بحث جاهز حول التفكك الاسري
لا شك أن العلاقات الأسرية هي أسمى وأقدس العلاقات على وجه الأرض .. بذرتها، تبدأ بين فردين بالزواج، ثم أفراد بالإنجاب، وتمتد لتشمل الأقارب والأصهار من الطرفين. إنها كالشجرة التي تمتد أوراقها ليستظل بها الجميع، وكلما ازدادت أوراقها وتشابكت أغصانها كلما كانت الحضن الدافئ والحصن الأمين لكل من يأوي إليها.
لقد تعددت الكتابات حول العلاقات الأسرية والتفكك الأسري، وتناولها العديد من الدراسات والأبحاث، فمن الباحثين من تناول بعض جوانبها، فيما اشتملت أبحاث بعضهم الآخر على جميع الجوانب. فهي موضوع خصب وحساس، ولم لا وهي أساس البنيان الاجتماعي الذي بدأ به سبحانه وتعالى الخلق بخليفته على الأرض، آدم وحواء، ومدهما بالذرية، ونظم العلاقات الأسرية في كتبه وشرائعه السماوية.
غير أن التقدم الحضاري والتطور الزمني قد ألقى بظلاله على الأسرة، فلم تعد كما كانت من التماسك، بل أصبح تفككها أحد الظواهر التي لا نستطيع أن نغمض أعيننا عنها، إذ أن أي خلل في البنيان الأسري لن تقع تبعاته السيئة على فرد واحد من الأسرة، بل على كل الأطراف المعنية التي تضمها مظلة العلاقات الأسرية، لذا ارتأيت أن أقدم بحثي المتواضع هذا، وحرصت في كتابته على أن يكون بأسلوب مبسط حتى يمكن أن يستفيد منه كل من يطلع عليه.
يتعرض البحث في مقدمته لمفهوم الأسرة والتفكك الأسري، وقد خصصت الجزء الأكبر منه لتناول موضوع العلاج والحلول . . كما يتضمن عرضاً للمقترحات التي جاءت في الدراسة الميدانية التي قام بها الدكتور محمد محمد بيومي حول الإرشاد الأسري.
وفي النهاية حاولت أن أضع ملامح رؤية مستقبلية خلصت إليها من خلال اطلاعي على الموضوع.
وتتمنى الباحثة أن يفي هذا الجهد الغرض المطلوب من إعداده، وأن يكون إضافة للجهود الموصلة للباحثين والدارسين في موضوعه.
والله من وراء القصد.
أولاً: مفهوم الأسرة .. والتفكك الأسري
أوجدت معظم القوانين والشرائع من أجل حماية الأسرة، وليكون الزواج قائماً على الثبات والاستمرار، لأن في هذا مصلحة الوالدين من ناحية ومصلحة الأبناء من ناحية أخرى. والزواج لا يمكن أن يعطي ثماره إلا إذا نظرنا إليه كرباط أبدي لا انفصال له، وإلا لكان في إمكان أي طرف من الطرفين، ولأتفة الأسباب أن يتخلى عنه في أية لحظة.
ويرى علماء النفس أن الأسرة المتكاملة ليست تلك التي تكفل لأبنائها الرعاية الاقتصادية والاجتماعية والصحية فحسب، بل هي الأسرة التي تهيئ لهم الجو النفسي الملائم أيضاً. ومن هنا فإن مجرد وجود الطفل في بيت واحد مع والديه لا يعني دائماً أنه يحيا في أسرة متكاملة أو يلقى العناية الأبوية الكافية.
وليست هناك أية بدائل يمكنها أن تحل محل عطف وحنان الأم، باعتبار أن الأمومة ليست وظيفة آلية يمكن أن تقوم بها أية هيئة توفر للطفل الغذاء والمأوى، وإنما هي علاقة إنسانية حميمة تبدل من معالم الشخصية لكل من الأم والطفل، وكذلك فإن للأب دوراً حيوياً في حياة الأبناء وبالذات الذكور، فهو النموذج والقدوة، ذلك بالإضافة إلى الدور الذي يقوم به الإخوة والأخوات في حياة كل فرد في الأسرة.
ونعني بكلمة (أسرة ) بوجه عام، الجماعة الصغيرة ذات الأدوار والمراكز الاجتماعية ـ مثل: الزوج، الأب، الابن، الابنة ـ يربطها رباط الدم أو الزواج أو التبني، وتشترك في سكن واحد، وتتعاون اقتصادياً. وترتكز الأسرة في العادة على زواج شخصين ـ ذكر وأنثى ـ يتمتعون بعلاقات جنسية يقرها الدين والمجتمع .. ويتوقع أن تشمل الأسرة أطفالاً يتحمل الكبار مسؤولية تربيتهم.
إن النمط التقليدي للأسرة في العادة يضم الزوجين وأطفالهما، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود أنماط أخرى، فالمرأة المطلقة وأطفالها تعتبر أسرة، وكذلك الزوج المطلق وأطفاله، والأرمل أو الأرملة وأطفالهما أيضاً، كما توجد بعض النماذج الأخرى في البلاد الغربية وأمريكا مثل النساء والرجال الذين لم يتزوجوا إطلاقاً إلا أنهم أصبحوا آباء لأطفال غير شرعيين. أو لأطفال بالتبني، وكذلك المنحرفين جنسياً من كلا الجنسين، وكذلك الذين لهم أطفال من زواج سابق يطلق عليهم مسمى أسرة.
ويشير الدكتور الوحش أحمد إلى أن الباحثين (برجس ولوك ) وهما من الباحثين المختصين في مجال الأسرة، استخدما تعريفاً لها يضم العناصر الآتية:
1- تتكون الأسرة من أشخاص مرتبطين برباط الزوجية، أو برباط الدم أو التبني.
2- يعيش أفراد الأسرة عادة مع بعضهم في منزل واحد، وأن حجم البيت وأهله يختلف بحسب تركيب ونوع الأسرة.
3- تتكون الأسرة من أشخاص يتفاعلون ويتصلون ببعضهم بعضاً من خلال أدوارهم الاجتماعية، مثل، زوج وزوجة، أم وأب، ابن وابنة، أخ وأخت، وهذه الأدوار معروفة اجتماعياً ويوافق عليها الأفراد.
4- تشارك الأسرة في الثقافة العامة النابعة من المجتمع الذي توجد فيه. ولكن لكل أسرة إنسانية بعض الخصائص الثقافية الخاصة، والتي تنتج من تفاعل أفراد الأسرة واتصالهم حيث تختلط نماذج سلوكهم المختلفة.
5- إن نماذج الاختلاف هذه قد تتكون نتيجة لخبرات الزوج أو الزوجة السابقة، ما قبل الزواج، كما يمكن أن يحضرها الأطفال من اتصالهم وتفاعلاتهم مع غيرهم (1).
من أسس نجاح العلاقة الزوجية:
يحتاج صرح الزواج إلى بعض الأساسيات الضرورية للمساعدة على نجاحه، ومن الملاحظ أن تلك الأساسيات أو المفاهيم ليست مرتبة حسب أهميتها لكي يبدأ الزوجان بأولها وينتهيا بآخرها، فلكل زوجين خصائصهما وظروف ارتباطهما المختلفة عن الآخرين، فقد تبدأ علاقتهما بالحب أو بالشعور بالانتماء، أو تبدأ بالصداقة والتعاون، فليس المهم من أين نبدأ، لكن المهم أن تشمل العلاقة الزوجية كل تلك المفاهيم.
* الحب:
يتحدث العالم النفسي (أدلر ) عن رابطة الحب ـ كما ورد في كتاب الدكتورة سميحة كرم عن العلاقات الأسرية، فيقول: إنها خليط من القوة والحنان، ((لأن كلاً من الرجل والمرأة يريد أن يحيط كل منهما الآخر بعنايته، وأن يسبغ عليه عطفه وحنانه من جهته، كما أن كلاً منهما يريد أن يركن إلى الآخر ويتلقى منه العطف والرعاية كأنما هو مجرد طفل، وحاجته إلى رعاية الآخرين كأنما هو أب مسؤول )). ويرى علماء النفس بصفة عامة أن على الزوج ألا ينتظر أن يأتي الحب منذ بداية الحياة الزوجية حباً ناضجاً مكتملاً، لأن الجانب الحسي في الحياة الزوجية ـ وخاصة بالنسبة للمرأة ـ هو في حاجة إلى تهيئة طويلة وتربية دقيقة.
* الاحترام:
من المهم أن يحترم كل شريك شخصية الطرف الآخر، ويتقبل عيوبها قبل مزاياها، والتقبل يعني القبول والتفهم بأن صفات قرينه قد يكون جزء منها وليد الظروف والبيئة، لذا يجب ألا نحاول أن نعيب على الطرف الآخر تلك العيوب ونتذمر منها، ونحاول أن نغيرها بالقوة. فبعض هذه العيوب قد يذوب تلقائياً عندما يشعر الطرف الذي يحملها أن شريكه يقبلها فقط من أجله، رغم أنها قد تكون صفات غير مرغوب فيها، وبعضها الآخر قد يظل على ما هو عليه، إذن فما جدوى الانتقاد الدائم والنزاع المستمر بشأنها؟ إن ذلك لن يخلق إلا مزيداً من المصاعب والمتاعب.
ونعني أيضاً بالاحترام تقدير القرين لآراء الطرف الآخر حتى ولو كانت لا تساير رغباته الشخصية، وهنا يظهر مبدأ التقارب الفكري، لأنه لا بد من التقابل في المنتصف . . إن ذلك يعني ويؤكد احترام كل منهما لآراء الآخر. والاحترام يشمل احترام كيان الشخص في وجوده أو غيابه، لأنه لا يصح أبداً أن نذم أو نشكو الشريك لآخرين في حالة عدم وجوده. . إن ذلك يهدم صرح الشريك في داخل الفرد قبل أن يهدم في عيون الآخرين.
* الانتماء:
إن الشعور بالانتماء إلى الكيان الأسري من المفاهيم الأساس في العلاقة الزوجية، فالزواج ليس مجرد علاقة رسمية فقط تمت بموجب عقد الزواج، أو مجرد علاقة جسدية أباحها العقد ذاته، أو هو مجرد معيشة فردين معاً ألزمها الزواج، إن الزواج أسمى من ذلك بكثير، إنه يعني أن هناك شخصين قد ارتضيا أن يكملا مسيرة حياتهما معاً، يتقاسمان مرها قبل حلوها، وكل منهما يشعر بآلام الآخر كأنها آلامه، ويرقص قلبه فرحاً بأفراح شريكه، وكل نجاح أو تحقيق هدف يسجل لصالح الكيان الأسري وليس لصالح فرد معين. إن الفتاة تترك أسرتها الكبيرة وتذهب لتكوّن أسرتها الصغيرة، ويصبح انتماؤها الأكبر لأسرتها الصغيرة.
* التعاون:
إن التعاون من السمات الأساس التي يجب أن يتحلى بها الزوجان، فكل منهما لا بد أن يكون السند للطرف الآخر . . وقد يكون من المفيد أن نشير لبعض الصور السلبية التي قد نشاهدها أحياناً في بعض الأسر، حيث يقف أحد الطرفين في طريق نجاح الطرف الآخر، ويتفنن في وضع العراقيل أمامه، وكأن نجاح الشريك يحط من قدره هو. وفي الطرف المقابل نرى صوراً جميلة للتعاون بين الزوجين، فكل منهما يعاون الآخر ليدفعه قدماً للأمام، وليس هناك مانع من أن يتنازل أحد الطرفين قليلاً عن أهدافه إذا كانت ستعوق تحقيق أهداف الطرف الآخر، لأن كل تقدم يصيب أي شريك هو في النهاية لصالح الأسرة التي تضمهما معاً، لذا فإن القول: بأن ((وراء كل رجل عظيم امرأة )) هو قول على قدر كبير من الصواب والصدق.
* الصداقة:
لعل الصداقة هي الكلمة التي تشمل كل الصفات السابقة المتعلقة بالمفاهيم الأساس في العلاقة الزوجية، فالصداقة تعني المحبة الحقيقية، وتعني الاحترام المتبادل القائم على التفاهم، والانتماء الذي يعني الالتزام الأدبي والمعنوي تجاه الطرف الآخر. إن من أجمل التعبيرات التي تسمعها من أحد الزوجين أنه بالإضافة إلى علاقتهما الزوجية فإنهما قد يصبحا صديقين . . فالزوج قد لا يستطيع أن يبوح بكل مكنونات قلبه لزوجته ولكنه قد يقولها إذا شعر أن زوجته صديقته، بمعنى أن بإمكانها أن تفهم وتقدر دوافع سلوكه، ولن تسيء فهم كلماته (1).
يعتبر الزواج أو الأسرة جماعة تتميز إلى حد كبير بما تتميز به الجماعات الأولية والاجتماعية من خصائص. وعلى الرغم من ذلك فهناك بعض الخصائص التي تتميز بها مثل هذه الجماعات توفر قدراً أكبر من الاعتماد المتبادل الذي يؤدي إلى زيادة التفاعل بصورة أكبر مما يحدث في كثير من الجماعات الأخرى.
ويؤدي تشابك الأدوار التي تتضمنها جماعة الأسرة إلى أن تصبح كثير من التصرفات والأفعال التي تصدر عن الأعضاء ذات آثار عميقة في الأعضاء الآخرين. فهناك علاقات ودية متوازنة بين كثير من أعضاء الأسرة كالعلاقات بين الأبوين، وبينهما وبين الأطفال . . مثل هذه العوامل تتفاعل مع غيرها وتميل إلى زيادة كثافتها.
وعندما تكون للمعتقدات والتوقعات الخاصة بالعلاقات والروابط الأسرية صفة الاستقرار النسبي لفترة ملائمة من الزمن وفي مواقف مختلفة متعددة، تستطيع الأسرة أن تمارس وظائفها، ويتحرر الأفراد في الجماعة الأسرية نسبياً من التوترات، ويشكل الأفراد الذين يشتركون في عملية التفاعل وحدة وظيفية متكاملة.
ومن ثم عندما تتوفر جميع هذه الشروط، يكون للأسرة تنظيم معين، أي يتم التعاون في عملية بناء اتجاهات منظمة يوافق عليها الأعضاء. هذه المجموعة من الاتجاهات المتبادلة المشتركة أو التوقعات تكوِّن ما نطلق عليه تنظيم أو بناء الأسرة، أو شبكة علاقات المراكز والأدوار والأهداف المشتركة والقيم التي يقوم عليها نسق العلاقات الأسرية، وعندما يشترك أعضاء الأسرة في نفس التوقعات والأهداف، ويستطيعون العمل والتوافق معها، يستطيع أعضاء الأسرة بصفة عامة إشباع حاجاتهم اليومية.
وعلى الرغم من ذلك فقد يحدث أحياناً أن تظهر صعوبات تعوق التفاهم أو القيام بالأدوار، سواء من داخل جماعة الأسرة أو من خارجها، وفي مثل هذه المواقف قد ينشأ صراع مؤقت بين توقعات أعضاء الأسرة المختلفين. وإذا ما اتخذ هذا الصراع صفة الاستمرار فقد يؤثر في وحدة الأسرة برمتها.
وكذلك يمكن أن تؤدي التغيرات الاجتماعية التي تطرأ على المجتمع الذي تعتبر الأسرة جزءاً منه إلى تغير في بناء الأسرة. وعلى سبيل المثال، فقد يؤدي عدم توفر فرص العمالة إلى بطالة رب الأسرة، ولا يغير ذلك من دور الأب الاقتصادي في الأسرة فقط بل ويؤثر في اتجاهات وتوقعات أعضاء الأسرة في علاقتهم المتبادلة بين بعضهم بعضاً، وكذلك يؤثر بدرجات مختلفة في شبكة العلاقات الأسرية بأكملها، وفي علاقاتها بالتالي مع المجتمع الخارجي.
وفي الحياة الزوجية، قد يتدخل عدد من العوامل التي تؤدي إلى استقرار الحياة الأسرية والنجاح في الزواج، وقد تؤثر هذه العوامل بطريقة تؤثر هذه العوامل بطريقة عكسية فينتج عنها الفشل واضطراب الحياة الزوجية . فتشابه الخلفية الثقافية أو اختلافها التي يحملها كل من الزوج أو الزوجة وينقلها إلى الحياة الزوجية قد تؤدي إلى التوافق والتجانس أو تنتهي إلى الصراع والخلافات. وكذلك يمكن أن يؤدي نمو الميول والقيم إلى تقوية الروابط والوحدة من خلال الاهتمامات المشتركة وإشباع الميول، أو قد تتجه نحو الاختلافات والصراع. كما أن أنواع النشاط الأسري وما تتضمنه من الأعمال المنزلية، وتربية الأطفال، والهوايات الأسرية، وحالات المرض، والأصدقاء، يمكن أن يشترك فيها الزوجان، أو قد يهرب أحد الزوجين إلى أنواع من النشاط خارج دائرة الأسرة، كما يحدث في بعض الزيجات.
وقد أظهرت إحدى الدراسات أهمية التقبل الاجتماعي الذي يبديه الآخر، كالأصهار والأقارب والأصدقاء، في مساعدة الزوجين على التوافق خاصة في بداية تكيفهم مع الموقف الجديد. ومع ذلك فإن ديناميات الحياة الزوجية تعتبر أكثر من مجرد نمو الروابط الودية، فالزواج يعني المشاركة في اتخاذ القرارات وتكامل وجهات النظر.
وفي مثل هذه العملية لا يعني الزواج قيام الأفراد باتخاذ قرارات مستقلة، ولكن الزوجين يفكران ويقرران معاً، فإذا اتخذت قرارات مشتركة حول موضوعات، كالميزانية والإنفاق أو تربية الأطفال، فإنها تؤدي إلى تكامل الحياة الزوجية، أما إذا تمت القرارات بطريقة (أوتوقراطية ) أو فردية فإنها تضعف الزواج.
أما في حالة توافق الزوجين واحترام وجهات النظر المختلفة وتحقيق المشاركة المتبادلة، فيمكن أن يقوى الزواج بدرجة كبيرة . . ويستمر التوافق والتكيف باعتباره عملية دينامية مستمرة. . ويساد التكيف الزواجي كلا من الزوج والزوجة على مواجهة المواقف الزوجية وعلاج التغيرات التي تطرأ على المواقف الاجتماعية والتي تعرقل وتؤثر في أدوارهما كزوج وزوجة . . وإلى جانب ذلك هناك جوانب أخرى من أهمها التصميم على نجاح الزواج والإيمان بقيمته(1).
وتشير سناء الخولي في كتابها (1983م) إلى أن من النادر أن تكون حياة الأسرة والزواج كاملة Perfect طوال دورة حياتهما، لأن كثيراً من الأحداث التي تتعرض لها الأسرة تؤدي إلى حدوث أزمات، حيث إن الأسرة التي تقابلها المشكلات هي، غالباً تلك الأسرة التي ليس لها الإمكانات الملائمة لمواجهة الأحداث.
ويقسم الدكتور محمد الجوهري في كتابه (1979م) الأزمات الأسرية إلى الأقسام التالية:
1- الأسرة التي تشكل ما يطلق عليه (البناء الفارغ )، وهنا نجد الزوجين يعيشان معاً ولكنها لا يتواصلان إلا في أضيق الحدود، ويصعب على كل منهما منح الآخر دعماً عاطفياً.
2- الأزمات الأسرية التي ينتج عنها الانفصال الإرادي لأحد الزوجين، وقد يتخذ ذلك شكل الانفصال أو الطلاق أو الهجر.
3- الأزمات الأسرية الناتجة عن أحداث خارجية، كما هي الحال في حالات التغيب الدائم غير الإرادي لأحد الزوجين، بسبب الترمل أو السجن، أو الكوارث الطبيعية كالفضائيات أو الحرب.
4- الكوارث الداخلية التي تؤدي إلى إخفاق غير متعمد في أداء الأدوار، كما هو الحال بالنسبة للأمراض العقلية أو الفسيولوجية، ويدخل في ذلك التخلف العقلي لأحد الأطفال، أو الأمراض المستعصية التي قد تصيب أحد الزوجين.
أما هيل Hill فقد صنف الأزمات الأسرية في كتابه إلى ثلاث فئات هي:
1- التمزق أو فقدان أحد أفراد الأسرة Dismembermen ، ويعني (هيل ) بالتمزق فقدان أحد أعضاء الأسرة نتيجة موته في الحرب، أو دخول أحد الزوجين المستشفى، أو موت أحد الوالدين.
2- التكاثر أو الإضافة accession والمقصود بالتكاثر ضم عضو جديد للأسرة دون استعداد مسبق، مثل تبني طفل، أو زوج أم، أو حضور أحد الأجداد للإقامة مع الأسرة، أو المربية، كما في مجتمعات الخليج العربي حالياً.
3- الانهيار الخلقي: Demoralization ويشير إلى فقدان الأسرة والأخلاقية، ويقصد بها (هيل ) فقدان العائل أو الخيانة الزوجية أو إدمان الخمور والمخدرات. وهذه يمكن أن تؤدي إلى نتائج عديدة من التفكك الأسري، مثل: الطلاق، والانتحار، الهجر.
ومن أسباب النزاعات الأسرية أيضاً:
1- عدم فهم كل من الزوجين لنفسية وطباع الآخر، حيث كثيراً من نجد كلاً من الزوجين يتمسك برأيه دون مراعاة لرأي الآخر.
لذا فعلى الرجل أن يناقض أفراد أسرته في أمور الأسرة، ويكون معتدلاً في قراراته بحيث لا يظلم، لأن المرأة عادة تتغلب عليها العاطفة أكثر من العقل ي اتخاذ القرارات.
2- تظهر الأزمات في بعض الأسر بسبب عمل المرأة، وكيفية صرف ميزانية الأسرة، وهل الإنفاق مسؤولية الرجل أم أنه يجب على المرأة مشاركته؟ وقد يكون لهذا العامل في بعض الأحيان تأثير على العلاقات الأسرية. فقدرة الشخص على مزاولة عمل الأعمال ترتبط بالراحة النفسية التي يتمتع بها في أسرته، كما أن قدرته على مزاولة نوع من الأعمال ومدى مطابقته له يؤثر في حالته النفسية داخل الأسرة.
3- ومن أهم أسباب الأزمات والمشكلات في الأسرة الحديثة مدى اهتمام الأسرة بالأبناء، ومثال ذلك أنه في المجتمعات الخليجية الحديثة نجد عدداً كبيراً من الوالدين قد تركوا الطفل للخدم، حيث أصبح كالدمية تحضره لنا الخادمة لكي نلعب معه مدة وجيزة ثم تأخذه بعد ذلك لنراه في اليوم التالي.
4- من أسباب الأزمات الأسرية أيضاً، الزواج الذي ينشأ عن الطمع والكسب المادي أو المعنوي، فعندما لا يستطيع أحد الطرفين تحقيق هذه المكاسب تقع المشكلات بينهما.
5- وقد ترجع الأزمات الأسرية إلى إفرازات الحضارة الحديثة على أسرنا الإسلامية، مثل إطلاق العنان للمرأة وتركها تتحرك بحرية لا حدود لها، لتذهب إلى حيث تريد ومتى تريد، وبالتالي قد لا تعرف الشيء الكثير عن الأسرة، مما يدفع الزوج ((الشرقي )) إلى الحد من تلك الحرية فينشأ عن ذلك خلافات زوجية.
6- إن كثيراً من المشكلات والأزمات الأسرية قد يرجع أصلها إلى عدم نضوج عقلية الزوج أو الزوجة بالدرجة الكافية لمواجهة أمور الحياة. ويمكن إرجاع ذلك إلى الزواج المبكر في بعض الأحيان.
7- العاهات الجسمية، قد يكون لها تأثيرها على العلاقات الزوجية، فقد تؤدي إلى زيادة حاجة الفرد إلى الاعتماد على الأسرة اعتماداً كبيراً في قضاء شؤونه، الأمر الذي يسبب له الضيق وبالتالي سرعة الاستشارة. وقد يؤثر عجز الأسرة عن إشباع حاجات ذي العاهة إلى نشأة بعض الأزمات الأسرية (1).
ويعتبر التفكك الأسري أحد الموضوعات المهمة التي يجب أن يلم بها الدارس للأسرة . . وهناك عدة مفاهيم متداخلة ولكنها بمعان متشابهة، مثل التفكك الأسري، الانحلال الأسري، المشكلات الأسرية، ولن ندخل في جدل فلسفي حول الاختلاف بين كل من هذه المفاهيم، حيث إنها تلتقي جميعاً في وصف الأسرة بأنها: غير قادرة أو غير محققة لوظائفها المتوقعة منها.
فيعرف الدكتور أحمد زكي بدوي في كتابه (معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية ) التفكك (الانحلال ) بأنه: اتجاه التفاعل بين الوحدات التي تتكون منها الأسرة ضد مستويات الاجتماعية المقبولة، بحيث يحول ذلك بين الأسرة وبين تحقيق وظائفها والتي لا بد لها من القيام بها لتوفير الاستقرار والتكامل بين أفرادها.
بينما يعرفه (عاطف غيث ) في كتابه ((المشاكل الاجتماعية السلوك الانحراف )) بأنه:
(( أي وهن أو سوء تكيف وتوافق، أو انحلال يصيب الروابط التي تربط الجماعة الأسرية كلاً مع الآخر، ولا يقتصر وهن هذه الروابط على ما يصيب العلاقة بين الرجل والمرأة، قد يشتمل أيضاً علاقات الوالدين بأبنائهما )).
ويعرفه (كل النحاس ) وآخرون بأنه : ((حالة الاختلال الداخلي أو الخارجي التي تترتب على حاجة غير شديدة عند الفرد عضو الأسرة، أو مجموعة الأفراد، بحيث يترتب عليها نمط سلوكي أو مجموعة أنماط سلوكية يعبر عنها الفرد أو مجموعة الأفراد المتعاملين معه بكيفية تتنافى مع الأهداف المجتمعية )).
وتشير Beck إلى أن التفكك الأسري يمر في العادة بعدة مراحل يمكن تلخيصها على النحو التالي :
1- مرحلة الكمون:
وهي فترة قترة محددة وربما تكون قصيرة جداً بشكل يجعلها غير ملحوظة، والخلافات فيها سواء كانت صغيرة أو كبيرة لا يتم مناقشتها أو التعامل معها بواقعية.
2- مرحلة الاستثارة:
وفيها يشعر أحد الزوجين أو كلاهما بنوع من الارتباك، وبأنه مهدد وغير قانع بالإشباع الذي يحصل عليه.
3- مرحلة الاصطدام:
وفيها يحدث الاصطدام أو الانفجار نتيجة الانفعالات المترسبة، وتظهر الانفعالات المكبوتة لمدة طويلة.
4- مرحلة انتشار النزاع:
إذا زاد التحدي والصراع والرغبة في الانتقام فإن الأمور تزداد حدة، ويؤدي ذلك لزيادة العداء والخصومة بين الزوجين، والنقد المتبادل بينهما، ويكون هدف كل طرف هو الانتصار على الطرف الآخر دون محاولة الوصول إلى التسوية، وينظر كل منهما إلى نفسه على أنه الإنسان المتكامل على حساب الطرف الآخر، ويزداد السلوك السلبي . . وإذا كان النزاع في البداية يتعلق بناحية معينة فإنه سرعان ما ينتشر ليغطي النواحي الأخرى المتعددة.
5- مرحلة البحث عن حلفاء:
إذا لم يستطع الزوجان حل المشكلة بمفردها فإنهما يبحثان عمن يساعدهما في تحقيق ذلك من الأهل والأقارب والأصدقاء، وإذا استمر النزاع لفترة طويلة فإن القيم والمعايير التي تحكم بناء الأسرة تصبح مهددة، وهنا قد يلجأ أحد الطرفين أو كلاهما للحصول على الإشباع من خلال المصادر الأخرى البديلة، مثل التركيز على الاهتمام بالأطفال، أو المشاركة في الأنشطة الاجتماعية، والتركيز على النجاح في العمل على حساب الإشباع الذي يتحقق داخل الأسرة.
6- مرحلة إنهاء الزواج:
وعندما يكون لدى الزوجين على الأقل الدافعية والرغبة لتحمل مسؤولية القرار المتعلق بالانفصال، تبدأ إجراءات الانفصال، والتي تعني عدم التفكير في العودة مرة أخرى للحياة الزوجية، وهنا قد يوكل أحد الطرفين أو كليهما محامياً لذلك ويلجأ للقضاء(1).
إن مصطلح ((تفكك الأسرة )) يشير إلى انهيار الوحدة الأسرية وانحلال بناء الأدوار الاجتماعية المرتبطة بها، عند ما يفشل عضو أو أكثر في القيام بالتزاماته ودوره بصورة مرضية.
وقد صنف وليام w.Gooke في كتابه الأشكال الرئيسة لتفكك الأسرة، كما يلي:
1- انحلال الأسرة تحت تأثير الرحيل الإرادي لأحد الزوجين عن طريق: الانفصال، أو الطلاق، أو الهجرة، وفي بعض الأحيان قد يستخدم أحد الزوجين حجة الانشغال الكثير بالعمل ليبقى بعيداً عن المنزل وبالتالي عن شريكه لأطول فترة ممكنة.
2- التغيرات في تعريف الدور، التي تنتج عن التأثر المختلف بالمتغيرات الثقافية، وهذه قد تؤثر في مدى ونوعية العلاقات بين الزوج والزوجة، غلا أن الصورة أو النتيجة الأكثر وضوحاً تكون في صراع الآباء مع أبنائهم الذين يكونون في سن الشباب.
3- أسرة (القوقعة الفارغة ) وفيها يعيش الأفراد تحت سقف واحد، ولكن تكون علاقاتهم في الحد الأدنى، وكذلك اتصالاتهم ببعضهم، ويفشلون في علاقاتهم معاً وخاصة من حيث الالتزام بتبادل العواطف بينهم. ويمكن أن تحل الأزمة العائلية بسبب أحداث خارجية External ، وذلك مثل الغياب الاضطراري المؤقت أو الدائم لأحد الزوجين بسبب الموت أو دخول السجن أو أية كوارث أخرى مثل الحرب أو الفيضان. . إلخ.
4- الكوارث الداخلية التي تنتج عن فشل لا إرادي في أداء الدور نتيجة الأمراض النفسية أو العقلية، مثل التخلف العقلي الشديد لأحد أطفال الأسرة، أو الاضطراب العقلي لأحد الأطفال أو لأحد الزوجين، والظروف المرضية الجسمانية المزمنة الخطيرة والتي يكون من الصعب علاجها(1).
وجدير بالذكر أنه لا ينظر لجميع أنماط تفكك الأسرة في أي مجتمع بنفس الدرجة من الأهمية، إلا أن الطلاق يعتبر أهم أشكال التفكك الأسري في جميع المجتمعات بلا استثناء.
والطلاق هو إنهاء العلاقات الزوجية بحكم الشرع والقانون، ويترتب عليه إزالة ملك النكاح . . ونظراً لخطورة هذه الظاهرة في حياة الأسرة والمجتمع، فقد قيدته المجتمعات بقيود شديدة وأباحته في حالات محددة، وهو مع إباحته شرعاً وقانوناً غير أنه أبغض الحلال إلى الله عزوجل، وهو ظاهرة قديمة قدم عهد الإنسانية بالزواج (2).
جاء الإسلام وجعل للطلاق ضوابط ومراحل وفرصة للرجوع والمعاودة، لأن الطلاق في نظر الإسلام أبغض الحلال، يقو الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق ))(1)، ((وما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق ))(2).
ويحدد الإسلام الطلاق بثلاث مرات، كما قال سبحانه وتعالى: (الطلاق مرتان فإمساكُ بمعروف أو تسريحُ بإحسانٍ ) (البقرة: 229).
ففي المرة الأولى يكون رجعياً، بمعنى: يستطيع الرجل أن يراجع زوجته قبل انقضاء عدتها، أما إذا طلقها مرة أخرى، ولم يراجعها بعد مضي العدة فإنها لا تحل إلا بعقد ومهر جديدين. وعلى هذا فالطلاق يرتبط في الشريعة الإسلامية بالتصور الإسلامي للأسرة، حيث الأسرة في تصور الإسلام مؤسسة اجتماعية اقتصادية، والأسرة بمعناها المادي هو الشد والربط، وبمعناها الاجتماعي الرابطة بين الأفراد في المؤسسة الواحدة.
ومما يدل على خطر ظاهرة الطلاق، أن الدين جعله الحل الأخير لإنهاء حالة التوتر العائلي، واعتبره الخاتمة المؤلمة والمصير المحتوم بعد فشل كل جهود الإصلاح.
وتختلف المجتمعات من حيث العوامل الاجتماعية من حيث العوامل الاجتماعية النفسية التي تكمن وراء ظاهرة الطلاق، بحسب اختلاف درجات الثقافة في تلك المجتمعات، ويمكن حصر أهم أسباب الطلاق فيما يلي:
1- الصراعات الزوجية، التي تنجم عن عدم الانسجام النفسي بين الزوجين، تعتبر كما يؤكد علماء النفس من أهم أسباب الطلاق.
2- الجهل بالأمور والثقافة الجنسية.
3- ضعف شخصية المرأة وعدم مشاركتها للزوج مشاركة إيجابية، أو العكس بالنسبة للرجل.
4- انغماس الرجل في السهر والسكر والسفر وأموره الخاصة.
5- عقم أحد الزوجين، أو إصابته بمرض مزمن.
6- اختلاف الزوجين في المستوى الثقافي والاجتماعي، فقد تكون مجموعة الصفات المرغوبة عند الزوجين غير متماثلة مما يودي إلى فك رابطة الزوجية.
7- الخيانة الزوجية والأمور المتعلقة بالشرف.
8- عمل المرأة، في كثير من الأحيان يكون السبب الأساس للطلاق.
9- العوامل المزاجية التي تحدد ردود الفعل الانفعالية والعاطفية للفرد.
10- التفاوت في المستوى العمري بين الزوجين.
11- النظرة إلى الزواج نظرة غير جدية، وعدم تحمل مسؤوليات الزواج، التي تعين على احتمال وبقاء استمرارية الحياة الزوجية.
12- تدخل الأهل في المعيشة بين الزوجين.
13- تعدد الزوجات وسهولة إجراء الطلاق(1).
وقد شهدت مجتمعات الخليج العربي تغيرات سريعة وبنائية شملت كل الأنساق المجتمعية المختلفة، وكان لتلك التغيرات آثار واضحة على الأفراد والجماعات، وخاصة تلك الآثار التي أصابت النسق الأسري من حيث الخصائص والمكونات والوظائف والأدوار.
لقد تعرض المجتمع الخليجي لعملية تحديثية واسعة النطاق بفعل التحضر وتدفق الثروة النفطية، وأدى الازدهار الاقتصادي للأفراد إلى تغير المستوى المعيشي للمواطن الخليجي، وبالتالي أدى إلى سيطرة أنماط سلوكية مستحدثة وغلبة الطابع الاستهلاكي وتغير نوع العمل وأشكاله واختفاء المهن التقليدية، وبروز المهن الحديثة المرتبطة بالعمل الحكومي والعمل بالقطاع الخاص بكل مجالاته وتفرعاته.
كما تأثر المجتمع في الخليج بالمؤثرات الخارجية الوافد والتي أدت إلى تغيير المفاهيم والمعايير التقليدية بأخرى وافدة، وشهد المجتمع الخليجي استخداماً واسعاً لمختلف نماذج التقنيات الحديثة، وأصبحت هذه المنتجات جزءاً لا يتجزأ من حياة الأسرة ومقتنياتها.
وكما تفاعل المجتمع في السابق مع التغيرات التي أحدثتها الثروة النفطية، فإن مجتمع الأسرة الخليجية اليوم تفاعل مع ثروة الاتصالات العالمية باعتبارها جزءاً من حركة كونية تهدف إلى تشكيل عالم جديد يقوم على فلسفة جديدة للنظر إلى العلاقات الإنسانية، كمتطلب من متطلبات التطور في القاعدة التقنية ومفاهيم العلم الطبيعي والإنسان.
إن كل التحولات السريعة والمذهلة دون شك ستكون لها انعكاساتها الإيجابية والسلبية على واقع الأسرة، وستساهم بشكل أو بآخر في تغيير بنيتها واتجاهاتها وتعقد مسؤوليتها.
ولا ينكر أحد ما تقوم به وسائل الاتصال من دور في إضعاف الهوية الثقافية للإنسان الخليجي، لأن المواد التلفزيونية التي تنقلها عشرات الفضائيات العالمية تحتوي على مضامين ثقافية تهدد التماسك الأسري وتضعف العلاقات الأسرية، ومن ثم تهديد استقرار وتماسك الأسرة.
لقد تعرضت دول الخليج العربية إلى تطورات غير مسبوقة، على أثر اكتشاف الثروة النفطية، مما أدى إلى اتساع عملية التحديث، فيما سارت الكثير من الدول العربية على معدلاتها التدريجية والبطيئة في عملية مخططات التنمية . . وسبقت دول الخليج بلداناً عربية كثيرة في هذا الجانب، مما أفضى إلى تغيرات بنائية ومجتمعية عميقة نجمت عنها انعكاسات سلبية على واقع الأسرة الخليجية وزيادة المشكلات التي تعاني منها . . من هنا كان تخصيص هذا الجزء من البحث لظاهرة الطلاق في المجتمع الخليجي، لتتبع خصوصيتها والتعرف على حجمها وأسبابها وخلفياتها.
لقد تأثرت الأسرة الخليجية ولا تزال، بما حولها من متغيرات ومؤثرات . . ومقارنة بالأسرة التقليدية المستقرة والمتماسكة، تواجه الأسرة المعاصرة العديد من الصعوبات والمشكلات التي تنعكس سلباً على تماسكها واستقرارها، ولعل مشكلة الطلاق من أهم المشاكل المهددة للكيان الأسري.
ولقد تصدت المؤسسات الحكومية والجمعيات الأهلية والشخصيات الأكاديمية، في العديد من الدول الخليجية، لدراسة الظاهرة، بهدف التعرف على حجمها ومعدلاتها وانعكاساتها السلبية وأسبابها.
فقد أشارت دراسة عن الطلاق في المجتمع القطري، للدكتورة أمينة الجابر لسنة 1994م، بأن نسبة الطلاق إلى الزواج تراوحت في العقد الأخر ما بين 24 -33% وهي نسبة عالية في مجتمع مستقر اقتصادياً ومترابط أسرياً. وتحاول الدراسة التعرف على أسباب الطلاق في المجتمع القطري، فأرجعتها إلى ثلاثة عوامل أساس:
1- التقاليد الموروثة بما تمثله من عدم الرؤية قبل عقد الزواج، وتدخل الأهل في اختيار الزوج أو الزوجة، وطغيان شخصية الأم على الزوج، وفارق السن الكبير بين الزوجين، وزواج البدل، وتعلق المرأة الزائد بأهلها، ثم إن نظرة الزوج إلى الزوجة نظرة غير صحيحة، فهي نظرة لا ترى فيه إلا مربية لأطفاله وراعية لبيته دون مراعاة لمشاعرها كإنسانة وزوجة.
2- الجهل وعدم الفهم السليم لأحكام الشريعة الخاصة ببناء الأسرة، وما فرضه الله على كل من الزوجين من حقوق نحو الآخر، وما أمر به عند حدوث نشوز أو إعراض أو خلافات بين الزوجين، وما وضعه من قيود على الطلاق بحيث جعله في أضيق الحدود أو عند الضرورة.
3- فساد الأخلاق، والسعي وراء الشهوات، وتبديد الأموال في المحرمات، وسوء التربية، مع انتشار مظاهر الترف الاقتصادي التي تدفع إلى التسابق في شكليات ترهق الزوج مادياً وتدفعه في النهاية إلى الطلاق.
كما استعرضت الدراسة الآثار المترتبة على الطلاق، وهي محاولة نظرية دونت فيها الباحثة الآثار السلبية على كل من المطلقة والمطلق والأبناء، واستعرضت أيضاً تصوراً لوسائل العلاج التي يمكن أن تساهم في تخفيف هذه المشكلة، وترشد الناس إلى مفاهيم يجب أن تسود بينهم حتى لا يصبح الطلاق ظاهرة متفشية مزعجة تهدد المجتمع بمشكلات متنوعة تمتص طاقاته وقدراته، وتؤثر في مسيرته ومستقبله.
وتؤكد الدارسة أن الطلاق من تلك القضايا والمشكلات التي لا يجدي فيها سنّ تشريع للحد من تفاقمها بقدر ما يجدي في علاجها والتغلب على أضرارها التوجيه والإرشاد بأسلوب علمي يخاطب العقل والوجدان، ولا بد من بذل الجهد المتواصل لتصحيح المفاهيم الخاطئة والتقاليد المضرة، وأن يقدم للناس التصور الصحيح الذي جاء به الدين وحض على التمسك به.
وتلخص الدراسة إلى وضع عدد من التوصيات لا بد من مراعاتها للعمل بالتصور المشار إليه سلفاً ووضعه حيز التنفيذ، ومن أهمها:
1- أن تهتم وسائل الإعلام بتخصيص برامج يومية أو أسبوعية توضح الأسس التي تقوم عليها الأسرة في الإسلام، وتبين الآثار السلبية للطلاق.
2- إنشاء مكاتب مختصة بشؤون الأسرة يشرف عليها علماء الدين والاجتماعي والتربية، وتكون مهمتها التدخل لحل المشكلات الزوجية والحيلولة دون وصول الأمر إلى القاضي للطلاق.
3- ضرورة إدخال بعض البرامج النظرية والعملية في مناهج السنوات النهائية في المرحلتين الثانوية والجامعية، تكون مختصة بالأسرة على نحو ينمي المفاهيم الصحيحة ويعد الأبناء لحياة زوجية سعيدة.
4- اتخاذ قرار يضمن للزوجية بقاءها في منزل زوجها، وذلك بوضع أسس لطلاقها وعدم الإسراع فيه من قبل المحكم(1).
ولعل قانون الأحوال الشخصية القطري ـ تحت التجربة ـ يأتي بالحلول الناجحة.
والآن لنتساءل: ماذا يمكن أن يحدث للأطفال عندما تتقوض دعائم الأسرة وتنهار؟
إنه من غير اليسير تقديم إجابة دقيقة على هذا التساؤل في الوقت الحاضر. ومن الجلي أن الأطفال الذين ينشأون في أحضان أسرة سعيدة يتمتعون بصحة نفسية ووجدانية جيدة، هذا في الوقت الذي يفتقد الأطفال الذين يربون في ظل أسرة تفتقر إلى الحنان والانسجام السعادة وذاك الهناء، حتى ولم لم يحدث طلاق بين الأبوين.
وقد ركزت الدراسات التي أجريت على التفكك الأسري بوجه عام على الفروق بين أطفال المطلقين وغيرهم. وقد أخفقت هذه الدراسات في التحقق من أهم المسائل التي كان ينبغي عليها أن تكشف عن أبعادها، ألا وهي مدى التزام أفراد الأسرة بالقيام بأدوارهم تجاه بعضهم بعضاً.
يتبع