الانتروبولوجيا الدراسة العلمية للانسان.
علم الإنسان هو الدراسة العلمية للإنسان وللثقافة الإنسانية، ويعرف بالأنثروبولوجيا. يبحث الأنثروبولوجيون في فنون الحياة الملائمة التي يتعلمها الناس ويشاركون فيها باعتبارهم أعضاء في مجموعات اجتماعية، كما أنهم يقومون بفحص الخصائص التي يشترك فيها البشر باعتبارهم أعضاء نوع واحد في الطرق والعادات المنوعة التي يعيشون بها في البيئات المختلفة. إنهم يحللون أيضًا منتجات الجماعات الاجتماعية (الأشياء المادية والمبتكرات الأقل مادية مثل القيم والاعتقادات).
يبحث علماء علم الإنسان كغيرهم من علماء الاجتماع بشكل منظم في الأنماط العامة للسلوك الإنساني. إنهم يُنشئون النظريات ويستخدمون المناهج العلمية لاختبارها، ويقومون عادة بعمل الدراسات المقارنة، ومقارنة الثقافات أي يدرسون جماعات مختلفة من الناس لتحديد أوجه التشابه والاختلافات بينهم. فمثلاً، درس علماء علم الإنسان (الأنثروبولوجيون) النظم القانونية في القرى الزراعية الإفريقية، وللمشتغلين بتربية الخنازير في غينيا الجديدة، وتلك التي توجد في الدول الصناعية الأوروبية. أما علماء الاجتماع في الميادين الأخرى فيعملون بصفة رئيسية في المجتمعات الحضرية وقليلاً ما يَعْقِدون المقارنات بين الثقافات المختلفة.
كذلك توجد ميزة أخرى مهمة لعلم الإنسان وهي التأكيد على تصوير المجتمع كما يُرى من الداخل، أي من منظور أعضائه إذ يحاول علماء علم الإنسان تحديد كيف يرى الناس الذين يشاركون في ثقافة واحدة عالمهم. والواقع أن باستطاعة علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) أن يسهم إسهامات رئيسية في تحقيق الانسجام الدولي لأنه يساعد على فهم مختلف الثقافات.
فروع علم الإنسان
تتضمن الفروع الرئيسية لعلم الإنسان مايلي: علم الإنسان الطبيعي، وعلم الآثار، وعلم الإنسان اللغوي وعلم الإنسان الثقافي وعلم الإنسان الاجتماعي. وهي فروع كثيراً ما تتداخل وتتشابك. فمثلاً، يَدْرس علماء الآثار وعلماء الأنثروبولوجيا الثقافية الكثير من الملامح الثقافية ذاتها. وبينما يركز علماء الآثار على دراسة الحضارات السابقة، فإن علماء علم الإنسان الثقافي ينشغلون أساساً بالحضارات المعاصرة. إضافة إلى خاصية أخرى، هي أن علم الإنسان التطبيقي يستلزم التطبيق العملي للمحاولات الأخرى.
المجالات الرئيسية لعلم الإنسان
علم الإنسان اللغوي يدرس أساليب استخدام اللغة وطرقها عند الشعوب ذات الثقافات المختلفة.
علم الآثار دراسة رواسب وبقايا الثقافات الماضية.
علم الإنسان الثقافي يتناول أصول، وتطور، ووظائف الثقافات الإنسانية.
علم الإنسان البيئي يهتم بكيفية توافق الناس مع بيئتهم والكيفية التي تؤثر بها البيئة في الثقافة.
علم الإنسان الاقتصادي يركز على الطرق التي تلجأ إليها الشعوب مختلفة الثقافات لإنتاج وتوزيع السلع.
علم الإنسان الوصفي الوصف العلمي لمختلف الجماعات الاجتماعية والثقافية.
علم الإنسان الطبيعي ويسمى أيضًا علم الإنسان الإحيائي أو الحيوي، وهو دراسة الخصائص الحيوية للكائنات البشرية.
علم الإنسان السياسي يهتم بطرق اتخاذ القرارات وحل الاختلافات داخل نسق سياسي معين.
علم الإنسان النفسي يدرس الكيفية التي تتدخل بها الثقافات المختلفة في تشكيل الشخصيات الفردية.
علم الإنسان الاجتماعي يبحث العلاقات الاجتماعية في داخل الجماعات الإنسانية.
علم الإنسان الطبيعي.
يُسمى علم الإنسان الطبيعي أيضًا علم الإنسان الأحيائي أو الحيوي وهو دراسة الخصائص الجسمانية للإنسان ومن أبرز الخصائص المميزة كبر حجم مخه وقدرته على السير منتصب القامة. لذا يبحث علماء علم الإنسان (الأنثروبولوجيون) الطبيعيون عن الأحافير التي ترجع إلى عصور ماقبل التاريخ لتتبع تطور مثل هذه الخصائص. وهؤلاء العلماء، الذين نطلق عليهم أحياناً علماء الأحافير البشرية، يبحثون أيضًا عن البقايا الثقافية كالأدوات الحجرية وشواهد النار، بغرض تحليل الصلات، مابين حجم الدماغ، وشكل الهيئة، والتطور الثقافي للكائنات البشرية المبكرة.
ويدرس بعض علماء علم الإنسان الطبيعي الحيوانات التي تشابه إلى حد بعيد البشر. وبعض علماء الغرب الوضعيين يعتقد بأنها الشمبانزي وغيرها من القردة العليا. ويحاول العلماء عن طريق ملاحظتهم لهذه الحيوانات، استنتاج الهيئة التي كان عليها الإنسان في مرحلة مبكرة من التاريخ، وكيف أن البشر ـ على حسب آراء هؤلاء العلماء ـ قد تغيروا خلال آلاف السنين. إضافة إلى أن التقدم في دراسة المواد البروتينية الإنسانية والحيوانية يساعد العلماء على اكتشاف مدى ارتباط الأنواع المختلفة بعضها ببعض.
كذلك يدرس علماء علم الإنسان الطبيعي الاختلافات الطبيعية بين البشر، بما في ذلك فصائل الدم، ولون البشرة، وأمراض الوراثة. كما يحللون تأثير التغذية على السلوك الإنساني. فمثلاً، بيَّنت الدراسات أن النقص في فيتامين (د) يجعل الناس أكثر عدوانية. علاوة على أن بعض علماء علم الإنسان الطبيعي يهتمون ببحث الطرق التي تتضافر بها النشاطات الاجتماعية والغذاء والمناخ لتؤثر في أعمار الناس.
عِلْم الآثار.
اختص علم الآثار بدراسة الأشياء التي خلفتها الشعوب المبكرة التي تشتمل على الأعمال الفنية، والأبنية، والملبوسات، والفخاريات، والأدوات. ويتتبع علماء الآثار تطور الثقافات عن طريق دراستهم للأشياء التي صنعتها واستخدمتها تلك الشعوب. والواقع أن مثل هذه الأشياء تساعدهم على تحديد الشكل الذي تَكُون قد اتخذته الحياة الاجتماعية في الماضي. مثال ذلك أن حجم المنازل وعدد مواقد الطهي ربما يوضح عدد الناس الذين كانوا يعيشون معًا في عيشة منزلية واحدة. كما قد تشير الاختلافات في عدد وقيمة الأشياء التي توضع في داخل القبور إلى الاختلافات في الطبقة الاجتماعية. وبالمثل، فإن عظام الحيوانات ولقاح النباتات تبين ما إذا كان الناس قد ربّوا الحيوانات أو صادوها، وما إذا كانوا زرعوا المحاصيل أو جمعوا النباتات البرية طعامًا لهم
علم الإنسان اللغوي.
يُحلل علم الإنسان اللغوي الطرق التي يستخدم بها الناس اللغة في المجتمعات المختلفة. فيحاول العلماء اكتشاف الروابط بين لغة الناس والجوانب الأخرى لثقافتهم. ففي اللغة الإندونيسية، على سبيل المثال، تتضمن كثير من التّعابير الإشارة إلى المركز الاجتماعي للشخص الذي يُخَاطب في الحديث. كما أن للبيوت وغيرها من الأشياء أسماءها المختلفة وذلك بناء على مرتبة الشخص الذي هو طرف الحديث عنها. ويعكس هذا الاستخدام للغة الأهمية البالغة التي تمثلها الطبقة الاجتماعية في الثقافة الإندونيسية.
وتشمل الموضوعات الأخرى التي يدرسها علماء علم الإنسان اللغوي الكلام الرسمي وغير الرسمي، وأشكال التخاطب، والإهانات، والدعابات. كما يحلل هؤلاء الخبراء تراكيب اللغات غير المكتوبة.
أما علماء علم الإنسان الذين يُعرفون بعلماء الأعراق البشرية، فيدرسون الكيفية التي تعكس بها الكلمات وتعاريفها وتصنيفاتها آراء الناس في بيئتهم ومجتمعهم؛ فالنوير ـ وهم أفراد قبيلة سودانية ـ لديهم كثير من الكلمات لألوان وعلامات الماشية. كما توضح مفرداتهم أهمية الماشية في طريقة حياتهم.
وتَكشِف الطرق التي تصنف بها الثقافات المختلفة تلك الأشياء كالحيوانات والنباتات والأقارب عن الطريقة التي ينظرون بها إلى العالم؛ فاللغة الإنجليزية تَستخدم نفس الكلمة (uncle) للإشارة إلى الخال أو العم وزوج أخت كلا الوالدين، أي زوج الخالة وزوج العمة. بينما توجد في بعض اللغات، كاللغة العربية والتركية مثلاً، كلمة خاصة بكل من هؤلاء الأقارب. ومثل هذه الكلمات تُبين الاختلافات في الأدوار وفي أنواع السلوك التي يتوقعها الناس في الثقافات المختلفة من هؤلاء الأقارب.
علم الإنسان الثقافي.
هو دراسة الثقافة الإنسانية. ويقوم علماء علم الإنسان الثقافي، مثل علماء الآثار، بدراسة الأعمال الفنية، والمنازل، والأدوات والمنتجات المادية الأخرى لثقافة من الثقافات. كما يكرّسون جانباً كبيرًا من بحثهم لدراسة عناصر الثقافة غير المادية، بما في ذلك الموسيقى، والمعتقدات الدينية، والرموز، والقيم.
ويتخصص بعض علماء علم الإنسان في الميادين المنوعة لعلم الإنسان الثقافي. ويبحث علماء علم الإنسان البيئي في كيفية انسجام المجتمع مع بيئته، والكيفية التي تؤثر بها البيئة في ثقافة المجتمع. ويدرس علماء علم الإنسان النفسي الكيفية التي تتشكل بها الشخصيات الفردية بوساطة الثقافات المختلفة وكيف يتعلم الأطفال المشاركة في ثقافتهم.
علم الإنسان الاجتماعي.
يتعامل علم الإنسان الاجتماعي مع العلاقات الاجتماعية في الجماعات البشرية وتشتمل هذه العلاقات على الزواج، والحياة العائلية، والسلطة، والصراع. كما يخصص علماء علم الإنسان الاجتماعي كثيرًا من البحوث للكيفية التي تنظَّم بها الحياة الاجتماعية في المجتمعات المختلفة. فقد يدرس الباحث مجتمعًا من المجتمعات ليحدد كيف ينقسم فيه الناس إلى جماعات داخلية، وليتعرف على مختلف العلاقات التي تقوم ما بين هذه الجماعات. كما تفحص كثير من الدراسات تلك الخصائص الإنسانية كالسن، والجنس، والقرابة، التي وإن كانت خصائص عالمية إلا أن لها وظائف متغايرة في المجتمعات المختلفة. ففي بعض المجتمعات المحلية، تُحدد هذه الخصائص ما يتوقعه المجتمع من الفرد. بينما في بعضها الآخر تساعد هذه الخصائص كالتعليم والدخل والمهنة على تحديد الكيفية التي يتوقع أن يتعامل بها الناس ويتصرفون.
كثيراً ما درس علماء علم الإنسان الاجتماعي الأوائل مجتمعًا محليًا بأكمله دراسة تشتمل على كل جوانب حياته الاجتماعية، أما في العصر الحاضر، فإن الجوانب المذكورة تفرعت إلى مختلف التخصصات وكل عالم يعمل في مجاله التخصصي المحدود. فمثلاً، يركز علماء علم الإنسان الاقتصادي على كيفية إنتاج وتوزيع الطعام والسلع الأخرى. بينما يحلل علماء علم الإنسان السياسي الكيفية التي تصنع بها القرارات والكيفية التي يتم بها حل الصراعات في داخل المجتمع.
علم الإنسان التطبيقي.
علم الإنسان التطبيقي هو استخدام البحث لإنجاز هدف عملي. فعالم الإنسان التطبيقي يسعى إلى إصلاح أو تحسين وضعٍ ما في واقع الحياة أكثر من مجرد دراسته وتحليله. ومن بين إنجازات علم الإنسان التطبيقي مشروع فيكوس، وهو مشروع مشترك اضطلعت به في الخمسينيات جامعة كورنل، بنيويورك مع حكومة بيرو. حيث عمل علماء الإنسان الأمريكيون ونظراؤهم من بيرو مع المزارعين مقابل جزء من المحصول في فيكوس، في بيرو بالقرب من كاسما وساعد هؤلاء العلماء المزارعين على زيادة غلة محاصيلهم وبناء مدرسة وعيادة طبية. كما شكل المزارعون في آخر الأمر جمعية تعاونية قامت بشراء ملكية أراضيهم، وأصبحوا بذلك مستقلين عن نظام المحاصصة. وكذلك يعمل علماء علم الإنسان التطبيقي في المستشفيات، وفي المدارس، وفي مراكز الصحة النفسية، ومشروعات تحسين الجوار، ودور المسنِّين.
كيف يعمل علماء علم الإنسان
عمل علماء علم الإنسان الأوائل في مجتمعات منعزلة لا يُعرف عنها إلا القليل. وكانت معظم هذه المجتمعات تقع في إفريقيا، وفي أمريكا الجنوبية، وفي جنوبي المحيط الهادئ. وهي مجتمعات كانت من الصغر بحيث يتمكن الباحث الفرد من دراستها ووصفها. وقد طور علماء علم الإنسان بدراستهم مثل هذه المجتمعات، المنهج المعروف بمنهج الملاحظة بالمشاركة. حيث يقف الباحث، أو الملاحظ المشارك على معلوماته عن الناس بالعيش بينهم والمشاركة في حياتهم اليومية. ولا تزال الملاحظة بالمشاركة تعتبر حتى الوقت الحاضر، الأسلوب المميز لعلم الإنسان. وإن كان علماء علم الإنسان يستخدمون بالإضافة إلى هذا كثيرًا من المناهج والأساليب الأخرى.
ويبدأ علماء علم الإنسان، مثل كل العلماء، بحوثهم بأسئلة تليها إجابات محتملة تُسمَّى الفرضيات، ثم يجمعون الشواهد التي يقيِّمون بها الفرضيات. ويتكون بحث علم الإنسان النموذجي من أربع مراحل هي: 1- دخول المجتمع، 2- إنشاء الفرضيات، 3- جمع الشواهد، 4- استخلاص النتائج.
دخول المجتمع.
يذهب عالم علم الإنسان إلى المجتمع بهدفين رئيسيين. فهو يسعى إلى : 1- تعيين دور لنفسه 2- الوصول إلى فهم حقيقي لحياة المجتمع ومعيشته. وفي هذا، فقد يتخذ بعض علماء علم الإنسان دورًا من تلك الأدوار التي توجد بالفعل في المجتمع، كمعلم مثلاً أو عامل بإحدى المستشفيات. ويحاول البعض الآخر إقناع الناس بتقبلهم مراقبين يهتمون بمعرفة أحوال المجتمع. وهكذا يشترك عالم علم الإنسان في الواجبات، ويعمل في مختلف الأعمال، ويزور بيوت الناس، ويشارك في أكثر ما يُمكن أن يشارك فيه من نشاطات.
ويقوم الباحث في البداية بجمع المعلومات عن طريق الملاحظة والحديث مع أفراد المجتمع بالدرجة الأولى. كما يسترشد كثير من الباحثين في جمع المعلومات الأساسية بالإحصاءات الرسمية الخاصة بالسكان، وهو إجراء يتيح لهم أيضًا فرصة الالتقاء بالناس في المجتمع، وشرح هدف البحث وإجراءاته.
إنشاء الفرضيات.
يتعين على عالم علم الإنسان أن يُقرر بوضوح أية معلومات يرغب في جمعها عن المجتمع. وبعدئذ يسأل الباحث الأسئلة ويصيغ الفرضيات للإجابة عنها. ولسوف تظهر الكثير من الأسئلة الجديدة من خلال ما صار العالم يعرفه بالفعل عن المجتمع. كما أن الباحث لا يشارك، في هذه المرحلة من مراحل المشروع إلا بقدر محدود مما يقوم به الناس من نشاطات، وخاصة تلك النشاطات التي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بدراسته.
جمع الشواهد.
يقوم عالِم الإنسان بعد أن ينشئ الفرضيات المحددة الدقيقة، بجمع المعلومات لاختبارها. وبالرغم من أن معظم علماء علم الإنسان يستمرون في المشاركة في حياة المجتمع إلا أن الكثيرين يقررون بالإضافة إلى ذلك، الاستعانة ببعض المناهج الأخرى. فقد يقوم الباحث بإجراء مسح عن طريق توزيع الاستبانات على كل فرد في المجتمع أو على مجموعة مختارة من الأفراد. كما قد يقوم الباحث بجرد، وبعمل قوائم بالحيازات والممتلكات المنزلية أو يحصل على تواريخ الحياة من بعض الأهالي. وقد يلجأ الباحث إلى تسجيل المقابلات أو الأحداث الخاصة التي تتضمن الخُطب والأحاديث، أو الموسيقى. كما يصور النشاطات المختلفة تصويرًا سينمائيًا أو ضوئيًا. كذلك فقد يصنف العَالِم الناس ويحددهم على أساس مجموعة منوعة من الخصائص، مثل مستوى نشاطهم أو عدوانيتهم. ومع أن مثل هذا التصنيف يتم على أساس التقدير الذاتي للباحث، إلا أنها تمده بالمعلومات والبيانات الإحصائية التي يسهل تحليلها. إضافة إلى أنه قد يَطْلُب المتخصصين في الاختبارات النفسية وغير ذلك من المجالات مساعدته في المشروع.
استخلاص النتائج.
يتعين على الباحث أن ينظم كل المعلومات التي تم جمعها حتى يُمكن استخدامها بسهولة وكفاءة. فمثلاً، لا بد من فهرسة المئات من الصفحات التي تشتمل على المذكرات والملاحظات حتى يمكن العثور بسرعة على المعلومات المتعلقة بموضوع من الموضوعات. فبيانات التعداد السكاني العام يجب عدها وإجمالها، وكذلك الاختبارات النفسية لابد من جدولتها وتحديدها، ويُمكن للباحث في علم الإنسان، مثل غيره من العلماء الآخرين، أن يستخدم الحاسوب لتحليل الكميات الضخمة من المعلومات. وأخيراً يختبر الباحث الفرضيات العلمية التي كان قد صاغها، ثم يقوم بكتابة نتائجه بشكل تفصيلي واف للمجلات والدوريات العلمية، أو ينشرها في كتب ومؤلفات.
نبذة تاريخية
الفكر الإنساني (الأنثروبولوجي) المبكر.
بدأت دراسة الثقافة الإنسانية في العصور القديمة. ولكن علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) لم يُصبح مجالاً مستقلاً للدراسة إلا في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي. وقد ركز علماء علم الإنسان الأوائل على تطبيق نظرية التطور على دراساتهم.
حيث نظروا إلى تاريخ الثقافة الإنسانية على أنه عملية تطور من الأشكال الدنيا إلى الأشكال العليا، والتي بلغت في زعم هؤلاء العلماء الأوائل الذروة مع ثقافات أوروبا وأمريكا الشمالية. أما الشعوب المعروفة باسم ¸الشعوب البدائية·، التي كانت تقنياتها أقل تقدمًا من الأمم الغربية، فقد افترضوا أنها مثلت مراحل التطور المبكرة. مثال ذلك، إن عالم علم الإنسان الأمريكي لويس مورجان درس أنماط الزواج في العديد من المجتمعات، وانتهى إلى أن الزواج ـ وهذه وجهة نظره هو ـ تطور خلال القرون من زواج الجماعة إلى الزواج الغربي من زوجة واحدة.
تطور البحث الميداني.
بدأ كثير من علماء علم الإنسان مع أواخر القرن التاسع عشر ينتقدون النظريات التطورية التي قال بها مورجان وغيره من التطوريين. وكان اهتمام هؤلاء العلماء المتأخرين باكتشاف وتسجيل التباينات والاختلافات البشرية، أكثر من اهتمامهم بوصف أنماط التطور. كما أدركوا أيضًا ضرورة أن تتم عملية جمع المعلومات عن الجماعات المختلفة قبلما تتحور ثقافات هذه الجماعات بسبب الاحتكاك بالغرب. وقد نظم علماء علم الإنسان من أمثال العالم الألماني أدولف باستيان، والعالم الأمريكي فرانز بواز، ووليم هـ.ر. ريفرز من بريطانيا العديد من البعثات لدراسة ثقافات المجتمعات الأخرى دراسة مباشرة.
وفي عام 1899م أنشأ بواس بجامعة كولومبيا في مدينة نيويورك أول قسم رئيسي لتدريس علم الإنسان. وكان من بين تلامذته روث. ف بنيدكت وألفريد ل. كرويبر وروبرت هـ. لووي، ومارجريت ميد، وقد أصبحوا جميعًا من علماء علم الإنسان المشهورين. إذ دربهم بواس على القيام بدراسات مُركزة تعتمد على المشاهدة لثقافات مستقلة وقائمة بذاتها. وقد أدت الدراسات الميدانية التي تمت على أيدي هؤلاء العلماء إلى إلقاء الأضواء على كثير من الاختلافات بين المجتمعات.
وخلال العشرينيات من القرن العشرين الميلادي طوّر عالم الإنسان البريطاني الجنسية، البولندي المولِد، برونيسلاف مالينوفسكي، نهجًا أو مدرسةً سمي الوظيفية اهتمت في الدرجة الأولى بالبحث في الطرق المختلفة التي عملت بها السمات الثقافية لإشباع الحاجات الإنسانية الأساسية، عضوية كانت أم نفسية. وكان من بين تلامذة مالينوفسكي الذين كتبت لهم الشهرة فيما بعد هم علماء علم الإنسان البريطانيّون الأستاذ أي.أي إيفانز بريتشارد، وريموند فيرث، وماير فورتس، وماكس جلكمان وإسحاق شابيرا، والأمريكي هورتنس باودرميكر. أما أ.ر.رادكليف براون وهو بريطاني آخر، فكان عالمًا وظيفيًا أيضًا، واهتم بصفة أساسية بالكيفية التي تساعد بها تلك الأعراف، مثل الشعائر والطقوس وعلاقات القرابة على استقرار واستمرار حياة اجتماعية منتظمة. وضمن تلامذة رادكليف براون الْعَالمان الأمريكيان فردريك أ. إيجن، ووليم لويد وارنر.
علم الإنسان المعاصر.
أثارت التغيرات السريعة الواسعة في كثير من المجتمعات خلال القرن العشرين تحولاً في تفكير علم الإنسان. فبدلاً من دراسة المجتمع في مرحلة زمنية معينة، بدأ علماء الإنسان يدرسون الثقافة في مختلف الفترات المتقطعة لأنهم كانوا يرغبون في الوقوف على الكيفية التي تغيرت بها المجتمعات، وفي تحليل عملية التغير ذاتها. فمثلاً درس عالم الإنسان الأمريكي كليفورد جيرتز التطور الاقتصادي في إندونيسيا، كما درس عالم الإنسان البريطاني آبنر كوهن الدور المتغير للعقيدة بين تجار الماشية في قبائل الهوسا بإفريقيا.
لقد درس علماء الإنسان الأوائل بصفة رئيسية المجتمعات المحلية الصغيرة في المجتمعات ذات التقنية البسيطة. ولكن علماء الإنسان المعاصرين يعملون داخل نطاقات واسعة المدى. فقد يقوم علماء الإنسان بدراسة الكيفية التي يستجيب بها أحد المجتمعات المحلية الصغيرة للاحتكاك بالمجتمع الحديث، كما فعل جورج فوستر من الولايات المتحدة في قرية تزينتزونتزان المكسيكية. كما يعمل علماء الإنسان في الجماعات المختلفة في المدن الحديثة. وعاش العالم الأمريكي كارول ستاك في إحدى الضواحي التي تقطنها عائلات السود ليدرس كيف ساعدتهم الروابط العائلية والصداقات على مواجهة الظروف الصعبة.
كذلك يَدْرس عُلماء علم الإنسان الطبي العلاقات الاجتماعية في المستشفيات ودور الرعاية للمسنين. ومثال ذلك إن المقارنة بين دار رعاية في أسكتلندا وأخرى في الولايات المتحدة بيَّنت الأسباب التي جعلت النزلاء أكثر طمأنينة ورضى في الدار الأسكتلندية.
أكد علماء الإنسان في مطلع القرن العشرين على دراسة الفوارق والاختلافات البشرية. ولكن مع منتصف القرن، أصبحت المحاولات لاكتشاف الأنماط البشرية العامة هدفًا هامًا لعلم الإنسان. تم تخزين وفهرسة المعلومات والحقائق الخاصة الإنسانية في جامعة يَيلْ الأمريكية ومكنت هذه الملفات علماء الإنسان من البحث عن الأنماط المتشابهة بالتحليل الإحصائي لنفس النشاط في عدد من المجتمعات. وتُسمى هذه البحوث (البحوث المُستندية الحساسة). وهي تشتمل على تحليل لعلاقات القرابة قام به جورج بيتر ميردوك و.م. ودراسة أساليب تنشئة الطفل التي قام بها جون وم. وايتنج. ودراسات عن منْزِلة ومعاملة المسنين لأنتوني جلاسكوك، وكلهم من علماء الإنسان الأمريكيين.
وفي أواسط القرن العشرين بدأ علماء الإنسان الأفارقة والآسيويون في دراسة بعض المجتمعات في الغرب الذي كان من قبل يُرسل العلماء والباحثين إلى بلدانهم. فقام عالم الإنسان النيجيري جون أوجبو بدراسته في إحدى مدارس الضواحي في كاليفورنيا. كما قام عالم إنسان نيجيري آخر هو أ.ي. إسيين- أودَم، بدراسة عن أمة الإسلام، وهي مجموعة من المسلمين السود وغيرهم في الولايات المتحدة الأمريكية.
والواقع أن الدراسات الميدانية التي تمت على أيدي علماء الإنسان منذ الستينيات قدمت الكثير لتطور دراسات الأصول البشرية. وتتضمن الأسماء الرائدة في هذه الجهود عائلة ليكي في كينيا التي تضم، لويس، وزوجته ماري، وابنهما ريتشارد.