البلاد التونسية : التاريخ
تاريخ البلاد التونسية منذ القرن xii ق م
العهد الإسلامي
انتهى الوجود البيزنطي مع حلول الفاتحين المسلمين ويعتبر إنشاء القيروان سنة 670 م /50 هـ كقاعدة إستراتيجية متقدمة للمسلمين غرب الدولة الإسلامية بمثابة التحول الهام في تاريخ المنطقة التي شهدت ومنذ الفتح الإسلامي تعاقب عدة فترات .
الفتوحات الإسلامية الأولى بإفريقية وبلاد المغرب
كانت افريقية وهي تونس حاليا في بداية القرن 7 م ترزح تحت النفوذ البيزنطي منذ أن استرجعها جيوش جوستنيان سنة 533 م على حساب الوندال وكانت السلطة البيزنطية منحصرة في كل من البروقنصلية والمزاق بينما كانت المناطق المغربية الأخرى غير موحدة سياسيا تحكمها أحلاف قبلية بربرية متعددة .
بدأت العمليات الاستطلاعية الأولى في عهد الخليفة عثمان بن عفان الذي جمع الناس في المدينة لفتح افريقية واسند قيادة الحملة لعبد الله بن أبي سرح والي مصر آنذاك وتسمى الغزوة غزوة العبادلة انتصر فيه الجيش العربي الإسلامي سنة 27 هـ / 647 م على الجيش البيزنطي بقادة جرجير في موضع يسمى عقوبة . توقفت العمليات العسكرية بافريقية إلى حين ما بعد الفتنة الكبرى .
في خلافة معاوية بن أبي سفيان قام معاوية بن حديج السكوني بحملتين سنة 41 هـ/661 م ثم سنة 45 هـ / 665 م تمكن من خلالها المسلمون من الاستقرار في جبل القرن وأرسلت عدة سرايا باتجاه سوسة وجلولاء قرب القيروان لكن ابن حديج عاد إلى مصر دون ترك حامية بالبلاد .
قبل الخليفة معاوية ابن ابي سفيان أن يعين عقبة بن نافع الفهري على رأس افريقية سنة 50 هـ / 670 م الذي كان مقيما ببرقة بليبيا شارك في عدة حملات ضد البيزنطيين والبربر وقد وصل افريقية عبر الصحراء على رأس جيش كثيف بلغ 10000 مقاتل واتخذ قيروانا أي معسكرا تتجمع فيه كل صفات التمصير وقد دامت عملية بناء القيروان 4 سنوات وفي الأثناء كان يوجه السرايا لتوطيد الحكم الإسلامي ونشر الإسلام بين البربر . لكنه عزل وعوض أبو المهاجر دينار سنة 55 هـ /674 م الذي تمكن من هزم كسيلة زعيم البربر البرانس الذين عارضوا التواجد العربي الإسلامي بافريقية ثم صالحه وحالفه غير أن سياسة أبي المهاجر المرنة تجاه البربر قلصت حجم الغنائم التي تصل مركز الخلافة بدمشق مما جعل الخليفة الأموي يزيد بن معاوية يعزله ويعوضه بعقبة الذي رجع ثانية الى افريقية سنة 62 هـ / 682 م حيث تمكن من هزيمة البربر والروم باتجاه المحيط الأطلسي غربا ومع رجوعه الى القيروان على راس كتيبة صغيرة فوجئ بمنطقة بسكرة من طرف كسيلة وحلفائه الروم فقتل وأصحابه في موضع يسمى تاهودا سنة 64 هـ / 684 م . ومن نتائج ذلك هزيمة المسلمين وخروجهم من القيروان التي استقر بها كسيلة ضمن كيان سياسي تواصل الى 69 هـ / 689 م كما استعاد الروم نفوذهم على مناطق الزاب وافريقية .
في الهد الأموي المرواني مع عبد الملك بن مروان أرسل زهير بن قيس البلوي لمواصلة الصراع ضد البربر والروم فتم له استرجاع القيروان وقتل كسيلة سنة 69 هـ / 688 م الا أن الروم قد أرسلوا أسطولا بحريا سنة 71 هـ / 690 م الى مدينة برقة لسبي المسلمين وقتل البلوي في مواجهتهم .
من جديد أرسل الخليفة عبد الملك بن مروان جيشا يتكوم من 40 ألف مقاتل بقيادة حسان بن النعمان الغساني وأسند إليه ولاية كل المغرب سنة 75 هـ / 694 م تمكن من دخول قرطاجنة سنة 76 هـ / 695 م وطرد الروم منها كما كرس كل جهوده لمواجهة البربر البتر بقيادة الكاهنة دهياء بنت ثابت بن تيفان من قبيلة جراوة تلقب بملكة الأوراس . لكن المسلمين انهزموا في واقعة وادي العذاري بجبال الأوراس مما جعل حسان يتراجع بجيوشه نحو قابس ومنها الى برقة بينما سيطرت الكاهنة على أجزاء هامة من بلاد المغرب كما خربت البلاد متبعة سياسة الأرض المحروقة لمنع المسلمين من الاستقرار لكن حسان بن النعمان نجح سنة 82 هـ / 701 م من القضاء عل مقاومة البربر وقتل الكاهنة ثم عاد من جديد الى القيروان للسيطرة على افريقية نهائيا .
قام حسان بن النعمان بتنظيم البلاد المفتوحة وأدخل البربر في شكل منظم في الجيش مما سهل عملية اندماجهم مع العرب في إطار الإسلام غير أن الخليفة الوليد بن عبد الملك عزله وعوضه بموسى بن نصير الذي اتخذ القيروان عاصمة له واصبحت بلاد المغرب ولاية مستقلة عن مصر باية من سنة 86 هـ / 705 م وكانت القيروان قاعدة الانتشار نحوبقية بلاد المغرب ونحو الاندلس .
العهد الأغلبي
العهد الفاطمي
الدولة الصنهاجية
الزيريون، بنو زيري، الصنهاجيون : (في شمال إفريقية): سلالة بربرية حكمت في تونس و شمال الجزائر مابين 971-1152 م.مقرها المنصورية بالقيروان منذ 971 م ثم القيروان منذ 1048 م ثم المهدية منذ 1057 م.
كان بنو زيري و كبيرهم "زيري بن مناد" من أتباع الفاطميين منذ 935 م. تولى الأخير سنة 971 م الحكم في قلعة آشير (الجزائر). تمتع ابنه من بعده بلكين بن زيري (971-984 م) باستقلالية أكبر عندما حكم بلاد تونس و الشمال الجزائري (شرق اليلاد ابتداءا من قسنطينة)، تمكن من أن يمد في دولته غربا حتى سبتة.
دخل الزيريون بعدها في صراع مع أبناء عمومتهم. منذ 995 بدأت تتفرع عنهم سلالات أخرى، كفرع الزيريين الذي حكم في غرناطة، ثم الحماديين سنوات 1007-1015 م. قام المعز بن باديس (1016-1062 م) سنة 1045 م بالدعوة للخليفة العباسي في بغداد. كرد فعل، قام الفاطميون و منذ 57/1058 م بتشجيع قبائل بني هلال و بني المعقل و بني سليم العربية على غزو إفريقية. انحصرت رقعة الدولة أثناء عهد تميم (1062-1108 م) في المناطق الساحلية حول تونس.
منذ 1148 م و مع غزوات روجر الثاني (النورمندي، ملك صقلية) فر آخر الملوك الحسن (1121-1148/52 م) عند أقربائه من حكام الجزائر. ثم قام بتسليم المدينة عند مقدم الموحدين سنة 1152 م.
هجرة القبائل الهلالية إلى شمال إفريقية
الفترة الموحدية
الفترة الحفصية
تأسست دولة الحفصيين على يد أحد الولاة الموحدين بإفريقية هو أبو زكرياء يحي بن أبي حفص عمر الهنتاتي الذي استغل ضعف الحكم الموحدي والصراع القائم على السلطة بمراكش وخاصة اقدام الخليفة المأمون على قتل شيوخ الموحدين المساندين لابن أخيه يحي بن الناصر ومن بينهم أصيلي قبيلة هنتاتة التي ينتسب اليها الحفصيون ، وإسقاط اسم المهدي محمد بن تومرت من الخطبة والسكة سنة 626 هـ / 1236 م . رشح أبو زكرياء نفسه للحكم الموحدي الذي أصبح في نظره شاغرا وغير شرعي بمراكش وادرج إسمه في خطبة الجمعة على منابر افريقية وتلقب بالأمير فكانت الخطوة الحاسمة في استقلال افريقية وتأسيس الدولة الحفصية بها .
انتصبت الدولة الحفصية بالجزء الشرقي من بلاد المغرب متخذين من مدينة تونس عاصمة لهم بعد ان اتخذها الموحدون مركز ولايتهم وتراجع دور القيروان وقد امتدت من بجاية غربا الى حدود برقة شرقا ودامت قرابة 3 قرون ونصف عرفت خلالها فترات من الاستقرار والازدهار وفترات من الاضطراب والتراجع وقد سقطت على أيدي الأتراك العثمانيين سنة 982 هـ / 1574 م .
أقام الحفصيون دولة مستقلة ذات نظام وراثي أما عن ألقابهم فقد اقتصر أبو زكرياء الأول على لقب الأمير ثم اتخذ من بعده ألقابا مختلفة كالسلطان والمولى والملك إلى جانب الألقاب الشرفية كالتي اتخذها بنو العباس مثل المستنصر بالله والواثق بالله والمتوكل على الله . كما ظهرت تسمية أمير المؤمنين منذ أن بويع المستنصر بن ابي زكرياء الأول بالخلافة سنة 657 هـ /1259 م من قبل جل مناطق العالم الإسلامي وضلت هذه التسمية متداولة عند الحفصيين .
تتكون السلطة المركزية مما يلي :
* السلطان : يحتل أعلى هرم السلطة يتمتع بنفوذ مطلق سياسيا ودينيا وعسكريا كما يعتمد في ممارسة الحكم على كبار رجال الدولة من شيوخ الموحدين وعلى كفاءات أخرى من الاندلسيين الذين شرعوا في الهجرة إلى إفريقية أومن أصيلي البلاد أو من العبيد المعتقين وقد أسندوا لهم الوظائف الهامة في الدولة .
* الوزارة والحجابة : استعان سلاطين بني حفص في تسيير دواليب الدولة بوزراء يكونون المخزن أو الحكومة وكانوا في البداية 3 وزراء يتقدمهم الوزير الأكبر الذي يسمى كبير الدولة وينتمي إلى سلك الموحدين كما أسندت له وزارة الجند وكان ينوب الأمير أثناء غيابه عن الحاضرة تونس ثم يأتي في المرتبة الثانية وزير المال أو صاحب الأشغال ثم وزير الفضل أو المشرف على ديوان الإنشاء . بمرور الزمن تطور هذا الجهاز الحكومي فازداد عدد الوزراء وتغير ترتيبهم التفاضلي كما شهدت خطة الوزير الأكبر تراجعا أمام خطة الحجابة التي أصبح مع الحاجب "ابن تافراجين " في منتصف القرن 8 هـ / 14 م من أرقى الخطط وأكثرها نفوذا ثم أخذت في التراجع إلى أن أصبحت في نهاية القرن 15 وبداية القرن 16 في المرتبة السادسة في سلم الوظائف الحفصية .
* الدواوين : ينتظم فيها موظفوا الإدارة السلطانية في مصالح مختصة ومن أهمها ديوان الجند يهتم بالأمور المتعلقة بالجيش من حيث التنظيم والحاجيات والرواتب وقد اسند الحفصيون لفترة طويلة وزارة الجند إلى الوزير الأكبر ثم أصبح المشرف عليها يسمى "المزوار" ويحتل المرتبة الثانية في سلم وظائف الدولة . ثم ديوان الأشغال يشرف عليه وزير يسمى صاحب الأشغال وهو بمثابة وزير المالية يمسك الحسابات ويعنى بالتصرف في المداخيل والمصاريف وقد تداول على هذه الخطة في بداية العهد الحفصي شيوخ الموحدين والأندلسيين قبل أن تتحول إلى خطة إدارية يتولاها أصحاب الاختصاص من أهل البلاد وغيرهم . ثم ديوان الإنشاء يشرف عليه وزير يسمى وزير الفضل ويسمى صاحب العلامة ويعتني بكتابة المراسيم والأوامر السلطانية ويضع عليها الأختام والعلامات وقد أسندت هذه الوظيفة إلى أشخاص ينتسبون عادة إلى أهل الأدب من الأندلسيين وغيرهم ممن يجيدون الترسيل ويؤتمنون على الأسرار حسب ابن خلدون . ثم ديوان البحر وهو عبارة عن إدارة للجمارك تشرف على استخلاص الآداءات الجمركية الموظفة على التجارة البحرية في ميناء تونس وبقية موانئ افريقية وكان يرأسها صاحب الديوان .
* السلطة الجهوية : تتكون من الولاة على الجهات يكونون من الأمراء أبناء السلاطين أو من أفراد الأسرة الحاكمة ومن مشائخ الموحدين وكانت للأمراء الولاة وخاصة في المدن الغربية الكبرى مثل بجاية وقسنطينة إدارة مكونة من الموظفين المختصين في تسيير شؤون الولاية أو جباية الضرائب تحيط بهم حاشية وهي عبارة عن صورة مصغرة للبلاط السلطاني ثم تطور الأمر في القرن 9 هـ / 15 م وأصبح الولاة يعينون من بين العبيد المحررين وكانوا يسمون بالقواد وذلك للحد من ظاهرة الانفصال عن السلطة المركزية . ثم رؤساء القبائل الذين فرض بهم بنو حفص سلطتهم على مناطق البدو الذين كانو يستخلصون الجباية ويوفرون المدد العسكري للسلطان وقد كانوا قد اشترطوا في فترة ضعف الحفصيين على السلطة المخزنية الحصول على امتيازات واقطاعات مقابل مساندتهم للدولة .
* من أبرز دعائم السلطة القضاء والجيش . أما القضاء فكان يكتسي طابعا دينيا سياسيا لذا فقد ولي أهمية كبرى من قبل السلاطين الذين اضطلعوا بمهمة الرئاسة العليا للقضاء وباشروا بأنفسهم رد المظالم وأشرفوا كل أسبوع على مجلس قضاء أعلى للنظر في القضايا الكبرى والشائكة . اما مهمة فصل النزاعات بين الناس فقد اهتم بها قضاة متضلعين في الشريعة الإسلامية كما عينوا القضاة في الولايات وقاضي الجماعة بتونس ويوازي قاضي القضاة بالشرق يكون من مشاهير الفقهاء الموالين للسلطة .
أما الجيش الحفصي فيتألف من جيش نظامي تكونت نواته الأولى من القبائل الموحدية ثم انضمت إليها كتائب من سكان البلاد سواء كانوا جنودا قارين أو فرسانا مجمعين من القبائل الموالية للسلطة مقابل الإقطاعات ويتكون أيضا من المرتزقة ومنهم الناشبة والرماة من الأندلسيين والمشرقيين والزنوج والموالي المعتقين وكذلك المسيحيين الذين كانوا يكونون الحرس الخاص للسلطان ويتعزز هذا الجيش في حالات الحرب ضد النصارى بفرق من المتطوعين . أما الأسلحة المعتمدة فقد اقتصرت على السيوف والرماح والخناجر ولم تستعمل الأسلحة النارية إلا في أواخر القرن 14 م كما لم يول الحفصيون عناية كافية بتحصين المدن وتطوير أسطولهم البحري الذي وان عاضد الجيش البري في عدة مناسبات أثناء التصدي للقوات النصرانية في نطاق ردود الفعل الحفصية على هجمات النصارى فإنه لم يقو على مواجهة الأساطيل الأوربية التي شهدت تطورا نوعيا مطردا مكن هذه الدول من التفوق العسكري البحري على حساب دول الغرب الإسلامي .
الفترة العثمانية
تجربة الحكم المباشر 1574 - 1594
انطلقت منذ 1574 تاريخ انطلاق فترة الغلبة التركية حيث حول الموفد العثماني سنان باشا تونس إلى إيالة خاضعة لمركز الإمبراطورية العثمانية وعادت السلطة العليا إلى الباشا الذي يمثل السلطان مع الاستعانة بسامي ضباط الجيش الانكشاري الذين شكلوا مجلس الديوان والقاضي أفندي الحنفي الذي تولى النظر في المسائل القضائية والدينية وقد طبع هذا النظام بسمة عسكرية طاغية نظرا لموقع البلاد المجاور للقوى النصرانية الأوربية ولم يفرض الباب العالي إتاوات مالية منتظمة على غرار الايالات المشرقية وقد كان لإسراف المستفيدين من هذا الأسلوب العثماني المباشر في ممارسة الحكم وتعويلهم على تواطؤ أعوان الإدارة المركزية بالآستانة معهم في عمليات نهب ثروات البلاد دورا حاسما في دخول العناصر السفلى من ضباط الوجق الانكشاري أي الدايات في حركة تمرد سنة 1591 استهدفت تصفية كبار الضباط أو البلكباشية وإرساء حكم عسكري جماعي لم يعمر سوى بضع سنوات انفرد على إثره عثمان داي بالسلطة بعد ان تعهد بلعب حلقة الوصل بين الأتراك ومصالح أصحاب البلاد .
عهد الدايات
نجح عثمان داي 1594- 1910 الذي استفاد من ثقة الانكشارية واتساع ثروته المتأتية من إسهامه في التجهيز للقرصنة في الانفراد بالحكم وسن القوانين وحصن البلاد ونشط الحياة الاقتصادية بالمدن والأرياف مشجعا وفود المماليك والمهاجرين الموريسكسسن أي مهاجروا الأندلس وقد تواصل هذا الرخاء النسبي مع خلفائه المباشرين طيلة النصف الأول من القرن 17 مع يوسف داي (1610-1637) وأسطا مراد (1637- 1640 ) وأحمد خوجة (1640-1648) ويعزى ذلك الى ارتفاع مردود القرصنة البحرية الذي استفاد من الصعوبات التي واجهتها أروبا خلال حرب الثلاثين من سنة 1618- 1648 كما عاينت هذه المرحلة تباينا في المصالح بين حكام أوجاق الغرب الثلاثة واتصل ذلك بمسألة ضبط الحدود مما ساعد على تشكل المجال الترابي لكل إيالة .
العهد المرادي
انطلق من حكم وراثي اتصلت تجربته السلالية بملوك من أصول كورسيكية نسبة الى جزيرة كورسيكا ويدعى المؤسس مراد كورسو امتلكه رمضان باي ( 1598 - 1613 ) وهو أول من تولى قيادة المحلة ذلك الجهاز الجبائي والعسكري الموروث عن الحفصيين يجمع ضرائب مفروضة على دواخل البلاد وقد تمكن كورسو من قيادة المحلة خلال عشرينات القرن السابع عشر وقام بتوريثها لابنه الوحيد محمد بن مراد باي المعروف بحمودة مكتفيا بمنصب الباشا الذي جد في طلبه من الباب العالي وتحصل عليه سنة 1631.
سلك المراديون سياسة ملكية أعادت الحياة للتقاليد السياسية الحفصية فقد توارثوا خطة قيادة المحلة واعتمدوا على مداخيل الجباية وانفتحوا على رؤساء التجمعات الداخلية ومتنوا روابطهم المصلحية بهم وتحالفوا مع عدة قبائل ذات تقاليد عريقة في الخدمة المخزنية مثل قبيلة دريد وذلك لاخضاع القبائل الخارجة عن سلطة الدولة وبذلك تراجعت سلطة الدايات لتقوم سلطة البايات المراديين .
شهد النظام المرادي خلال الربع الأخير من القرن 17 أزمة حادة تضافرت على تعميقها عدة عوامل اقتصادية واجتماعية نذكر من بينها تراجع المبادلات وتدني الانتاج وظهور المجاعات والأوبئة من 1676 - 1689 واندلاع الصراعات الداخلية التي أججها تنافس الأخوين محمد وعلي إبني مراد الثاني للإنفراد بالحكم وقد تسببت تلك الأزمة الحادة في أعلى هرم السلطة في تدخل "أوجاق الغرابة " أي الفيالق العسكرية الخاصة بإيالة الجزائر ويتعلق الأمر بإنكشارية الجزائر وقسنطينة أساسا . في ثلاث مناسبات وذلك خلال أقل من عقدين من الزمن في سنوات 1686-1694و 1705 واستفحلت الفوضى نتيجة لسياسة الباي مراد الثالث (1699 - 1702 ) المزاجية والدموية وقد إستغل أغا الصبايحية داخل الوجق إبراهيم الشريف تلك الفرصة لإزاحة جميع أفراد البيت المرادي وإعادة الحكم بعد استئصالهم بيد ممثلي الوجق التركي .
العهد الحسيني
الحسينون: سلالة من البايات حكمت في تونس سنوات 1705-1957 م.مقرها تونس (قصر باردو).كان مؤسس السلالة الحسين بن علي تركي(1705 - 1735 م) الذي ينتسب والده الى مدينة كنديا بجزيرة كريت اليونانية استقر والده سنة 1669 م وانخرط في الخدمة بالجيش الانكشاري متزوجا من امرأتين تنتسبان الى فصيلة بدويتين محليتين هما بني شنوف وشارن فكان ابناه حسين ومحمد كورغليان محسوبان على الأتراك وقد دخل حسين بن علي خدمة البلاط المرادي صغيرا وتقلد عدة مناصب كخزنة دار أغا الصبايحية وقايد الاعراض كاهية للباي ثم قائدا على فرقة الخيالة في الجيش العثماني. بعد اضطراب الأوضاع السياسية في تونس، استولى على الحكم على حساب المراديين بعد مقاومة أتراك الجزائر بعد وقوع الباي ابراهيم الشريف في أسر عسكرهم أخذ يستقل بالأمر حتى أصبحت دولته كيانا قائما بذاته (على حساب الأتراك العثمانيين) . هذا وقد نجح في توطيد حكم السلالة الجديدة باحداث توازن سياسي واداري بين مختلف العناصر الفاعلة في البلاد من كورغليين وأعيان وأتراك الذين أشركهم في الاستفادة من مخزنه في استغلال خيرات البلاد عن طريق اللزم والوكالات والوظائف والمناصب السامية غير أن تطويره لسياسة الاتجار مع البلدان الأروبية خلال عقد المعاهدات مع فرنسا (1710 - 1728 ) وانجلترا سنة 1716 واسبانيا سنة 1720 والنمسا سنة 1725 وهولندا سنة 1728 قد دفعه الى ممارسة سياسة " المشترى" المتمثلة في الحصول عل جانب من المنتوج الزراعي باسعار متدنية وذلك قصد الاستفادة من بيعه الى التجار الأجانب وهو ما آثار غضب سكان البوادي وجعلهم يقفون في صف ابن أخيه علي باشا بمجرد قيامه ضده بعد أن تراجع عن تعيينه وليا للعهد لفائدة ابنه محمد الرشيد .
أدت الحروب العائلية التي عرفتها دولة الحسينيين في تونس من 1728 الى 1756 في عهد (ابن أخ المؤسس) علي باشا (1735-1756 م) إلى غزو البلاد سنة 1756 م، ثم قيام وصاية على تونس من طرف حكام الجزائر (دايات الجزائر).حيث ثار ولي العهد المخلوع وهو باي الأمحال ضد عمه والتجأ الى جبل وسلات مع حلول شهر فيفري سنة 1728 وانقسمت البلاد الى شقين متنازعين الأول حسيني مع الباي حسين بن علي وقسم باشي مع ابن أخيه وترتبط الأحداث بعدة أسباب منها التركيبة المجزئة للمجتمع وتقاليده القبلية المتواصلة وتأثر الجهاز السياسي للدولة بهذا الواقع المحلي تبعا لمحدودية تجذره مع سياسة الباي حسين الاستغلالية التي أخطأت في تقييم غضب سكان المناطق الداخلية ولم يتوصل علي باشا الى إزاحة عمه الا بمساعدة الأتراك دايات الجزائر مقابل دفعه غرامة مالية هامة كما ان انفراده بالسلطة لم بخل من القهر كما اعتمد نفس الأساليب التي أضعفت سلفه لذلم استغل أبناء حسين بن علي محمد الرشيد وعلي باي خروج ابن الباشا علي يونس عن طوع والده سنة 1751 لاستعادة الحكم بدعم من عسكر الجزائر .
خلفت الحرب الأهلية عدة نتائج خاصة منها عودة الانقسام وتعدد تدخل الأجانب من أتراك الجزائر سنوات 1705 -1735 -1746 - 1756 اتسم بفضاعته الشديدة ارتبط به مصير حكام البلاد بمصير محكوميهم واختلافهم عن أجوارهم الجزائريين
استعادت الدولة عافيتها أثناء عهد علي باي بن حسين (1759-1782 م) ثم حمودة باشا بن حسين بن علي (1782 - 1814 م)، سميت هذه الفترة بالفترة الذهبية . اكتمل استقلال تونس سنة 1807 م وأصبحت دولة كاملة السيادة. بدأت في نفس الفترة عملية تعريب البلاد، من خلال إحياء الثقافة، كما تم إدخال نظام تعليمي أشرفت عليه الدولة. بعد أن قامت فرنسا باحتلال الجزائر سنة 1830 م، أصبحت تونس تحت رحمة القوى الأوروبية، كما أصبح اقتصادها مرتبطا بها أكثر. حاول أحمد باي (1837-1855 م) ثم محمد الصادق بن حسين (1859-1882 م) القيام بإصلاحات على الطريقة الأوروبية.
المنهج الإصلاحي التونسي في القرن التاسع عشر
خير الدين باشا نموذجا
حركة الاصلاح في تونس من 1840 إلى 1861
* بوادر الاصلاح بتونس في عهد أحمد باشا باي
- الجيش النظامي والمدرسة الحربية بباردو
- الإصلاحات الاجتماعية ومن أبرزها إلغاء الرق والعبودية بتونس
* الإصلاحات الدستورية
- عهد الآمان
مستوحى من التنظيمات العثمانية الخيرية المتمثلة خاصة في مرسومي هاميون وشريف كلخانة . تضمن عهد الآمان الذي أعلنه محمد باشا باي يوم 9 سبتمبر 1957 جملة من الحقوق والمبادئ السياسية والاجتماعية وردت ضمن 11 مادة من أهم ما جاء بها مبدأ المساواة أمام القانون والجباية كما أقر عهد الأمان حرية ممارسة الديانات وحرية التجارة وسمح للأجانب امتلاك العقارات بعد أن حرموا من ذلك في عهد حمودة باشا الحسيني . وجاء عهد الأمان في مجمله كإجراء سياسي يوفر الأمن لسائر السكان ويضع حدا للإستبداد والظلم والتفرقة بين سكان الايالة أو المملكة التونسية ولما تبين لقناصل الدول الأروبية من جهة وللبعض من المصلحين امثال أحمد بن أبي الضياف وخير الدين باشا محدودية عهد الآمان دفعوا محمد الصادق باشا باي الى إصدار الدستور .
- دستور 1861
أول دستور في التاريخ العربي الإسلامي تولت لجنة من رجال الدولة وبعض العلماء إعداده وأعلن عنه محمد الصادق باي يوم 29 جانفي 1861 وحدد يوم 26 أفريل من نفس السنة كتاريخ ابتداء العمل به . لقي الإعلان استحسان النخبة التي سعت من خلاله الى تجسيد التنظيمات السياسية الأوربية وإصلاح نظام الحكم بتونس كما سعت الدول الاروبية وعلى رأسها فرنسا وانجلترا من وراء حث الباي على هذه الإصلاحات إلى ضمان مصالح جالياتها بتونس وفتح أسواق البلاد لبضائعها ورؤوس أموالها .
احتوى الدستور 114 فصلا حددت حقوق وواجبات العائلة المالكة والوزراء والموظفين والرعية كما أقر مبدأ الفصل بين السلطات الثلاثة ونظم العلاقات بينها . فأعطى السلطة التنفيذية للباي لكن جرده من عدة حقوق كالتصرف في أموال الدولة وأصبح الياي مسؤولا أمام المجلس الأكبر الذي بوسعه خلع الباي إذا خالف القانون . أما السلطة التشريعية فجعلها الدستور مشتركة بين الباي والمجلس الأكبر الذي يتألف من 60 عضوا ثلثيه من أعيان البلاد والثلث الآخر من رجال الدولة وللمجلس الأكبر النظر في ميزانية الدولة وله مراقبة الوزراء ومحاسبتهم . أما السلطة القضائية فقد أصبحت مستقلة عن الباي وأسندت إلى 10 مجالس جنايات وأحكام عرفية بمثابة المحاكم الابتدائية ومجلس التحقيق بتونس العاصمة بمثابة محكمة استئناف واسندت مشمولات محكمة التعقيب الى المجلس الأكبر . انبثق عن الدستور إحداث مجالس كمجلس التجارة ومجلس الحرب ومجالس الضبطية ( الحكم في الجنايات الخفيفة ) .
خير الدين وإصلاحاته 1873 - 1877
أفكار خير الدين الإصلاحية و شخصيته وتكوينه
إصلاحاته الإدارية والاقتصادية والإجتماعية
ابتدءا من سنة 1869 م أصبحت الدول الأوروبية تتدخل مباشرة في تدبير الشؤون المالية الدول (الخزينة) كما تم تعطيل الإصلاحات السابقة. سنة 1881 م وبموجب اتفاقية باردو، أصبحت تونس تحت الحماية الفرنسية. تأرجحت سياسة البايات بين الإملاءات الفرنسية ورغبتهم في دعم المطلب الشعبي والمتمثل في الاستقلال، كان الحزب الدستوري يتزعم القوى الشعبية. قام الفرنسيون سنة 1943 م بخلع الباي منصف باي بن الناصر باي بعد أن أبدى نزعة وطنية. مع قيام الجمهورية سنة 1957 م، قام الحبيب بورقيبة بدوره بخلع آخر البايات الحسينيين الأمين باي بن محمد الحبيب (1943-1957م).
يتبع
البلاد التونسية : التاريخ
تاريخ البلاد التونسية منذ القرن xii ق م