بحث جاهز حول الفلسفة المادية الجدلية
بحث جاهز حول الفلسفة المادية الجدلية
كلمة فلسفة (Phylosophy) هي كلمة يونانية مشتقة من جزرين هما (فيل ، Phill) أو( فيلو ، Phillo) وتعنى حب ، وسوفي ( Sophy) وتعنى المعرفة أو الحكمة ، مما يعنى أن لفظ فلسفة لغة يعنى حب العلم و حب المعرفة ، أو حب الحكمة والسعي لإكتسابها . أما إصطلاحاً ، فإن حد اللفظ فلسفة ، قد تعرض للكثير من التبدل والتغير بحسب تطور معارف الناس، فهو مثله ومثل أي لفظ آخر مثل الكيمياء أوالطب أوالفلك قد تبدلت خصائصه وصفاته وتضمنه بتطور وتبدل معارف الناس ، ففى كل حين يكون له معنى أو حداً إو تضمنا مختلفاً . ففى عهد بداوة الإنسان ، ولما كان الإنسان متوحشاً ، ما كان يمعن النظر فيما حوله من الظواهر، وكان يعيش مثله مثل غيره من الحيوانات ، وما كان يستطيع بناء المعرفة أو الأفكار المجردة . ولما تطور أخذ يدقق النظر فى الظاهرات ، وأخذ يبحث فى كنهها وفى طبيعتها ، وصار يكـّون المعرفة ، وقد أشتقت كلمة فلسفة حينها لتعنى محبة العلم ومحبة الحكمة ، ومحبة صياغة الأفكار المجردة ، ومحبة تقويم سلوك الانسان ، وصار الفيلسوف هو الرجل الخبير بالأشياء العارف بالظاهرات. ولعل أول من إستعمل كلمة فلسفة هو طاليس الملطي ( 634 ـ 547 ق م ) والذى يعرف عند العرب بطاليس القديم .
وتطورت الفلسفة على أيدي الفلاسفة والعلماء اليونان ، وصارت تعنى معنى أوسع ، وصارت تعنى النظرة الشاملة للكون وللطبيعة و المجتمع . وأخذ الفلاسفة يطرحون أسئلة أكثر شمولاً وعمقاً وتعقيداً مثل : من أي شيء يتكون الوجود؟ وما هي طبيعة المادة؟ وما هي مكوناتها؟ وهل الكون أزلي أم مخلوق؟ وهل المادة سرمدية أم حادثة ؟ وهل المادة أبدية أم مصيرها إلى الفناء ؟ وهل هناك فراغ فى الكون؟ وهل هناك وجود غير الوجود المادي أم أن الوجود كله مادي؟ وغيرها من الأسئلة . ثم بدأ الفلاسفة والعلماء يدرسون الظواهر الكلية والظواهرالجزئية ويكونون المعارف الخاصة ، فنشأ علم الهيئة من دراسة حركة الكواكب والنجوم ، ونشأ علم الطب من دراسة أحوال جسم الإنسان ، ونشأ علم الكيمياء من دراسة تأثير الأجسام المادية على بعضها بعضا ، وهكذا ظهرت العلوم النوعية المختلفة.
ولما جاء أرسطو معلم البشرية الأول ، وعمل على جمع العلوم وتنسيقها وأعاد ترتيبها ، ربط كل العلوم بالفلسفة ، فصارت الفلسفة تعنى علم العلوم ، وأخذت الفلسفة محتوى علمياً محدداً ، تقوم على معرفة المادية الأرسطية والمنطق الأرسطي ، وصار الأطباء والكيميائيين والفلكيين وغيرهم من العلماء يدرسون الفلسفة وكل العلوم وفق المنهج الذى وضعه أرسطو. وأخذت كل العلوم النوعية مثل الكيمياء والطب والفلك والجغرافيا وغيرها فى التطور، وأخذت تستقل شيئاً فشيئاً عن الفلسفة ، وزادت معارف العلماء ، فأخذت الفلسفة تعنى بدراسة المفاهيم الشاملة والمشتركة بين كل تلك العلوم مثل أزلية المادة ، حدوثها ، سرمديتها ، خلقها ، أبديتها ، فنائها ، الجوهر الفرد ، الكلي والجزئي ، الحركة والسكون ، السبب والنتيجة ، الاستمرارية والانقطاع ، الزمان والمكان ، الضرورة والصدفة ، الوعي والواقع وغيرها من المفاهيم الكلية.
ثم ظهر الفلاسفة الذين ربطوا الوجود الطبيعي بمسائل ما بعد الطبيعة وبالمعتقدات الدينية ، فقد أثارت أحاديث الفلاسفة الذين يرفضون الوجود غير المادي عن سرمدية المادة وعدم حدوثها ، وأن الكون كله مادي ، وأن كل موجود هو بالضرورة جسم مادي ، وأن ما ليس بجسم هو غير موجود ، وأن الكون غير مخلوق ، وأنه لا وجود لشيء خارج الطبيعة ، أثارت حفيظة رجال الدين فظهرت الفلسفة الأفلاطونية المحدثة ، والفلسفة اليهودية ، والفلسفة المسيحية ، والفلسفة الإسلامية وغيرها من النظريات التى تؤمن بوجود ما هو غير مادي . وهكذا إستمرت الفلسفة أيام دولة العرب المسلمين ، وفى أوربا المسيحية حتى بداية عصر النهضة وظهور الطريقة العلمية الحديثة وبداية النهضة العلمية المعاصرة . ولقد كان الجدل بين الفلاسفة الذين برفضون الوجود غير المادي وبين خصومهم قوياً ، فقد كان هناك فلاسفة ينكرون أيّ وجود غير المادة ، وفلاسفة ينكرون الوجود المادي كله ، وفلاسفة يقولون بوجود المادة ولكنهم يرفضون القول باستقلاليتها عن الإرادة الإلهية ، وفلاسفة يقرون بوجودها ولكنهم ينكرون قدرة الإنسان على معرفتها ، وغيرها من الأفكار المتصارعة.
وبدأت طريقة دافنشى وبيكون ( الفرضية ثم التجربة ) تؤتى ثمارها ، وبدأت الحقائق العلمية الحديثة فى الظهور، وأخذت الكثير من المسلمات القديمة فى الإنهيار. و بدأ المنطق الأرسطي والمادية الارسطية فى الضعف والإنهيار ، وظهر فساد أو ضعف جدل اللغة فى تكوين المعرفة وبناء الأفكار ، وبدأت الرياضيات فى التطور، وبدأ العلماء يضعون الفرضيات العلمية ويعملون على إثباتها ، وظهر دور ووظيفة جدل الدماغ وأهميته فى تكوين المعارف وبناء الأفكار، وبدأت الفلسفات الكبرى المعاصرة فى الظهور والانتشار.
في هذه الفترة وخلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ظهر عشرات الفلاسفة ، كل يعلن عن أنه سوف يقدم التفسير الكامل الصحيح لكل الوجود ، ولكل الطبيعة والمجتمع الإنساني وسلوك الانسان ، وهو أمر يمكن لكل من يريد الاضطلاع عليه أن يقرأ عن تاريخ الفلسفة الأوربية المعاصرة فى مصادرها ، فهي كلها أمر خارج موضوعنا سوى أن نقول عنها : ان السبب المباشر لظهور كل تلك التيارات الفكرية والفلسفية ، ونظريات علم الاجتماع وعلم النفس ، وظهور الأعداد الكبيرة من المدارس الفكرية ، وظهور عشرات أو مئات الفلاسفة فى هذه الفترة الصغيرة من عمر البشرية هو : إنهيار المعرفة المادية القديمة وبروز المعرفة المادية المعاصرة ، وظهور الحقائق العلمية المعاصرة . ولقد كانت قوية فهزت كل أركان التراث القديم ، ولكنها كانت غير كافية لتفسير الوجود في الطبيعة والمجتمع ، فعمد كل فيلسوف لتقديم التفسير لما يجهله الناس ، وأخذ الفلاسفة يستشرفون مسيرة المعرفة ويعملون علي تقديم الجديد مستعينين بجدل الدماغ .
أن كل الفلسفات هي فرضيات ، إنها جدل عقلي محض سواء أثبت العلم صحتها أم طواها النسيان ، ولقد انهارت أغلب الفلسفات والنطريات أو إختفت عن الوجود عندما اكتشف العلماء بعد ذلك حقائق الظواهر واكتشفوا التفسير العلمي الصحيح ، نسوق مثلا واحد لتلك الفرضيات نظرية فرويد . لقد عمد فرويد إلى تفسير كل تصرفات الإنسان وسلوكه بالاعتماد على خاصية معينه من سلوك الإنسان ، ولما تطور العلم وأكتشف العلماء فسيولوجي الدماغ وعرفوا نشاطه وتطور الطب النفسي والعصبي ، أخذت نظرية فرويد فى الإضمحلال وكاد ان يطويها النسيان . وهكذا الحال فى كل الفلسفات والمدارس الفكرية ، كانت قوية وساطعة ولما تجلت شمس الحقيقة أخفاها النهار.
وإذا كانت كلمة فلسفة إغريقية الأصل ، فإن ذلك لا يعنى أن حب المعرفة والعلم وحب الحكمة ، ورفع قيمة العلم والحكمة كان مقصرا عليهم دون بقية الشعوب. فحتي عرب الجاهلية كان للحكمة عندهم مكاناً رفيعاً . وكان حكماء العرب و أطباؤهم موضع التقدير فى كل مكان ، وكانت الحكمة بحسبانها كمال العقل بالعلم وسداد الرأي بالتجربة ، أو بحسبانها مطلق العلم ، أو أنها العقل السديد ، أو أنها عمق التجربة ، أمنية كل مسلم ولهذا قال الله تعالى عنها : ( من يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ) البقرة (269) . كما أن الله تعالى خص بها نبيه عليه الصلاة والسلام وأكرمه بها إذ قال له : ( أنزل عليك الكتاب والحكمة ) النساء (113). ومدح الحكمة فى عشرين موضعاً من القرآن، وكلها تعنى العلم والمعرفة وكمال العقل ، وكلمة (سوفي) اليونانية وكلمة حكمة العربية شئ واحد.
وحتى فى أيامنا هذه ، فان حب الحكمة ( الفلسفة ) يظل أمراً رفيعاً ، ويظل كمال العقل وسداده ورجاحته أمراً مطلوباً ، بل زادت عما كانت عليه فى السابق ، وصار الشخص المسلح بالعلم الطبيعي والعلم الإجتماعي ، والمسلح بمعرفة القوانين العلمية ومعرفة المبادئ الشاملة والقوانين العمومية ، والعلم بالعلم كله موضع التقدير والاحترام . ولو من الله على مثل هذا الرجل وعرفه بذاته ، لكان شخصاً عظيماً حقاً . فمن لا يستطيع أن يعرف الطبيعة والمجتمع فهو حتماً بالله تعالى أجهل ، وهو لا محال أعجز من أن يعرف قدرة الله تعالى ، ويعرف آياته فى الأفاق .
وفى القرن التاسع عشر جاء ماركس ( 1818 – 1883 ) . وقد كان بلا جدال واحداً من أشهر المدافعين عن الوجود المادي وعن المعرفة المادية. ولكن ماركس ... مثله ومثل كل عالم وكل إنسان ... كان إبن زمانه وإبن بيئته و إبن معرفته ، فقد كانت أوربا على زمانه أتوناً يغلى بمئات الحركات الإجتماعية والسياسية والنقابية ، وبالتيارات العلمية والفكرية والفلسفية . لقد كانت أوربا في لحظة مخاض فكري رهيب وكانت حبلى بالتبدلات الكبرى فى العلم والفلسفة والمجتمع . وفى هذا البحر المائج ولد وتربى ودرس وكتب ماركس . من بين مئات او آلاف العلماء والفلاسفة الذين قرأ لهم ماركس أو درس عليهم أو تأثر بهم كان هناك ثلاثة دون سواهم لهم التأثير الأكبر عليه ، وعلى شخصيته ووعيه وعلمه وفلسفته ومساهماته الفكرية ، والثلاثة هم :
1 - الأسقف بيركلي ( 1685 ـ 1753 ) Berkeley
2 - الفيلسوف الألماني هيجل ( 1770 ـ 1830 ) Hegel
3 - الفيلسوف الألماني فويرباخ ( 1804- 1882) Feuerbach
كان الأسقف بيركلي من أكبر المدافعين عن وجهة نظرالكنيسة وعن عقيدة المسيحيين في الوجود والطبيعة والمجتمع . فكل مسيحي يؤمن إيماناً مطلقاً بأن الله تعالى هو خالق الكون وخالق نواميسه والمدبر له . لهذا كان الأسقف ينكر أي حديث عن سرمدية المادة وعن إستقلالها عن إرادة الله تعالى وقدرته . لكن الأسقف يضيف الى هذا الإيمان ، إنكار قدرة الانسان على معرفة الطبيعة والمجتمع ، مدعياً أن المعرفة هي شيء ذاتي محض ، وأن كل إنسان يرى الأشياء بصورة تختلف عمـّا يراها به غيره لإختلاف أعضاء الحس عند الناس ، وأنه بالتالى لن يستطيع توصيل ما يعرفه ألى غيره . إن خوف الاسقف على دينه جعله يعتصم بالمستحيل . أما هيجل فقد دافع عن إمكانية العقل فى صنع المعرفة ، ودافع عن جدل الوعي فى صنع العلم وكان بذلك وكأنه من أهل ( الرأي ) ، وعمل على وضع القوانين التى يمكن أن تعاون الدماغ او الوعي فى بناء العلم .
بالتأكيد ان تطور العلوم وظهور الفرضيات العلمية وتطور الرياضيات أظهر قيمة جدل الوعي فى بناء المعرفة فى وقت تدنت فيه قيمة جدل اللغة فى صنع المعرفة ( النص ) ، وقد عمل هيجل على وضع القوانين التى توجه جدل الوعي وقد وضع قوانين الديالكتيك الثلاثة المشهورة :
1- قانون وحدة وصراع الاضداد .
2 - قانون نفي النفي .
3 - قانون تبدل التغيرات الكمية الى تغيرات نوعية ( كيفية ) .
وبني على ذلك بناءً فلسفياً وفكرياً كاملاً، وصاغ هيكلاً من الوعي قوامه العقل المطلق ، قائلا أن منه تتولد العقول النوعية ، فجعل الوعي أشبه ( بالمثال ) أو ( المطلق) عند فيلون اليهودي وأصحاب وحدة الوجود ... جوهر ينبع عنه غيره ... إنه قد جسـّد الوعى و جعل له وجوداً موضوعياً قائماً بذاته بعيداً عن أدمغة الناس وليس الوعي بمعنى إنعكاس الأشياء فى دماغ الانسان كما تنعكس الأشياء فى المرآة ومعاملته لها.
أما فويرباخ فقد دافع عن مادية الوجود ، ورفض أي حديث عن وجود غير الوجود المادي ، أو أيّ وجود فوق الطبيعة ، ولقد كانت آراء فويرباخ هي صياغة عصرية لأفكار الفلاسفة اليونان الذين ينكرون الوجود غير المادي ، خاصة زينون الإكتيومي ( الرواقيين ) وأبيقور ، ورأيهم الذى يقول : أن كل الأجسام من مادة ، وأن ما ليس بجسم فهو غير موجود. وبالبداهة فإن الأخذ بوجهة نظر الرواقيين والأبقوريين وفويرباخ ، والمضي بها إلى نهايتها المنطقية وفق القياس الارسطى ، سوف يفضي بالضرورة الي إنكار وجود الملائكة والجن والشياطين ، والى إنكار وجود الله تعالى وتقدس . ليس هذا الإنكار مقصود به الدعوة الى الإلحاد والكفر بوجود الله ، وان عده المؤمنون كذلك ، ولكنه النتيجة المنطقية للقياس اللغوي لهذه القضية : - ماليس بجسم مادي فهو غير موجود ، الله ليس بجسم مادي ، إذن الله غير موجود .
وجاء ماركس وإنجلز في هذه الفترة ، ولقد كانا أولاً تلميذين على هيجل وأخذا عنه الفلسفة وقوانين الديالكتيك الهيجلي . ثم تتلمذا من بعده على فويرباخ وأخذا عنه الفلسفة المادية . ليصوغا من بعدها ( الفلسفة المادية الجدلية ). ان المادية الديالكتيكية ، ببساطة شديدة جداً هي : محاولة تطبيق قوانين الديالكتيك عند هيجل على النظرة المادية للوجود عند فويرباخ . وهذا ما يقول به ماركس نفسه . إن ماركس كان يقول : إن الوعي هو إنعكاس الواقع المادي فى دماغ الانسان ، وبالتالى فان تطبيق قوانين الديالكتيك على الوعي أشبه بوضع الحصان خلف العربة ، فالحصان هو الذى يجر العربة وليس العكس . والمادة هي التى تحدد طبيعة الوعي وليس العكس . مما يجعل الإستفادة من قوانين الديالكتيك لدراسة الطبيعة والمجتمع (المادة) هي الخطوة الصحيحة فى الإتجاه الصحيح وليس لدراسة الوعي . وبتوحيد النظرة المادية عند فويرباخ مع قوانين الديالكتيك عند هيجل نستطيع ان نقدم صورة مبسطة ، ولكنها صحيحة تماماً وواضحة للفلسفة المادية الجدلية . إن المادية الدياليكتيكية يمكن أن نلخصها فى النقاط التالية :
1- إن كل الكون من أجرام سماوية وأرض وما عليها من جمادات وإحياء هي وجود مادي .
2- إن هذا الوجود المادي هو وجود سرمدي غير مخلوق وغير فان وغير خاضع لأي إرادة من خارجة.
3- إن هذا الوجود فى حالة حركة دائمة ، يتفاعل بعضه مع بعضهً وفق قوانين الديالكتيك الثلاثة ، فتتحد متناقضاته لتنفى بعضها بعضاً مكونة ذاتيات أرفع ومحدثة التراكم الكمي ، الذى يتحول الى تغير نوعي او كيفي .
4- إن دماغ الانسان هو شكل أرفع من أشكال وجود المادة ، نشأ أو تكون من تفاعلات المادة نفسها .
5- إن الوعي هو إعكاس صورة الوجود المادي فى دماغ الانسان تماماً كما تنعكس الأشياء في المرآة .
6- إن الانسان قادر على معرفة كل الوجود المادي سواء فى الطبيعة او في المجتمع وذلك بدراسته المباشرة له.
7- رفض أيّ تجسيد للوعي بالكيفية التى يراها بها هيجل ، ووصف مثل هذا التجسيد بأنه مثالية موضوعية .
8- رفض القول بعجز الانسان عن معرفة الواقع المادي ، أو القول بأن الانسان يرى الأشياء بحسب ما تبدو له هو ، أو انه غير قادر على توصيل المعرفة الى غيره حسب ما يرى بيركلي وكل اللأدريين ، وإعتبار ان ذلك مثالية ذاتية .
9- الإصرار على ان الوجود كله وجود مادي ، والرفض المطلق لأي وجود غير الوجود المادي ، والقول بان ما ليس بجسم مادي فهو غير موجود ( زينون الإكتيومي) ، وإنكار اى وجود خارج الطبيعة او فوقها( فويرباخ) مما ينشأ عنه إنكار وجود الملائكة والجن والشياطين ، وإنكار وجود الله تعالي ، وإنكار نظرية المثال والممثول لأفلاطون ووجهة نظر فيلون اليهودي .
10- رفض الحديث عن أي مصدر للمعرفة خارج دماغ الانسان يمكن أن يكتسب بواسطته الانسان المعرفة ، ورفض الحديث عن تلقين للعلم بواسطة الملائكة او الجن او بوحي من الله تعالى ، او تذكر لعلم قديم كما كان يقول افلاطون.
11- رفض القبول بأي تأثير للكواكب على الانسان ، او القول بان حروف إسم الانسان مطابقة له ، او ان أرقام حروفه مطابقة له ، والإصرار على ان الكون موجود مادي له قوانينه المستقلة ، والتى يمكن معرفتها بالإهتداء بقوانين الديالكتيك الثلاث.
وبهذه الكيفية او الصياغة للمادية الديالكتيكية ، وبعد إبعاد كل فهم سابق للوجود ، يقوم ماركس بتقسيم كل الوجود الى قسمين هما:-
اولاً- كل الظواهرالطبيعة من أجسام غير حية وتفاعلاتها الفيزيائية و الكيميائية أو البيولوجية أوالحية أوالإنسانية أوالإجتماعية ، وهذه يطلق عليها ماركس كلها : الوجود المادي او إختصارا ( المادة ) .
ثانياً - كل إحساسات الانسان ومشاعره وانفعالاته ومعرفته وتفكيره وعلمه ووعيه ومعتقداته ، وهذه يطلق عليها ماركس كلها : الوجود الروحي ، اواختصارا ( الروح ) او (الوعي ) .
وإنطلاقاً من هذا التقسيم ايضاً ، صار ماركس يقسم الفلسفة والفلاسفة ، بحسب إجاباتهم على سؤال يطرحه ماركس ويري أنه سؤال الفلسفة الأساسي وهو : أي هذين الوجودين كان أسبق المادة (الطبيعة ، والمجتمع) أم الروح (العقل ، الوعي ، الفكر) ؟ . أو بصياغة ثانية : هل الوعي أو الروح هو نتاج المادة أم أن المادة هى نتاج الوعي أو الروح؟ . أو بصيغة ثالثة : ما الذى كان أولاً المادة أم الروح ؟ وبحسب الإجابة على هذا السؤال يرى ماركس ان الفلسفة تنقسم إلى قسمين:
أ- الفلسفة المادية :
وهي كل نظرة شاملة للوجود والوعي . تقول : إن المادة هى الموجود الوحيد ، وأن لا وجود غيرها أو فوقها أو خارجها ، وأن الوعي نتاج المادة . ويري أن كل فيلسوف يقول بأوّلية المادة على الوعي هو فيلسوف مادي غض النظر عن آرائه الأخرى أو مضمون فكره.
ب - الفلسفة المثالية :
وهي كل نظرة شاملة للوجود والوعي تقول : إن الوعى أو الروح كانت الأسبق من المادة ، أو تقول أن المادة هي تجلي للمثال وتجسيد للروح ، أو ان المادة مخلوقة بواسطة الروح (الإله) . وهي تري أن ( الإله ) هو نتاج جدل الوعي أو مخلوقه . و ماركس يرى أن كل فيلسوف يقول بأسبقية الوعي أو الروح على المادة هو فيلسوف مثالي وأن فلسفته مثالية ، غض النظر عن آرائه الأخرى أو مضمون فكره . كما ماركس يقسم الفلسفة المثالية الى قسمين :-
اولاً - الفلسفة المثالية الذاتية :
وهى كل فلسفة مثالية ، تنكر قدرة الإنسان وإمكانيته على معرفة الوجود ، أوتقول أن الأشياء هى ما تبدوا لكل انسان بصورة تختلف عن غيره ، وان الأشياء هي لكل إنسان بحسب ما تبدوا له هو، ولهذا فهو غير قادر على توصيل معرفته تلك إلى غيره حتى ولو كان عارفا بها ، ولعل أشهر فيلسوف مثالي ذاتي يراه ماركس هو بيركلي.
ثانياً - الفلسفة المثالية الموضوعية :
وهي كل فلسفة مثالية تجسد الوعي ، وترى أن له وجود مستقلا عن دماغ الإنسان. أو تقول بوجود عقل مطلق أو شامل أو روح مطلق ( إله مثلا). ولعل أشهر فيلسوف مثالي موضوعي فى نظر ماركس هو هيجل . وبالبداهة فإن ماركس يري أن كل الفلاسفة من أصحاب الأديان مثل اليهود والمسيحيين والمسلمين هم من الفلاسفة المثاليين الموضوعيين لأنه يرى أن الله تعالى هو تجسيد موضوعي لوعي الإنسان ، أي أن وعي الإنسان هو الذي تصوره ، وخلق له صفاته.
مجمل القول وخلاصته أن الفلسفة المادية الجدلية هي واحدة من الفلسفات المادية ، ولكنها تتميز بصفات منها : إنكار أي وجود غير الوجود المادي . وترى أن الوجود يتطور وفق قوانينه الذاتية ، وأن المادة فى حالة حركة جدلية مستمرة ، حركة ناشئة عن إتحاد وصراع الأجسام التى تناقض صفاتها صفات بعضها (وحدة وصراع الاضداد : قانون الديالكتيك الأول ) ، وان هذا الصراع يؤدى إلى نفي كل نقيض نقيضه ليس نفياً إعدامياً ولكنه نفياً يحمل صفات النقيضين ليشكل ذاتية جديدة ( نفى النفى : قانون الديالكتيك الثاني ) ، وهكذا تتراكم نتائج هذا الصراع والإتحاد ، لتكّون فى النهاية تراكماً أو تغيراً كمياً ، ما يلبث إن يتحول إلى كيفية جديدة ( التحول الكمي إلى تحول كيفي أو نوعي : قانون الديالكتيك الثالث ) . ولنأخذ مثالاً نطبق عليه هذه القوانين : الحامض (Acid) هو نقيض القلوي (Base) ولكنهما يتحدان فى صراعهما بعضهما بعض ( وحدة وصراع الأضداد ) ليكونا مركبا ثالثاً . فالقلوي نفي الحامض والحامض نفي القلوي لينتجا نفيهما ( نفي النفي ) وهو الملح . ثم تواصل هذه المركبات من الأملاح تفاعلاتها، وتتراكم تراكما كمياً حتى تحدث تغيراً نوعياً، وربما تأتى بكائن حي ( التراكم الكمي تحول إلي كيفية )
وبهذه الكيفية صاغ ماركس الفلسفة المادية الجدلية ، وذلك من توحيد النظرة المادية للوجود عند فويرباخ مع قوانين الديالكتيك عند هيجل ليصوغ الفلسفة المادية الجدلية ، وهذا ما يقول به ماركس نفسه . وماركس عندما كتب الفلسفة المادية الجدلية فعل ذلك بغرض أن تؤدي مهمتين:
1- أن تكون موجهاً للوعي فى تعامله مع الوجود من حوله ، فالوجود كله بحسب ماركس وجود مادي ، بل لا وجود لغير المادة . وليس هناك أي قوة خارجة عنه تؤثر فيه ، ومعرفة هذا الوجود ممكنة ، لأنها هي إنعكاس صورته فى دماغ الإنسان ، وهي مهمة سهلة وبسيطة يستطيع أن يقوم بها أيّ إنسان بالبحث العلمي المادي.
2- وأن تكون منهاجاً يستعين به الإنسان فى تعامله مع الواقع من أجل معرفته وطريقة للبحث العلم . فالوجود المادي فى حالة حركة ولكنها ليست حركة ميكانيكية بل حركة جدلية ، فالأجسام كلها فى حالة صراع وإتحاد وتناقض و تفاعل ، ولكنها كلها محكومة بقوانين الديالكتيك الثلاثة ، وما علي الباحث إلاّ النظر فى الأشياء التى تناقض صفات بعضها بعضاً ، ويبحث عن نتائج إتحادها وكيف تنفي بعضها بعضا. وكيف يحدث التغيير الكمي تغييراً نوعياً. وان يكون ذلك مستندا الى تناقض واتحاد الوجود المادى ، وليس تناقض صور يتخيلها دماغ الانسان او وعيه ، اوأيّ وعى متجسد خارج دماغه . ففي الصراع الاجتماعي ... مثلاً ... ما على الباحث إلاّ أن ينظر إلى قطبي الصراع فى المرحلة التاريخية التى يعيش فيها ، إى الطبقات الاجتماعية الأكثر تاثيراً ، والتى تحدد شكل المجتمع وتحدد الصراع الإجتماعى ، وأن يساعد إتجاه هذا التناقض او الصراع ، لتنفى الطبقة التى تعبر عن المستقبل نقيضها ، وحتى يحدث التراكم الكمي تغييراً كيفياً ، ويحدث التغير الإجتماعي وفق أسس علمية وواعية ( الثورة ).
وهكذا أكمل ماركس رؤيته ومنهجه ( الفلسفه المادية الجدلية ) ، والذى كان يراه الأكمل لدراسة الوجود المادي سواء فى الطبيعة أوالمجتمع، ومعرفة قوانينه من أجل تغييره . وقد إستعان بمنهجه هذا ... كما كان يعتقد ... وساهم بقدر كبير جداً فى دراسة العلوم الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والقانونية ، ودرس عميقا أشكال التطور الاجتماعى وأنواع المجتمعات الإنسانية ، وعمل على وضع القوانين التى تحكم التطور الاجتماعى ( المادية التاريخية) . ثم درس المرحلة التاريخية التى كان يعيشها ، وأشكال الصراع الاجتماعى على أيامه ( الاقتصاد السياسى ) . ولقد كان فى بحثه فى الإقتصاد والسياسة والقانون موضوعياً جدا ، ويكفي دليلاً على ذلك كتابه النادر ( رأس المال ). فهو كتاب ، ومهما قيل عنه ، بحث علمي عميق ومضن وشاق يندر أن يستطيعه إنسان ، وهو الذى أبقي لماركس خلوده فى التاريخ ، وأبقي لفكره الإستمرارية .
وهذا المنهج الذى إتخذه ماركس ، والذى يكمل بعضه بعضاً (الفلسفة المادية الجدلية ، والمادية التاريخية ، والإقتصاد السياسي) جعل الذين إقتدوا به ، والذين إتخذوه إماماً ، يفتخرون بأنتمائهم إليه والدفاع عنه والسير على طريقه . إن ماركس كان هو الوحيد فى عصرنا هذا من وضع نظرية فلسفية ومنهجاً عملياً ظن أنه ضروري وكاف لتوجيه الوعي والبحث العلمي ، ومن عمل على دراسة التطور التاريخي للإنسانية وفق منهجه هذا ، ودرس علي ضوئه الفترة التاريخية التي عاصرها (الرأسمالية) ، مما جعل الماركسيين يرون ان فى الإقتناء به النجاة والسداد ، بل ذهبوا إلى حد اليقين أن غيرهم يفتقر تماماً إلى النظرة الفلسفية السليمة والى الرؤيا العلمية الهادية ، وإلى المنهج العلمي السليم ، والى المعرفة العلمية الصحيحة ، وعلى أن من سواهم يسيرون فى ليل بهيم ويخبطون فى التيه .
ونحن وقبل أن نبين مواطن القصور أو الضعف فى فكر ماركس وفى النظرية المادية الجدلية ، علينا أن نجيب أولاً علي السؤال : هل فعلا أن العلم الإنساني يفتقر إلى النظرة الفلسفية ، والطريقة العلمية الهادية ، وإلى المنهج العلمي السليم ؟ وهل فعلا أن غير الماركسيين يسيرون في العماء والضلال المبين ؟ وأن إدعاء الماركسيين هذا سليم ؟
وقد كان من الممكن أن نكتفى كإجابة لهذا السؤال بسؤال غيره وهو : إذا كان صحيحاً أن العلم الإنساني يفتقر إلى الرؤيا الهادية وإلى المنهج العلمى السليم ، هل كان من الممكن أن يصل العلم الإنساني إلى هذا التطور الرفيع ؟ بالتأكيد لا... إن الواقع المشاهد يقول أن العلم المادي (الطبيعي والإجتماعي) ، قد إنهار تماماً عند الماركسيين او صار فى حكم العدم ، بينما هو يسير بخطي واثقة ويقين كبير عند غيرهم ، وهذا وحده دليل كافي على خطأ الماركسيين هذا واعتقادهم غير السليم . ودليل على أن العلم الإنساني وأن العلماء فى كل مكان يسيرون وقد تسلحوا بالرؤيا العلمية السليمة ، والعقلية العلمية الصائبة ، والمنهاج العلمي السليم ، والمنطق الموضوعي والذى يفتقر إليه الماركسيون تماماً . ولكن هذه الإجابة قد تصلح رداً علي بسطاء الناس وعامتهم ولكنها لا تصلح ان تكون رداً علمياً موضوعياً سليماً. فالرد العلمي هو : إن العلماء اليوم قد تسلحوا تماماً بالموضوعية العلمية ، والمنهجية العلمية ، والعقلية العلمية فى كل فروع المعرفة وإختفى تماماً بينهم وإلى غير رجعة أسلوب السفسطة والمراء. أن أهم ما يميز البحث العلمي وعقول العلماء وفي كل مكان هو:
أولاً - المعرفة العميقة بقواعد المنطق الشكلي وقواعد جدل اللغة (الجدل الأرسطي). الآن كل الشعوب المتحضرة تعلم الطلاب من أبنائها ، وخاصة المتخصصين ، نصوصاً طويلة من لغاتها ، وتدربهم على التخاطب السليم والنطق السليم ، وعلى الإلتزام بحدود الألفاظ وضبط المصطلحات العلمية ، وتدربهم على القياس اللغوي السليم ، وعلى البعد عن السفسطة والمراء والجدل العقيم . وتنفرهم عن الكذب والتضليل وقول ما هو مجافٍ للحقيقة والواقع ، وتطالبهم بالتحدث بموضوعية فى كل أمر مهما كان صغيراً ، وتطلب إليهم الوقوف بصلابة ضد الجهلة والأغبياء والمنافقين والمضللين والسوفسطائين، وتأمرهم بتنحية الأدعياء عن تصدر مجالس العلم أو توجيه الرأي العام ، أو قيادة الآخرين.
عند كل الشعوب المتحضرة صار معروفاً جداً أن كل إنسان يعنى ما يقول ، وهو يعلم أن قوله هذا يطابق الحقيقة تماماً ، أما فى غير ذلك فهو سوف يصمت ويستمع لمن هو أعرف منه والى المتخصص بصفة أخص ، ويلتزم تماماً بما يقوله له . فالطبيب يتكلم بالحقيقة، والمهندس يقول الحقيقة ، والسياسي يقول الحقيقة ، والمرأة تقول الحقيقة ولو كانت الحقيقة أنها قد زنت ، والرجل يقول الحقيقة ولو كانت الحقيقة أنه سرق . ويوم أن يكذب أي إنسان أو يقول ما يخالف الواقع فهو ساقط لا محالة . وهكذا هو حال العلماء : الصدق والموضوعية في كل كلام مهما كان حقيراً . فالناس وعند كل الشعوب لا يكذبون أبداً . وهو ما يتحاشاه الماركسيون تماماً وفى كل شيء وفى كل كلام .
ثانياً- المعرفة العلمية والعميقة والدقيقة بقواعد المنطق الموضوعي ، والمعرفة التامة بحدود العلوم وخطوات تطورها وطرق البحث فيها. إن العلوم الطبيعية والإجتماعية اليوم قد تطورت كثيراً وتطورت بالتالى أساليب وطرق ومناهج البحث العلمي فيها . وهو ما يعرفه كل عالم وكل متخصص وكل دارس وكل تلميذ . ليس أمراً جديداً أن يقسم العلماء العلوم ، فقد كان أسلافنا يفعلون ذلك ويوضحون حدودها وبيان قيمتها ، وما إذا كان العلم علماً رفيعاً أم خادماً لغيره من العلوم . واليوم أدى تطور العلوم ودقة التخصص فيها إلى أن تكون أهمية ذلك أكبر. اليوم صار العلماء يقسمون العلوم إلى علوم طبيعية وعلوم إجتماعية . ثم يقسمون العلوم الطبيعية إلى علوم أساسية وهي الفيزياء والكيمياء و البيولوجي وإلى علوم تطبيقية ، وهي كل العلوم القائمة على العلوم الطبيعية الأساسية مثل الهندسة و الطب والصيدلة والزراعة والبيطرة وغيرها . ثم يقسمون تلك العلوم إلي تخصصات أدق . أما العلوم الإجتماعية فتنقسم إلى إقتصاد وإجتماع وسياسة وقانون وتاريخ وغيرها وهي بدورها تقسم إلى علوم أكثر تخصصاً . اليوم صار تحديد كل علم وتوضيح حده أمراً ضرورياً . وصارا هاماً جداً معرفة صلته بالعلوم الأخري ومعرفة طرق البحث فيه. وهو ما يعرفه كل عالم .
لقد إبتدر دافنشي طريقة البحث العلمي الحديث ، واليوم قد تطورت كثيرا طرق البحث العلمي . وإستناد العلماء إلى طريقة أساسية فى البحث العلمى لا يعنى أنها ظلت ثابتة على ما هي عليه . فاليوم تعقدت طرق البحث العلمي وأدخلت الآلات الدقيقة والحساسة مثل الكمبيوتر، وصار فى مقدور العلماء أن يتحكموا فى كل ظاهرة مهما دقت وتعمقت وتعقدت. وبالمقابل صار أمر ضرورياً أن يلم كل عالم ودارس بحدود العلوم... كل العلوم ، وأن تكون لديه فكر كافيه عن طرائق البحث فيها. فالإنسان ليس إداة للبحث وليس إناء لحفظ المواد، ولهذا يجب أن يعرف حدود العلوم وصلة علمه بها ، وأهميتها وتاريخ تطورها، وطرق البحث فيها ، إن الإنسان هو الإنسان ، و يجب أن نؤتى الإنسان الحكمة فمن أوتيها فقط أوتي حظاً عظيماً ، ثم نجعله يتخصص تخصصا دقيقاً فى الفرع من العلم الذى يحب . وهذا ما تفعله كل الشعوب المتحضرة التى تحترم الإنسان فيها وتحترم العلماء.
إن الماركسيين ومهما تزينوا بسمت الموضوعية ولباس العلماء . وأعداءهم ومهما لبسوا ثوب الدين والصلاح ، فسوف يكونون أعدى أعداء معرفة الناس بالمنطق الموضوعي للعلوم ، وضد وضوح حدودها ، وضد أن يكتسب الناس العلم والحكمة والموضوعية ، وضد أن تنموا عقول الناس وأدمغتهم فى حرية وإختيار، وضد أن يغمر عقولهم النور، وضد أن تنموا معارفهم فى صدق وموضوعية، بما فى ذلك معرفة الناس لله تعالى وتقدس . وهم بلا شك سوف ينكرون عداءهم لحق الناس فى إكتساب العلم والموضوعية ، ولكن الواقع يكذب قولهم ذلك . فكلاهما يفعل ذلك أما تحت مبرر حماية النظرة (العلمية) وحماية الأيدليوجيا والفلسفة ، أو تحت مبرر حماية ( الدين ) من إنحراف الجاهلين. بينما الحقيقة هي رغبة كليهما فى أن يظل الناس يسيرون فى العماء والضلال وغياب المعرفة ، ليسهل لهم تقديم أنفسهم بحسبانهم مفكرين وعلماء ورواد تجديد.
ثالثاً - التسلح التام والمعرفة العميقة بالقيم والمبادئ التى يجب أن يتميز بها البحث العلمي والعقلية العلمية . وقد سبق لنا أن تكلمنا عن ذلك بأسهاب كافي ، ولكن لا بأس أن نذكـّر القارئ بما قلناه سابقاً مختصراً. أن أهم مبادئ البحث العلمي هي :
1- أن تكون المعرفة وضعية.
2- أن تكون المعرفة موضوعية.
3- أن تكون المعرفة كميه.
4- التعميم المستنتج من القوانين الموضوعية.
5- الإنتقال بالعلم المادي من الجائز إلى الضروري.
6- أن يسلح العالم بالقدرة على التنبؤ العلمي.
7- وأن يتحلى العالم بالعقلية العلمية، والتى من شروطها:
( أ ) التحرر من الإعتماد على أقوال الغير، والإعتماد على البحث العلمي.
(ب) التحلى بروح الشك والتسلح بالعقلية الإنتقادية.
(ج) اليقين بالحتميه العلمية والتعامل مع الظاهرات الطبيعية والإجتماعية على أنها ظاهرات مادية فقط ، وأن مهمة الباحث هو كشفها وصياغة قوانينها.
(د) القدرة على التخلص من القناعات السابقة إذا أثبت البحث العلمي عدم صحتها أو ضعفها.
(هـ) التحرر من الفكر الجمعي والتخلص من عقلية القطيع .
عروض شغل في تونس - Tunisie Travail concours
بحث جاهز حول الفلسفة المادية الجدلية
عروض شغل في تونس - Tunisie Travail concours
بحث جاهز حول الفلسفة المادية الجدلية
تونس 2050 tounes
بحث جاهز حول الفلسفة المادية الجدلية
عروض شغل في تونس - Tunisie Travail concours
بحث جاهز حول الفلسفة المادية الجدلية
sisko education