عرش المنافق الغنوشي يهتز أمام حركة نداء تونس بقيادة الباجي قائد السبسي
رجل قطر المنافق والعميل راشد الغنوشي
الباجي قائد السبسي رجل دولة وسياسي محنك ومنقد تونس من براثين الجهل والرجعية
عرش الغنوشي يهتز أمام كاريزما قائد السبسي
'رجل قطر والإخوان راشد الغنوشي ' يرى في نجاح 'رجل تونس البورقيبي الباجي قائد السبسي ' تهديدا حقيقيا للنهضة و لزعامته... في مجتمع يتمسك بقيم الحداثة والدولة المدنية.
تونس - يبدو أن صورة رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي، التي تعقد مؤتمرها التاسع من 12 الى 15 يوليو/تموز الحالي بدأت تهتز وتتآكل لدى قطاعات واسعة من الرأي العام التونسي بعد إخفاقه في مد جسور حوار وطني مع مختلف القوى السياسية الديمقراطية والعلمانية ومواقفه المنحازة إلى السلفية الجهادية فضلا عن فشل الحكومة التي تقودها النهضة في معالجة الملفات الساخنة التي تشغل اهتمام التونسيين.
ويطرح ذلك أكثر من سؤال حول مدى تأثيره في المشهد السياسي في بلد يتطلع إلى تحقيق عملية انتقال ديمقراطي يشارك فيها مختلف الفاعلين السياسيين.
يوم عاد راشد الغنوشي من منفاه في لندن إثر سقوط نظام الرئيس بن علي استقبله أنصاره في مطار تونس قرطاج استقبال الفاتحين مهللين ومكبرين فيما احتشدت بجانب المطار مئات من النساء الديمقراطيات في مظاهرة تندد بمشروع النهضة الديني وتنادي بعدم التراجع عن مكاسب الحداثة في تونس وفي مقدمتها حرية المرأة.
ولما سئل الغنوشي عن موقفه من المظاهرة الرافضة للمشروع السلفي أجاب بأنه "لا علم" له بأن ساحة المطار شهدت مظاهرة ضده.
ولم تكن تلك الإجابة بريئة فرئيس حركة النهضة الذي قضى أكثر من عشرين سنة في المنفى لم يتنازل عن عدائه لـ"مشروع الحداثة" الذي قاده إثر استقلال تونس عن الاستعمار الفرنسي في 20 مارس/آذار عام 1956 عدوه اللدود الزعيم الحبيب بورقيبة وظل الغنوشي متشبثا بـ"مرجعيته السلفية" على حد تعبير المفكر الإسلامي محمد الطالبي.
لم يستفد الرجل الذي نشأ على أدبيات حركة الإخوان المسلمين في مصر وعلى أفكار رموز الحركة "الإصلاحية السلفية" مثل جمال الدين الأفغاني وأبو الأعلى المودودي ومحمد عبده إضافة إلى ابن تيمية وابن قيم الجوزية، لم يستفد كثيرا من تجربة الديمقراطيات العريقة وفي مقدمتها البريطانية بل على العكس من ذلك فقد اتخذ من لندن "معتكفا" لتعميق وتجذير مرجعيته السلفية و"مركزا" لنسج علاقات قوية مع أغلب قيادات الحركات الإسلامية السلفية في المنطقة العربية.
ولما وطئت قدماه أرض تونس العلمانية لم يكن الغنوشي على معرفة دقيقة بأن المجتمع التونسي، وبشهادة قيادات حركة النهضة نفسها، شهد تحولات عميقة في بناه الاجتماعية والسياسية والفكرية، ورغم بطش نظام الرئيس السابق بن علي نشأ جيل جديد "متحرر من كل الطابوهات الدينية" ، جيل متشبع بثقافة سياسية نفعية ذات مرجعية علمانية لا مكان فيها للمرجعية السلفية باستثناء المهمشين منه في الجهات المحرومة وفي الأحياء الشعبية الفقيرة.
ولم تتجرأ قيادات الحركة التي فقدت تأثيرها في المجتمع خلال سنوات حكم بن علي على مصارحة "الشيخ" بأن تونس التي غادرها عام 1987 هي ليست تونس التي عاد إليها عام 2011 وتكتمت بوعي أو بدون وعي على أن النهضة ألقت بها التحولات التي شهدتها تونس على هامش المشهد السياسي والاجتماعي لتجد نفسها منبوذة من قبل القوى السياسية وقطاعات واسعة من التونسيين الذين لا يعرفون راشد الغنوشي ولا يسمعون به.
يقول الباحثون في الإسلام السياسي إن نشطاء حركة النهضة الذين عايشوا عشريتي حكم زين العابدين بن علي لئن لم يهاجروا "جغرافيا" وبقوا في تونس فقد هاجروا "فكريا" وانسلخ كثير منهم عن الحركة فيما اقترب عدد آخر من القوى ذات التوجه الحداثي حتى أنهم انخرطوا في حزب التجمع المنحل وتحالف البعض الآخر مع الحزب الديمقراطي التقدمي الذي يتزعمه أحمد نجيب الشابي.
وخارج حركة النهضة تشكلت خلال السنوات العشرين الماضية قوى سياسية ديمقراطية رافدها الأساسي جيل جديد من التيارات اليسارية وأحزاب الوسط وعدد من الشخصيات الفكرية والسياسية التي رسمت لنفسها مسافة مع نظام بن علي وفي مقدمة تلك الشخصيات رئيس الحكومة السابق الباجي قائد السبسي وزير الخارجية القوي في نظام الزعيم الحبيب بورقيبة.
وبقدر ما قدم الغنوشي نفسه "زعيما إسلاميا منقذا " لتونس من التركة الثقيلة لسنوات طوال من الاستبداد السياسي والاجتماعي والثقافي الذي عانت منه البلاد في عهدي بورقيبة وبن علي بقدر ما كانت تلك "الزعامة" مهزوزة في مجتمع سئم "الزعيم الواحد" و"الحزب الواحد" و"الرأي الواحد" وثار من أجل الحرية والحق في الاختلاف والقطع مع مختلف أشكال الاستبداد التي تعششت تحت عباءة الزعيم.
وخلال الأشهر الأولى للثورة لم تخف القوى الديمقراطية والعلمانية "تخوفها من سطوة النهضة" ومن "إمكانية استفرادها بالحياة السياسية ومسار عملية الانتقال الديمقراطي" خاصة بعد بروز موجة من التدين لدى الشباب تحت تأثير فضائيات الدعاة الوهابيين، لكن واقع ومعطيات المشهد السياسي والاجتماعي في تونس الحديثة نسفت تخوفات العلمانيين مثلما نسفت أحلام الغنوشي، ذلك أن موجة التدين كانت أبعد ما يكون عن الإسلام السياسي وإنما هي "ظاهرة نشرتها الفضائيات" على حد تعبير المختصين في علم الإجتماع.
وكانت انتخابات المجلس التأسيسي التي جرت يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول المحطة المفصل التي كشفت محدودية شعبية حركة النهضة واهتزاز عرش راشد الغنوشي، إذ لم تتمكن الحركة قانونيا من حيازة سوى 22 بالمائة من أصوات الناخبين، أما عمليا ووفق خبراء القانون الدستوري فإن النسبة الحقيقية لا تتعدى 18 بالمائة باعتبار أن نصف التونسيين الذين يحق لهم الانتخاب لم يتوجهوا إلى صناديق الانتخاب وبالتالي لم يقترعوا، وذلك على الرغم من "تزوير عقلية الناخبين الذين وجدوا أنفسهم أمام مفارقة، "إما التصويت للإسلام أو التصويت للكفر" على حد تعبير الخبير في القانون الدستوري قيس سعيد.
ومثلت الانتخابات "محرارا سياسيا" سواء لحركة النهضة أو للأحزاب السياسية التي فاق عددها 100 حزب ذات مرجعيات فكرية وتوجهات سياسية مختلفة أغلبها متشبث بعلمانية تونس وبمدنية الدولة وبتعددية المجتمع التي تتناقض تماما مع رهانات الغنوشي الذي ظن أنه يقف على أرضية شعبية تؤهله لأن يكون "الزعيم الوحيد القادر على إدارة مرحلة الانتقال الديمقراطي".
لكن الأحداث خيبت آماله، خاصة بعد أن تولى الباجي قائد السبسي يوم 2 مارس/آذار 2011 رئاسة الحكومة التي تشكلت من أجل إدارة العملية السياسية بصفة مؤقتة من أجل إنجاح انتخابات التأسيسي.
وفعلا، رغم حالة الفوضى العارمة والانفلات الأمني والاحتقان الاجتماعي والاستقطاب السياسي نجح السبسي في إنجاح الانتخابات بعد أن فتح مكتبه لكل الفاعلين السياسيين بمن فيهم حركة النهضة وبدا في ظرف صعب رمزا للشخصية الوطنية الديمقراطية التي تمتلك حنكة سياسية وخبرة كبيرة في إدارة الشأن العام بعيدا عن الاعتبارات الشخصية.
خلال فترة رئاسته للحكومة نجح قائد السبسي في نحت ملامح شخصيته وبناء "كاريزما" سياسية ليؤكد أنه رجل دولة قوي يستلهم طريقة إدارته للشأن الوطني من معين الفكر البورقيبي الذي يؤمن بهيبة الدولة وترفعها عن المزايدات السياسية والحزبية والدينية وهو ما أزعج كثيرا راشد الغنوشي الذي رأى في نجاح رجل بورقيبة تهديدا فعليا لـ "زعامته" ولمشروعه الإسلامي.
ويجمع السياسيون التونسيون على أن قائد السبسي أنقذ تونس من الانزلاق في هوة سحيقة بعد أن تسلح بكثير من الصبر والحزم في تهدئة الأوضاع وتوفق في تحقيق حد مقبول من الاستقرار متمسكا بـ"حقه في ممارسة صلاحياته التي لا يتقاسمها فيها أحد" وفرض سطوته "الشرعية" على الجميع بما فيها الأجهزة الأمنية.
وعلى الرغم من أنه لا يثق في "الخطاب المعلن لراشد الغنوشي" ولا في "مدى ولاء النهضة للدولة المدنية ولتونس الحديثة" حتى أنه همس إلى أصدقائه بأن "يفتحوا عيونهم تجاه ممارسات النهضة لا أن يفتحوا آذانهم لسماع خطابها المزدوج" فإنه تحلى بروح وطنية عالية من خلال التعامل مع الحركة بنفس المسافة مع بقية القوى السياسية.
غير أن ذلك لم يمنع رجل بورقيبة من توجيه نقد لاذع لراشد الغنوشي في أول خطاب مرتجل تم بثه مباشرة على التلفزيون واصفا إياه بأنه "رجل من الأرشيف" لا في إشارة إلى سنه وإنما في تلميح واضح إلى أفكاره السلفية التي تتناقض مع الحداثة التونسية وإلى مشروعه الديني الذي ينشد بناء "دولة الخلافة الإسلامية" على أنقاض دولة المؤسسات والقانون المدنية.
تتبع قائد السبسي أنفاس الغنوشي ولما تأكد أنه يسعى إلى "أسلمة" ثورة الشباب والمحرومين التي لم يكن فيها لحركة النهضة دور يذكر لم يتردد في تذكيره بأنه كان يرسل بإشارات غزل للنظام السابق وأنه كان يردد قائلا "ثقتي في الله وفي بن علي".
كان خطاب السبسي الذي لقي ترحيبا واسعا لدى الفاعلين السياسيين والاجتماعيين وما تضمنه من نقد لاذع للغنوشي رسالة قوية لكسر "شوكة" زعامة "الشيخ" الذي يكن العداء بل المقت لرجال بورقيبة باعتبارهم "علمانيين وأعداء للإسلام وللشريعة الإسلامية".
ومنذ تشكيل حكومة الائتلاف الثلاثي الذي تقوده حركة النهضة إثر انتخابات التأسيسي بدا قائد السبسي مراقبا سياسيا محنكا لأداء حكومة قدمت للتونسيين حزمة من "خطب حسن النوايا" أكثر مما قدمت حلولا عملية وناجعة لمشاغل التونسيين وأعرب في أكثر من مناسبة عن عدم رضاه عن تردي الأوضاع في البلاد خاصة بعد تنامي العنف السياسي الذي تمارسه المجموعات السلفية في ظل صمت مريب للحكومة التي أستأمنها الشعب على العملية السياسية وفي مقدمتها حماية الحريات الفردية والعامة واحترام مؤسسات الدولة وهيبتها.
وإزاء حالة الاستقطاب السياسي الذي تشهده تونس، طرفه الأول حركة النهضة وذراعها الخلفية المجموعات السلفية، وطرفه الثاني أحزاب اليسار المتشتتة التي عجزت عن بناء قوة معارضة قوية، أطلق السبسي يوم 26 يناير/كانون الأول 2012 مبادرة "من أجل تحقيق توازن سياسي يواجه الترويكا الحاكمة وحركة النهضة" وشرع في تأسيس حزب سياسي.
وأختار السبسي مدينة المنستير الساحلية مسقط رأس الزعيم بورقيبة ومعقل الحزب الدستوري الذي تأسس عام 1920 وقاد مرحلة الكفاح الوطني ضد الاستعمار الفرنسي ليعقد اجتماعا شعبيا ارتعدت له فرائص النهضة بعد أن نجح رجل بورقيبة في حشد أكثر من 15 ألف من الدستوريين والقوى الوطنية الديمقراطية والأحزاب الوسطية وكذلك نشطاء المجتمع المدني والشخصيات الوطنية التي تحظى بتقدير لدى التونسيين.
بعث الاجتماع برسالة في غاية من الأهمية بالنسبة للتونسيين ولكنها في غاية من الخطورة بالنسبة لراشد الغنوشي مفادها أن السبسي رجل دولة يتمتع بكاريزما جذابة وله تأثيره وثقله في صناعة الواقع السياسي بل وإعادة بنائه بما يستجيب لتطلعات قطاعات متعدّدة من التونسيين الذين إما لا يثقون في حركة النهضة أو هم محبطون من أداء الحكومة التي فشلت في تحقيق أهداف الثورة.
وسربت قيادات من النهضة أن نجاح السبسي في حشد الآلاف من التونسيين مثل صدمة للحركة بصفة عامة وصدمة لراشد الغنوشي بصفة خاصة الذي قرر تنفيذ خطة تحرك على مستويين، مستوى أول من خلال عقد اجتماعات في مختلف أنحاء البلاد ومستوى ثان من خلال إلقاء سلسلة من الدروس الدينية في المساجد.
وخلال ذلك اندلعت مواجهة بين الرجلين في شكل تجاذبات سياسية نجح قائد السبسي في كسبها في ظل حالة استياء اجتاحت الرأي العام التونسي جراء تخبط الحكومة وانزلاقها في إطلاق العنان للسلفيين ليستهدفوا المؤسسات السيادية للدولة وكذلك في افتعال معركة مع الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يحظى بمصداقية نضالية واسعة وله ثقل اجتماعي وسياسي لدى قطاعات عريضة من التونسيين.
وأثرت المعركة مع الاتحاد تأثيرا سلبيا كبيرا على حركة النهضة التي اتهمها الاتحاد بالسعي إلى الهيمنة عليه وتجريده من استقلاليته التي استبسل في الدفاع عنها طيلة نظامي بورقيبة وبن علي، وأضطر راشد الغنوشي إلى طرق باب مكتب الأمين العام للاتحاد حسين العباسي في خطوة فسرها السياسيون على أنها "إقرار بالهزيمة" و"اعتذار" لمنظمة تمتلك القدرات البشرية والتنظيمية على إعادة تشكيل المشهد السياسي.
ولم يفوت قائد السبسي الفرصة ليلتقطها محذرا القوى السياسية من سعي النهضة للهيمنة على مؤسسات الدولة وعلى منظمات المجتمع المدني وبدا بالنسبة للتونسيين رجلا مدافعا عن هيبة الدولة ومكاسب البلاد وعن الحقوق المدنية والسياسية الفردية والعامة.
هكذا نجح قائد السبسي في خلع جبة الزعامة عن الغنوشي مستفيدا في الآن ذاته من أخطاء النهضة والحكومة ومن استلهام مواقفه ومبادراته من مرجعية وطنية تونسية أصيلة فيما بقي رئيس حركة النهضة رهن طوباوية الإسلام السياسي الذي لا يستنكف عن معاداة قيم الدولة المدنية وقيم المجتمع التعددي ملوحا براية دولة الخلافة التي لا تعني في الثقافة السياسية التونسية شيئا يذكر.
والتمسك بالخيار "الإسلاموي" هو الذي يفسر ترحيب الغنوشي ومباركته لصعود "إخوانه" للحكم في كل من مصر وليبيا والمغرب وكذلك انتصاره لثورة "إخوانه" في سوريا، إضافة إلى فتح خطوط ومد جسور مع "إخوانه" في تركيا ناهيك عن العلاقة "اللغز" مع دولة قطر وهو ما يؤكد أن الرجل يسعى إلى التموقع في إدارة الربيع العربي لتحويله إلى ربيع "الإخوان" يجمع الحركات الإسلامية السلفية حول مشروع إسلاموي واحد لا يعير اهتماما كبيرا للشأن الوطني وخصوصياته.
وعلى عكس تطلعات الغنوشي إلى إدارة الإسلام السياسي في المنطقة الذي يهدف إلى استبعادا القوى الوطنية اليسارية والعلمانية يعمل قائد السبسي على حصر تطلعاته في معالجة القضايا التونسية ليقدم نفسه على أنّه "رجل وطني يجمع كل التونسيين، الحداثيين والعلمانيين والدستوريين واليساريين حول مشروع تونسي واحد يستجيب لتطلعاتهم".
وفيما يستعدي الغنوشي الدولة المدنية العلمانية يعمل قائد السبسي على استثمار مكاسب الدولة الحديثة وما راكمته من إنجازات خلال خمسين سنة ليستلهم منها ما يساعده على إقناع التونسيين بأنه رجل دولة قوي يمتلك قدرا كبيرا من الوعي السياسي الوطني، وعي مشدود إلى مشاغل التونسيين قبل كل شيء، لذلك نجح في تحقيق الوفاق بين فئات وطنية متنوعة.
لا يمكن فهم قدرة كاريزما قائد السبسي على تجريد راشد الغنوشي من "عرش الزعامة" من منطلق سياسي ضيق بل هي ذات جذور فكرية وثقافية، إذ في الوقت الذي يسبح فيه رئيس حركة النهضة في فلك حركات الإسلام السياسي التي تحتقر الإرث الوطني وثقافة المجتمع لتبشر بـ"الخلافة" وبـ "ثقافة دينية" لا يرى قائد السبسي نجاح مسار عملية الانتقال الديمقراطي خارج تراكمات التاريخ الوطني التونسي التي تختزل في النهاية "بناء دولة المواطنة" و"نشر ثقافة مدنية" من أبرز ملامحها التعايش بين كل التونسيين.
وإذا كانت سنوات المنفى في لندن ساعدت راشد الغنوشي في نحت صورة له كسب من خلالها ثقة قيادات الحركات الإسلامية والسلفية العربية والأجنبية ما جعله يصنف في المرتبة الثانية في الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين بعد الداعية يوسف القرضاوي، فإن تلك السنوات والعلاقات هزت صورته لدى التونسيين ليرون فيه "رجل قطر" الدولة الخليجية الحاضنة في الآن معا قواعد السلفية الجهادية والقواعد العسكرية الأميركية.
وبقدر ما يرى التونسيون اليوم في قائد السبسي أنه يمثل رمزا وطنيا بارزا للانفتاح على مختلف القوى السياسية وكذلك رمزا لرجل الدولة الذي يؤمن بهيبتها ويرفض المساس بسيادتها بقدر ما تبدو لهم صورة راشد الغنوشي صورة مهزوزة في المشهد الوطني بعد أن تراجعت شعبيته السياسية وسطوته الدينية نظرا لعدم وضوح مواقفه من عدة قضايا وطنية مصيرية وفي مقدمتها انفتاحه على المسار الديمقراطي التعددي وإيمانه بمبادئ الدولة المدنيّة .
لذلك يتوقع المراقبون أن يشكل قائد السبسي خطرا حقيقيا يهدد حظوظ النهضة خلال الانتخابات القادمة المزمع إجراؤها في ربيع 2013 مستفيدا من قوة سياسية معارضة يعمل على بنائها لتكون قادرة على وضع حد لحالة الاستقطاب التي تستأثر بها النهضة من جهة، ومستفيدا من تراجع ثقة التونسيين في الحركة التي وعدت بالكثير ولم تقدم إلى الآن حتى القليل.
sisko education