية مدهشة، مما افرز فيوضا من الافكار، وسيولا من العلوم والمعارف، وهو عصر الاعلام بشتى قنواته وتقاناته، وشبكاته وفضائياته، وكلها لا طلبة لها الا الانسان، بل ولا هدف لها الا المسلم والاسلام، وهي ـ والحق يقال ـ قد تكون افتك من العدو الماكر به من الوحش الكاسر.
وعن مغزى الخطبة، يؤكد الباحث ان جوهرها وقيمتها ينبثقان من مكانة الكلمة في الدين الاسلامي، وعظيم منزلتها، وبعد مغزاها، وعظيم مرماها، واللفظ العاطر، والمعنى الآسر، والتركيب الجذاب يأخذ بالألباب، ويؤدي الأثر، ويهز القلوب، ويأسر الضمائر لروعة مورده وصفاء مصدره. وهنا يأتي واجب الخطيب في حسن الاعداد، وروعة الانجاد، وعبق الامداد، متوجا ذلك بحسن النية، وسلامة الطوية.
وينصح الدكتور السديس الخطباء بعين الخبير بالقول: الخطيب الموفق من يراعي الاهميات فالمهمات، والخطيب كالطبيب يشخص داء المجتمع وعلله، ويصف الدواء الناجع له بحكمة واقتدار. ويضيف: وينبغي لصاحب الكلام التأنق في البدء والختام، وان يكون متسما بصلاح القدوة، وحسن الأسوة، وان يراعي الاحكام الفقهية، ويحذر من الشذوذ في المسائل العلمية.
واشاد الباحث في سياق كتابه بالعلماء الذين اثروا فيه تأثيرا مباشرا خلال رحلته الخطابية التي امتدت لربع قرن تقريبا، منهم الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي السعودية السابق الذي قال عنه: كان يخصني في الحاح في اخراج الخطب، وكان يستحثني الاستعجال في ذلك. وعن المفتي الحالي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ أكد السديس ان له دورا كبيرا على تشجيعه وحثه على اصدار هذا الكتاب. واما العالم الكبير الراحل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، فقال السديس عنه: كان يتعهدني بالتشجيع والتأييد في هذا المجال. والكتاب في مجمله يعد اضافة للمكتبة الاسلامية، ومرجعا للخطباء في جميع انحاء العالم لما للمؤلف من خبرة في هذا المجال.
مع تحيات منتديات تونيزيا كافيه
http://www.tunisia-cafe.com