حصانة المحامي كآلية من آليات المحاكمة العادلة
بقلم الأستاذة ربيعة الغزواني
ما لمراد بسوء النية في الفصل 46 " يشهد مبدأ الحصانة تراجعا هاما مما يمس بمبدأ استقلالية المحامي و حرية حق الدفاع و ذلك إذا تعسف المحامي في ممارسة مهنته و كان ذلك عن قصد "
هل سوء النية هو تعسف في استعمال الحق متى يتعسف المحامي في استعمال الحق .
لم يذكر قانون سنة 1989 المنظم لمهنة المحاماة هذه الحالة .
التعسف في استعمال الحق ينظمه الفصل 103 من م ا ع الذي يقتضي " أن من فعل ما يقتضيه حقه بدون قصد الإضرار بالغير فلا عهدة مالية عليه ."
هل يجيب هذا الفصل عن مفهوم سوء النية و هو قصد الإضرار . و لكن هنا قصد الإضرار يستشف من وقوع الضرر فالنص القانون أي الفصل 103 لا يحمل مسؤولية إلاّ لمن أضر الغير و كان له قصد الإضرار أي أن وقوع المضرة وحدها بدون قصد الإضرار لا يكفي لقيام مسؤولية الفاعل .
إذن نظرية التعسف في استعمال الحق لا تتماشى و مفهوم الفصل 46 من قانون مهنة المحاماة الذي يكتفي بحصول سوء النية ليلغي الحصانة الذي يتمتع بها .
فالفصل 46 من قانون تنظيم مهنة المحاماة نظم حالتين من حالات عدم احترام المحاكم يمثل الحالة الأولى في ارتكاب الجريمة أمام هيئة المحكمة . و تمثل الحالة الثانية في استهداف الجريمة هيئة المحكمة و ينظم الحالة الثانية الفصل 126 من المجلة الجنائية الذي يقتضي " إذا كان انتهاك الحرمة واقعا بالجلسة لموظف من النظام العدلي فالعقاب يكون بالسجن مدة عامين و يكون العقاب بالإعدام إذا وقع الاعتداء بالعنف باستعمال السلاح أو التهديد به ضد قاض بالجلسة "و بالتالي فإن قانون تنظيم مهنة المحاماة لسنة 1989 لم ينظم الجرائم بل أحالها على المجلة الجنائية. و مجلة الصحافة و نصوص أخرى متفرقة و يكون من الأسلم لو يحصر المشرع صراحة قائمة الجرائم التي قد يرتكبها المحامي في إطار مباشرته لمهنة المحاماة حتى تكون إدانته قائمة على نص قانوني جزائي صريح اعتبارا و أنه لا يجوز التوسع و لا القياس في النصوص الجزائية و يمكن ذكر قرار حديث عن محكمة التعقيب أيدت فيه المحكمة ما جاء بالحكم الابتدائي والاستئنافي و رفضت مطلب التعقيب أصلا بعد قبوله شكلا و قد جاء بإحدى حيثيات الحكم الابتدائي القاضي بالإدانة طبق الفصلين 125 و 126 من المجلة الجنائية و الصادر في 17/06/1999 ما يلي " فإن نية المتهم كانت منصرفة أساسا إلى انتهاك حرمة القضاة الجالسين مثلما تؤيده العبارات الصادرة عنه و هيجانه بالجلسة و رفضه الرجوع للمكان المخصص للمحامين عند الترافع و شهادة الشهود و توجهه لرئيس الجلسة بعبارة "أنت ديمة هكاكة معايا " ، يؤكد تعمده انتهاك حرمة القاضي المذكور إذ أن العبارات السالف ذكرها قد وجهت لشخص هذا الأخير و عن قصد لإحراجه و تقليل الاحترام الواجب له خاصة و أن التهجم تم بجلسة علنية و على مرأى و مسمع من جميع الحاضرين …"
كما أكدت محكمة التعقيب التونسية على وجوب توفر الأركان القانونية لجريمة هضم جانب موظف من النظام العدلي ، و جاء في إحدى حيثيات القرار ما يلي :
أن جريمة الفصل 126 من المجلة الجنائية لا تقوم و تستقيم إلاّ بتوفر أركانها الثلاثة و التي من ضمنها أن يكون هضم الجانب بالقول أو الإشارة أو التهديد مقصودا من الجاني و موجها في نفس الوقت إلى الموظف بنية الإساءة إليه أو النيل من اعتباره وجاهة ".
و قد أيدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي المذكور بتاريخ 29 جوان 2000 و اعتبرت و أن المتهم قد " بادر بالاستهزاء بالحكم التحضيري السابق كما استعمل لهجة هستيرية جاء في مخاطبة المحكمة و خروجه من المكان المخصص للمحامين متقدما نحو منبر المحكمة ملوحا للمحكمة بإشارات بيديه ، كل هذا لا يمكن أن يعتبر مرافعة قانونية تتسم باحترام آداب المهنة وإجراءات التقاضي.
إذن الحالات التي يؤاخذ فيها المحامي حسب فقه القضاء هي طبق الفصول 125 و 126 من المجلة الجنائية و الذين يتعلقان بالانهاك حرمة موظف عمومي بالقول أو بالاشارة او التهديدو هي تعني الأشخاص و الأفراد من الناس بينما المحامي لا يمكن أن يعامل كفرد من عموم الناس ضرورة أن الضمانات القانونية التي توفر لحقوق الدفاع و تتجاوز القانون المنظم لمهنة المحاماة إذ نجدها في الدستور التونسي و هو أعلى نص في المنظومة القانونية و تحديدا فصل 12 إذن لم نعثر على قرار يؤاخذ محامي طبق الفصل 46 من قانون المهنة صراحة و هو الذي استثنى مبدأ الحصانة بسوء النية حسب اعتقادنا يؤدي هذا الاستثناء إلى سحب الحصانة متى أراد القاضي ذلك و بالتالي فإن تحقيق المحاكمة العادلة هو رهين توفر ظروف ملائمة و مناخ ديمقراطي حتى ترقى حصانة المحامي إلى أن تصبح آلية من آليات المحاكمة العادلة إلاّ عندما يكون هنالك احترام للمؤسسات الدستورية و إطلاق حرية التعبير بالنسبة لفقه القضاء الفرنسي فهو يحرم الأفعال التي يقوم بها المحامي و المتمثلة في عبارات و مواقف تكون سلوكا متناف و واجبات المحامي المضمنة باليمين التي يؤديها . و يعرف الفقه الفرنسي المؤسسة القضائية بمحملها على أنها une valeur de civilisation qui postule une demarche particuliere de la part de ceux qui la rendent et de leurs partenaires "
و يكون من الأسلم لو يحصر المشرع صراحة حالات سحب الحصانة حتى يكون هذه الحالات تقوم على إدانة واضحة بمقتضى نص قانوني جزائي صريح لا يجوز التوسع فيه و لا القياس عليه باعتبار أن النصوص الجزائية تخضع إلى تأويل ضيق و لا يمكن التوسع في تأويلها غير أنه جاء نص الفصل 46 من القانون المنظم لمهنة المحاماة نصا يحد من حصانة المحامي بصيغته المبهمة و التي جعلت حدّا لها استثناء يمكن تأويله حسب المناخ السياسي و ملاءمته لمحاكمة عادلة أم لا و بالتالي تصبح المحاماة و دورها الريادي في لدفاع عن حقوق لأفراد كحرية التعبير وحرية الرأي و كل ما تستلزمه مستحقات.
الفقرة الثانية : حدود متأتية من تأويل النص القانوني المبهم و المنظم لحصانة المحامي :
حسب اعتقادنا إذ أريد أن يكون النص المنظم لحصانة المحامي مبهما فذلك يعبر عن رسالة واضحة تتمثل في جعل هذه الحصانة رهينة المناخ السياسي و مكانة القضاء متقاطعة مع المعايير الأخرى السابق بيانها لانجاز المحاكمة العادلة ومنها احترام المؤسسات الدستورية ، و التفريق بين السلط ، و استقلالية القضاء …
فلنرى كيف فك القاضي إبهام النص الذي ينظم حصانة المحامي : يقضي الفصل 46 من قانون7 سبتمبر لسنة 1989 أنه لا تترتب عن المرافعات الواقعة أمام المحاكم و الكتابات المقدمة إليها أية دعوى من أجل السب أو الشتم أو القذف أو النميمة كما وقع تعريفها بكل من مجلة الصحافة و المجلة الجنائية إلاّ إذا ثبت سوء النية .
* تعريف الجنح الثلاثة المذكورة بمجلة الصحافة و المجلة الجنائية :
عرف الفصل 53 من مجلة الصحافة السب بكونه "كل إدعاء أو نسبة شيء بصورة علنية من شأنه أن ينال من شرف أو اعتبار شخص أو هيئة رسمية " و نظم على ذلك عقوبات جسدية ومادية.
عرف الفصل 54 جريمة الشتم بكنه "يعتبر شتما كل عبارة تنال من الكرامة أو لفظ احتقار تتضمن نسبة شيء معين " و نظم على ذلك عقوبات مادية و جسدية و يعتبر ركن العلانية أساسا لقيام جريمة الشتم و الثلب هو الإشهار بمكان عمومي ، و لقد حدد الفصل 46 من قانون تنظيم المحاماة المحاكم باعتبارها المكان الطبيعي الذي يمارس فيه المحامي مهنته بصفة مباشرة ، إضافة إلى أنه يتولى فيه المرافعة و تقديم التقارير و بذلك يكون قد اعتبر قاعة الجلسات مكانا عموميا بالتخصيص .
و قد اعتبرت محكمة النقض المصرية في قرارها الصادر في 15 فيفري 1931 قاعة الجلسة في الوقت المحدد لانعقاد الجلسات تعتبر من المحلات العمومية بالتخصيص ، و الجهر بالقول أو الصياح في ذلك الوقت يوفر ركن العلانية كما عرف الفصل 58 من قانون الصحافة جريمة الثلث بأنه " كل نقل لأمر منسوب و ثبت قضائيا أنه من قبيل الثلب يعتبر صادرا عن سوء نية ما لم يقعالإدلاء بما يثبت خلاف ذلك " و هنا فسر المشرع مفهوم سوء النية التي يتكون من قرينة قابلة للدحض بالنسبة لفقه القضاء التونسي، هنالك قرار مؤرخ في 10 أكتوبر 1964 عدد 1658 يعتبر أنه ليس من الضروري لقيام جريمة الثلب أن يكون المعتدي عليه معينا باسم و إنما يكفي أن تكون عبارات الثلب موجهة بصورة يسهل معها فهم الشخص المقصود منها ، و عدم مراعاة الإجراءات التي جاء بها الفصل 41 من قانون تنظيم مهنة المحاماة لا يوجب بطلان التتبعات الجزائية ضد المحامي لارتكاب جريمة بمناسبة تأديته لواجب مهنته فتحي شلبي : القذف و الثلب و الشتم في القانون الجنائي و قانون الصحافة ، و مجلة القضاء و التشريع عدد 7جويلية 1985 ص 24 و 28 و 30 إلى 45 بتصرف . فعندما تكون صياغة النص المنظم للحصانة على النحو التالي لا تترتب عن المرافعات الواقعة أمام المحاكم و الكتابات المقدمة إليها أية دعوى من أجل السب أو الشتم أو القذف أو النميمة كما وقع تعريفها بكل من مجلة الصحافة و المجلة الجنائية إلاّ إذا ثبت سوء النية لم يحدد فقه القضاء مفهوم لسوء النية و بذلك يمكن الكيل بمكيالين فهنا يعتبر ذاك المحامي عن سوء نية و هناك يعتبر عن حسن نية و يصبح التحديد inconcreto أي حسب مقاييس لا تخضع للموضوعية فما يعتبره قاض حادث عن سوء نية ليس كذلك لقاض آخر و ما يطبق على محام لا يطبق على محام آخر و بالتالي تسحب الحصانة عندما يراد إلغاء حقوق الدفاع و تسلط تتبعات جزائية عليهم و تبقى الحصانة عندما لا تشكل أي إزعاج للسلطة السياسية لذلك غالبا ما يكون المحامي في قضايا الرأي و الحريات مهددا بالتتابعات فلا يمكن له أن يتمسك بالحصانة المنظمة بالفصل 46 لأن سحبها ممكن و سهل أن يتهم بأن مرافعته كانت عن سوء النية باعتبار أن سوء النية إشارة مانعة للحق الممنوح و المتمثل في الحصانة . فمحمول على القاضي بحكم اليمين الذي يؤديها قبل تنصيبه في وظيفته و هي التالية:
"اقسم بالله العظيم أن أقوم بوظائفي بكل حياد و نزاهة و أن التزم بعدم إفشاء سرّ المفاوضات أثناء تولي القضاء وبعده و أن يكون سلوكي سلوك القاضي الأمين الشريف "
إن يؤول النص الغامض تأويل القاضي الأمين الشريف ضمانة في ان لا يفرغ محتوى الحق الممنوح بتأويل غير حيادي أو غير نزيه . فالقاضي هو الذي ينجز المحاكمة العادلة و هو الذي كذلك لا ينجزها عندما يصادر حقوق الدفاع و هو الذي اقسم على شرف الحياد و النزاهة و عدم خيانة الأمانة و عدم افشاء سر المفاوضات إن المشرع بمفرده لا يصنع تاريخا و لا يقيم عدلا فالأمر موكول لكل من يتداول أطراف الحياة الاجتماعية و السياسية كالفقهاء و القضاة و المحامون … كل له دور في تفعيل آليات العدالة الاجتماعية و السياسية .
و رغم أنه يجدر بالنص التشريعي أن يكون واضحا فيما يتعلق بالحقوق الجوهرية فأننا يمكن أن لا نخشى من تأويل نص مبهم أو غير واضح عندما تكون هناك حركة فقهية و كتابات كثيرة تنبه و تقود القضاة و المحامون في عملهم اليومي .
كما يمكن أن لا نخشى من تأويل نص غامض عندما نكون متأكدين أن القاضي محايد و نزيه و أمين و شريف و عندما يكون المحامي يحترم القانون في إطار حق الدفاع و استقلاليته فلا يمكن للمشرع بمفرده ان يقودنا نحو الحرية و العدالة بدون تناغم كل المؤسسات و وعيها بهدفها في المساعدة على إقامة العدل . نضرب مثلا بالقضاء الإداري هذا القضاء الذي أسس فقهه على تدعيم حماية حقوق الأفراد و يكرس مفهوم المواطنة و يقوم برسالة حضارية حقا في حماية حق الفرد ضد تجاوز السلطات .
فلو شهد القضاء العدلي هذه الحركية و هذا الاجتهاد الخلاق لأصبح الفصل 46 رغم نقائصه ،فصلا ينظم بحق حصانة المحامي بصورة واقعية باستثناء حالات يحددها فقه القضاء عندئذ و تصبح معلومة عند الجميع و غير قابلة لتأويل يمس من مبدإ الحصانة ذاته و مؤسسة للدفاع .
إن أي مشرع في أي بلد لإن كان محمولا عليه مراعات الحقوق الجوهرية عند صياغة القانون ، ليس محمولا عليه تحديد الحقوق و الحريات بكامل الدقة و إن يكون متيقظا لحالات ضياع هذه الحقوق لأن ذلك محمول على بقية السلط و مدى إرادتها في إنجاز المشروع الديمقراطي .
الفقرة الثالثة: الحدّ من حصانة المحامي و قانون مكافحة الإرهاب :
لقد أقر القانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في سنة 2003 لمكافحة الإرهاب بما يتنافى و مبدأ حصانة المحامي و إنجاز المحاكمة العادلة بإعتبارها حق أساسي أقره الدستور ضمن الفصل 12 من الدستور التونسي في فصله الثاني عشر فقرة ثانية " بأن كل متهم يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته في محاكمة تكفل فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه.
أ/ : الدستور و قانون مكافحة الإرهاب: علاقة تناقض .
ضمن الدستور مبدأ المساواة أمام القانون و ذلك بافتراض قرينة البراءة في حق كل متهم إلى أن تثبت إدانته في محاكمة تكفل فيها الإجراءات الضرورية للدفاع عن نفسه إذن تتمثل غير أن هذا القانون في استبعاده للاجراءات المضمنة بمجلة الاجراءات الجزائية و التي فيها ضمان للمتهم و لحق الدفاع عن نفسه في محاكمة عادلة .
ب/ في ما يتعلق بحق الدفاع و الحقوق الأساسية للمتهم :
بمقتضى الفصل 54 الذي نص على انه يعاقب بالسجن من …. و بخطية كل من أفصح عمدا عن أي معطيات من شأنها الكشف عنهم لغاية إلحاق الإذى بهم و الإضرار بمكاسبهم ، هذا العقاب يشمل المحامي بصفته يطلع على الملف حتى يتمكن من الالمام بالمعطيات و بالتالي الدفاع عن منوبه و نفهم من هذا أن النيابة في الجرائم الإرهابية هي مخاطرة في حدّ ذاتها وبالتالي نخرج عن إطار مبدأ حصانة المحامي و استقلاليته .
هنا المحامي يدخل تحت طائلة عقوبة الفصل 54 و هي عقوبة قاسية خاصة و أن قانون مكافحة الإرهاب قد استبعد القواعد الإجرائية العادية و من ضمنها قواعد الاثبات هذا و قد سن الفصل 22 : واجب اشعار فوري للسلط العمومية لا يستثني منه من كان خاضعا للسر المهني مثل المحامي . التخلي عن هذا الواجب يعاقب عليه بعقوية بالسجن من عام إلى خمسة أعوام و بخطية من ألف إلى خمسة آلاف دينار .و هو ما يمثل تناقضا صارخا و تقاليد المهنة بحيث يصبح المحامي مخبرا و تعتبر حالة من حالات الإفشاء الوجوبي للسر المهني التي لا يخضع لها المحامي.
ج/ في ما يتعلق بحياد القاضي و استقلاليته :
غير قانون مكافحة الارهاب قواعد الاختصاص الترابي بالنسبة لإثارة الدعوى العمومية إذ جعل لوكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس اختصاص مطلق (الفصل 34 و جعل من وكلاء الجمهورية المتواجدين في دوائر قضاء أخرى عبر ولايات الجمهورية لا يقومون إلاّ بالابحاث الأولية و المتأكدة على أن يضعوا المتهم و تقاريرهم و المحجوز على ذمة وكيل الجمهورية بتونس) .
كما يتمتع مأمورو الضابطة العدلية المؤهلون لمعاينة الجرائم الارهابية التابعون لدائرة المحكمة الابتدائية بتونس بصلاحية مباشرة وظائفهم بكامل تراب الجمهورية دون التقيد بقواعد الاختصاص الترابي (الفصل 132) بحيث يخلق هذا القانون نوعا من الملاحقة المتهم بالارهاب و تجميع المعلومات عند السلطة المركزية القائمة بالتتبع خاصة و أن قرينة الإدانة هي التي تفترض عند إثارة النبع في الجريمة الارهابية إذن لقد فقدت الضمانات القانونية التاي تكفل عدم المساس بالحرمة الجسدية و بالحقوق الأساسية للمظنون فيه .
*1/في ما يتعلق بالمحاكمة :
فقد أقر قانون 10 ديسمبر 2003 اختصاص مطلق للمحكمة الابتدائية بتونس للنظر في الجرائم الارهابية . "مما يجعلنا أمام محاكم استثنائية بحكم الواقع خاصة و أن هذا التخصيص قد رافقته قواعد إجرائية خاصة قد تجعل من المبرر القول بإن هذا الإجراء يعد خرقا لا حد المبادئ القانونية الهامة و هو المساواة أمام القانون "
هنا القضاة هم قضاة معينون للنظر في هذه الجريمة فهل سيحافظون على الحياد و الإنصاف و هل سيكفلون الضمانات الضرورية للمظنون فيه للدفاع عن نفسه و هو الذي يعتبر مدانا إلى تثبت براءته كيف ذلك و قد حذفت كل الضمانات التي توفرها نصوص محله الاجراءات الجزائية .
2/ جريمة مكافحة الإرهاب و المحاكمة العادلة :
لا يمكن استبعاد المحاكمة العادلة لمكافحة الارهاب ذلك لاعتقادنا بأن المضنون فيه يجب أن يمكن من كل حقوقه الأساسية و منها حقه في محاكمة عادلة .
فالجريمة الارهابية تجعل كل مؤسسات المجتمع في خطر لذلك يجب القضاء على جذور الارهاب و أسبابه و ليس على تمظهراته كل جريمة في حق الفرد أو المجتمع يجب أن تدان في إطار محاكمة عادلة تتوفر حصانة حقيقة للدفاع لأن خلاف ذلك يمس من مؤسسة الاستقلالية القضاء و الحقوق الأساسية التي ضمنها الدستور و من ضمنها الحق المقدس للإنسان في الدفاع وفي ردّ التهمة المتعلق به سواء بنفسه أو بواسطة مؤسسة المحاماة التي لا يمكن لها القيام بواجبها إلاّ مع ما يكفي من الحصانة .
إذا كان الفصل 46 قد أقر مبدأ حصانة المحامي و لكنه مستثنيا من هذه الحصانة المحامي السيء النية . هذا القانون اعتدى على مؤسسة الدفاع نفسها و ذلك بسن عقوبات تسلط على المحامي نفسه الذي بمناسبة اطلاعه على أوراق الملف أبلغ حريفه او ذكر بصفة علنية أسماء شهود أو مأمورى الظابط العدلية أو القضاة أو عائلاتهم .
قد بينا في البداية أن المحامي ينوب ليصبح شريكا في القرار فهو يقدح في الشهود و يجرح في الحكام و يطعن ببطلان الإجراءات و شرعية التدابير . فقانون مكافحة الإرهاب لا يمكن المحامي من القدح في الشهود باعتبار أن ذكر أسمائهم (يعرضهم للخطر ) و يعاقب المحامي على فعل ذلك . و المحامي لا يجرح القضاة باعتبار أن هذا القانون يمنع ضمنيا فإن القضاة معينون بصفة خاصة للنظر في هذه القضايا أما الطعن ببطلان الاجراءات و شرعية التدابير فهو أمر مستحيل ذلك أن قانون مكافحة الارهاب استعد الاجراءات العادية التي تضمن حق الدفاع وحياد القاضي
الخاتمة
ان المتتبع لتاريخ ومسيرة المحاماة التونسية التي تجاوزت القرن منذ صدور الامر المنظم لمهنة الوكلاء في ماي 1885 ثم القانون المحدث لهيئة المحامين بتونس سنة 1887 يلاحظ دون عناء ا، مسيرة المحاماة التونسية ارتبطت بالنضالات المتواصلة لأصحاب الزي الأسود من أجل الحصول على الضمانات الواقعيو والقانونية التي تمكنهم من أداء واجبهم دون الخضوع لسلطان الخوف والترهيب الذي تلجأ اليه من حين لآخر السلطة السياسية لاسكاتهم، ولئن أقر القانون الحالي المنظم للمهنة أخيرا بأن المحاماة حرة مستقلة ورتب بعض الضمانات للمحامي أثناء أداء مهمته غير أن تلك الضمانات لم ترتق الى مرتبة الحصانة التي بقيت مطلبا ملحا تتناقله مختلف أجيال المحامين التونسيين التي ترنو إلى تحقيقه ولسان حالها يردد قول المتنبي :
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تأخذ الدنيا غلابـــا
وما استعصى على قوم منال اذا الاقدام كان لهم ركابا
منتدى القانون والقضاء
مع تجيات منتديات تونيزيا كافيه
مكتبة الشؤون القنونية التونسية
http://www.tunisia-cafe.com/vb/index.php