أول معهد موسيقي عربي في تونس والمغرب العربي تاريخ الموسيقى في تونس
أول معهد موسيقي عربي في تونس والمغرب العربي تاريخ الموسيقى في تونس
أول معهد موسيقي عربي في تونس والمغرب العربي تاريخ الموسيقى في تونس
مقاربة تاريخية للتعليم الموسيقي بتونس
يُعد المعهد الرشيدي، المنبثق عن الجمعية الرشيدية، أول معهد موسيقي عربي في تونس والمغرب العربي ( ) يرسي دعائم التكوين الموسيقي الأكاديمي، ويحقق بفضل خريجيه حركة تعليمية واسعة.
ومن قبل كان التلقين الشفاهي أبرز طرق التعليم المعتمدة لحفظ التراث الموسيقى التونسي والعربي، من مالوف و موشحات وأدوار بإيقاعاتها المختلفة، والذي كان يؤول بفعل العملية التراكمية الكميّة إلى حذق الطبوع والمقامات بشتّى فروعها وخاصياتها حتى الدقيقة، كاختلاف الدرجة الواحدة من مقام أو طبع لآخر. "وقد كان لذلك عدة مدارس خاصة وعمومية. فالعمومية كانت أبرزها زاوية سيدي عزوز وبعض الزاويا العيساوية، مثل سيدي الحاري وسيدي الشاذلي، و سيدي بوقميزة .... أما المدارس الخاصة فكانت من أشهرها التي للأساتذة : محمد الأصرم، والطاهر المهيري والشيخ العدل محمد بن مصطفى"( ) وعن طرق تواتر المالوف التونسي نقرأ مثلا أن الطرّارجي عزوز السمار"تخرج على يدي محمد بلحسن الضرير، و انتهى حفظ المالوف له ولزميله الصادق الفرجاني الذي تخرج عليه الشيخ خميس ترنان" ( ) كذلك محمد الدرويش"فهو من تلاميذ الشيخ أحمد الوافي المقربين ... و كان دكانه بالسوق الحفصي بالعاصمة مثابة لأهل الفن" ( ).
"أما تدريس الموسيقى الغربية فقد بدأ بعيد الاحتلال الفرنسي سنة 1881 في المدارس الابتدائية والمعاهد حيث كان تدريس الموسيقى أمرا ضروريا"( ) ثم تواصل في مدرسة موسيقية متخصصة بعثت سنة 1896 و تطورت سنة 1931 لتصبح معهد الموسيقى بتونس Conservatoire de Tunis، اقتصر رواده على الفرنسيين والجالية الأجنبية عموما، ولم يستقطب إلا القليل من أبناء البلد. وأعتمد المعهد في تحديد برامجه نفس الأسلوب المعتمد في معهد باريس ،Conservatoire de Paris حيث توزّعت الأقسام حسب الآلات الموسيقية أو النظريات أو الغناء ( ) فأشتمل المعهد على ستة أقسام لآلة البيانو، وقسم لآلة الكمان وأخر للكمان الجهير، وقسمان لآلات النفخ، إضافة إلى قسم للإخراج وآخر للهرمنة .
ولم تخل بعض المدن الكبرى في البلاد من نواد و جمعيات يتعلّم روّادها جزءا من القواعد الموسيقية. و كانت أغلبها تحت إشراف الفرنسيين المستعمرين. ففي مدينة صفاقس تكونت سنة 1897 جمعية La Philharmonique Sfaxienne، عملت على تأطير الشباب الفرنسي و تعليمه الموسيقى والعزف لكنها ساهمت في نشر التعليم الموسيقى بين أبناء الجهة. وفي صلب النادي البلدي للفن الموسيقيL'harmonie Municipales Sfaxienne ـ الاسم الجديد للجمعية ـ كانت تُلقى دروس في الموسيقى مجانا لعامة الشعب توسعت وتركزت في سنة 1928 إلى غاية 1955 ( ) و قد استفادت الجمعيات المسرحية والموسيقية التونسية بالجهة من دروس الترقيم الموسيقى والعزف التي أقامها النادي. وتُعد جمعية الموسيقى العصرية بصفاقس أهم هذه النوادي، إذ سعت و منذ تأسيسها سنة 1925 لإرساء تقاليد تعليم الموسيقى على يدي أساتذة من تونس وخارجها.(*) ثم تطورت سنة 1939 لتصبح رسميا معهد الموسيقى العصرية بصفاقس. وتواصل هذا التطور ليأخذ على عاتقه سنة 1947 مهمة تدريس الموسيقى والآداب والفنون الجميلة ( ).
إلا أن مجمل هذا المجهود السالف الذكر، لم يرق إلى المستوى الذي بلغه المعهد الرشيدي، فقد شكّل ظهور الأخير منعرجا هاما في تاريخ التعليم الموسيقى بتونس. "و كان التعليم بالمعهد يستمر ثلاث سنوات والذين يُنهون تعليمهم بها (هكذا)، يلتحقون بمدرسة الفنون الجميلة سابقا للحصول على شهادة ختم الدروس في تلك المدرسة" ( ) و قد أعتمد منذ البدء على أساتذة إجلاء ممن أتقنوا التراث الموسيقي التونسي والعربي وتمكنوا منه، أمثال الشيخ خميس ترنان، محمد التريكي ... كما تعاقد مع الأستاذ علي الدرويش "لتدريس النظريات الموسيقية والقراءة الصولفائية و آلة الناي (...) و لتدريب الفرق الموسيقية والغنائية على الأعمال التراثية" ( ) و ساهم الأستاذ نيكولا بونورا (إيطاليا 1906 – تونس1971) في تدريس النظريات والعزف على الكمان و الكمان الجهير ( ).
و في سنة 1954 تعزز هذا الجهد بفتح قسم للموسيقى العربية بمعهد الموسيقى، أشرف عليه الأستاذ صالح المهدي، وإثر الاستقلال تمّ تعريب برنامج المعهد الذي صار يعرف بالمعهد الوطني للموسيقى."وقد ضبط برنامج المعهد ثلة من أساتذة الرشيدية بطريقة تضمن المحافظة على التراث الموسيقي التونسي، وتفتح نوافذ على الموسيقى العربية عامة وعلى مواد الترقيم والثقافة العامة من معرفة للتاريخ وعروض الشعر العربي باعتباره مما يحتاج إليه للتدريب على التلحين الصحيح، و يؤول هذا التعليم إلى الإحراز على ديبلوم الموسيقى العربية".( )
ثم تتالت معاهد الموسيقى في باقي الجهات، و كان أولها المعهد اللخمي للموسيقى بصفاقس والذي بدأ نشاطه في النادي العصري للموسيقى والتمثيل بتطبيق برنامج الثلاث سنوات الأولى للمعهد الوطني للموسيقى من سنة 1961 إلى غاية 1968، ثم انتقلت الدروس إلى معهد اللخمية و أضيفت السنتان الرابعة و الخامسة.( )
و قد اتبعت كل المعاهد البرنامج الذي حدده المعهد الوطني وسارت على الدرب نفسه دون أدني تغيير في الجوهر فرضها بالأساس امتحان ديبلوم الموسيقى العربية الذي كان و لازال يجري بطريقة مركزية في العاصمة لجميع الدارسين.