المجرَّد والمرأة التي تبعها
عن محمد بن وهب الشاعر قال : بينما أنا في السوق إذا بجارية جميلة لم أر أجمل منها ، فتبعتها إلى منزلها ؛ طامعاً فيها ، فسقتني نبيذاً وغنت على عودها بصوت ما سمعتُ أعذب منه ؛ ولا أنفذ إلى القلب :
كأني بالمجرد قد علته .:. نعال القوم أو خُشُبِ السَّواري
فقلتُ لها : جُعلتُ فداءَك ، لم أفهم هذا الشعر ولا أحسبه مما يُغنَّى به .
قالتْ : أنا أولُ من تغنى به ، وإنما هو بيتٌ لا يُعرف قائله ومعه بيت آخر
قلتُ : سُرِّيني بأن تغنيه لعلّي أفهم .
قالت : ليس هذا وقته ، هو آخر ما أتغنى به ..
قال : وجعلت لا أنازعها شيئاً إجلالاً لها وإعظاماً ، فلما أمسينا وجاءت العشاءُ الأخيرةُ ، وضعتْ عودَها ، فقمتُ فصليتُ ، وما أدري كم صليتُ عجلةً وتشوقاً . فلما سلمتُ
، قلت : تأذنين لي – جُعلت فداءكَ – في الدنوِّ مِنكِ ؟
قالتْ : هذا لكَ ، ولكن بعد أن يتجرد كلٌّ منا . ثم ذهبتْ كأنها تريد أن تخلع ثيابها ، فكدت أن أشق ثيابي من العجلة للخروج منها ،ولما قمتُ بين يديها متجرداً .
قالت : انتهِ إلى زاويةِ البيتِ ، وأقبل إليَّ مقبلاً ومدبراً .
قال : وبينا أنا في طريقي إلى الزاوية ، أردتُ اجتياز حصير في الغرفة ، فما كدتُ أن أستقر فوقه حتى هبط بي في خَرقٍ تحته ، وإذا أنا في السوق مجرداً ، وإذا شيخان هناك قد كَمُنا في ناحية ، وأعدَّا نعالهما.
فلما هبطتُ عليهما ، بادراني فقطعا نعالهما على قفاي ، وجاء أهلُ السوق ، فشاركوهما في ضربي ، حتى أُنسيتُ اسمي ،
وبينما أنا أخبط بنعال مخصوفةٍ ، وأيد ثقالٍ ، وخُشبٍ دقاقٍ ،
إذا صوتٌ من فوق البيت يغني :
كأني بالمجرِّد قد علتْهُ .:. نعالُ القومِ أو خُشُبِ السَّواري
ولو علمَ المجردُ ما أردْنا .:. لبادرنا المجردُ في الصحاري
من كتاب الحب والجمال عند العرب - لأحمد تيمور - بتصرف كبير
لكم خالص تحياتى
شريف عمر
أبو مروان