عملاق عمالقة الألحان
رياض السنباطى
بينما كان الموسيقار محمد عبدالوهاب يغني 'ياللي شجاك الانين' في بروفة مع الفرقة الموسيقية في احد مشاهد فيلمه الاول 'الوردة البيضاء'، عام '1933' اذ دخل عليه الخادم يهمس في اذنه فتوجه الي حجرة الصالون ليستقبل سليمان بك نجيب وتأخر في العودة فقام شاب طويل القامة كان يعزف علي العود وقال خمس كلمات لا غير 'وبعدين يا جماعة الاستاذ غاب قوي' ولم يكن هذا الفارع الطويل سوي معجزة الموسيقي الشرقية العبقري رياض السنباطي.
ولد محمد رياض ابن محمد السنباطي الكبير يوم الجمعة 30 نوفمبر عام 1906 بمدينة فارسكور التي كانت تابعة لمديرية الدقهلية واخذ عن والده عشق الطرب وبراعة العزف علي العود وكان يصحبه الي مدينة المنصورة والتحق بكتاب الشيخ علي مرسي وحفظ القرآن الكريم واتقن اصول التجويد.
وفي سن التاسعة اصيب بمرض عصبي في عينيه وكان علاجه الوحيد التجوال في الاقاليم لتغيير الجو والمناظر، وقام الاب بتعليمه كل ما يعرفه من الادوار والموشحات القديمة بانغامها ومقاماتها البديعة وايقاعاتها واوزانها المختلفة وقد بدأ رياض بالعزف علي آلة القانون ثم درس العود علي يد استاذه محمد شعبان، وكان رياض مبهورا بزعيم المدرسة الغنائية التعبيرية الشيخ سيد درويش!
***
حضر رياض الي القاهرة عام 1927 والتحق بمعهد الموسيقي العربية الذي اسسه مصطفي بك رضا وقد تأثر بالموسيقار الكبير محمد القصبجي في العزف علي العود ولما اختبرته اللجنة وسمعوا عزفه علي العود وصوته وهو يغني قررت اللجنة تعيينة مدرسا بالمعهد ليعلم الطلبة العزف علي العود وكانت اول اغنية يغنيها بصوته:
'ناح الحمام والقمري علي الغصون' وقدم انتاجه بمحطات الاذاعات الاهلية واحتكرت شركة الاسطوانات اوديون ألحانه وكانت اول اغنية لحنها وهي:
'يا مشرق البسمات اضيء ظلام حياتي. .طر في سمائي ورتل سواحر النغمات' كلمات الشاعر علي محمود طه!!
ثم لحن لاحمد عبدالقادر 'امتي نعود لك يا نبي' وكان السنباطي السبب الرئيسي في شهرة المطرب الاصيل عبدالغني السيد فقد لحن له كثيرا من الاغنيات خاصة التي كتبها الشاعر حسين حلمي المانسترلي واهمها 'نسيتي حبي بعد اللي كان صحيح يا دنيا ما لكيش امان'.
ولما افتتحت الاذاعة المصرية الحكومية في يوم الخميس 31 مايو 1934 كان السنباطي من فرسانها الاوائل وكان اللقاء الاهم في حياته مع كوكب الشرق ام كلثوم الذي يعتبر نقطة التحول في حياته كموسيقار كبير وهو اللقاء الذي اثمر عشرات الاغاني والقصائد الرائعة التي تعتبر جوهرة التاج علي رأس سيدة الغناء العربي وظلا معا لاكثر من اربعين عاما يقدمان اعظم انتاج في دنيا الطرب خلال القرن العشرين!!
وكانت باكورة اعمالهما اغنية 'النوم يداعب عيون حبيبي' كلمات شاعر الشباب احمد رامي الذي كون مع ثومة والسنباطي اعظم ثلاثي فني ظهر في تاريخ الغناء العربي كله.
كان السنباطي اعظم من لحن القصيدة خاصة الدينية ومنها 'ولد الهدي; نهج البردة; سلوا قلبي; الي عرفات الله; حديث الروح; عرفت الهوي; الثلاثية المقدسة' وقد اتسمت قصائده الدينية بالخشوع واللجوء الي الله سبحانه وتعالي حتي التي كانت بصوته مثل 'رب سبحانك، وإله الكون'.
اما القصائد الحماسية والوطنية فقد كانت شامخة شموخ السنباطي نفسه ومنها 'مصر تتحدث عن نفسها; صوت الوطن; اذكروه خلدوه; مصر; بين عهدين; الجلاء' الي جانب القصائد العاطفية التي تتسم بالسمو وروعة اللحن مثل 'قصة حبي; قصة الامس; من اجل عينيك; سلوا كئوس الطلا'، واعظم اغاني القرن العشرين 'الاطلال'.
وفي مجال المناسبات السعيدة قدم اشهر اغنية نستقبل بها العيد 'يا ليلة العيد انستينا' لام كلثوم والتي قدمها مرتين مرة للاذاعة ومرة في فيلم 'دنانير' وبمناسبة الحج قدم اشهر اغنية للحجاج 'يارايحين للنبي الغالي' للفنانة ليلي مراد في فيلم 'بنت الاكابر'!!
***
وقد ألف السنباطي الكثير من الموسيقي الآلية البحتة واهمها 'لونجا رياض; رقصة شنغهاي; زهور الربيع' كما اشتهر باعظم المقدمات الموسيقية لبدائع وروائع اغاني ام كلثوم مثل 'قصيدة النيل; ثورة الشك; جددت حبك ليه; حيرت قلبي معاك; هجرتك; يا ظالمني; دليلي احتار'.
وقد ظهر السنباطي في السينما مرة واحدة كبطل لفيلم 'حبيب قلبي' انتاج واخراج حلمي رفلة وقاسمته البطولة المطربة الكبيرة هدي سلطان بعد ان قام بالتلحين لها في اول افلامها 'ست الحسن' عام 1950 وعرض فيلم 'حبيب قلبي' يوم 3 نوفمبر 1952 بسينما ستوديو مصر بعماد الدين بالقاهرة وقام السنباطي بدور انساني يناسب شخصيته وشموخه فقد ضحي بحبيبة قلبه ناهد 'هدي سلطان' من اجل صديقه فتحي 'محسن سرحان' ولكن القدر يجمع بينه وبين ملهمته مرة اخري وقدم في الفيلم عدة اغاني من أروع ألحانه 'علي عودي; فاضل يومين' بصوته وديالوجات مع هدي سلطان 'عندي سؤال; اشمعني يا ناس; بتبكي ليه يا نغم' وبعد ذلك لحن لهدي سلطان اشهر اغانيها 'ان كنت ناسي افكرك'.
***
حصل السنباطي علي كثير من الاوسمة والشهادات التقديرية ومنحه الرئيس السادات الدكتوراة الفخرية وشهادة اليونسكو كأحسن موسيقار في العالم خدم موسيقي بلده وفي يوم الاربعاء 9 سبتمبر 1981 لبي رياض السنباطي نداء ربه بعد ان اثري الغناء العربي والموسيقي الشرقية بألحان اصيلة شامخة رائعة علي مدي اكثر من نصف قرن وترك تراثا فنيا راقيا كتب له الخلود الي الابد!!
أمنيه خاصه بى : أن يفرج ورثه السنباطى عن ثلاثه أعمال فنيه لحنها لجاره القمر السيده العظيمه فيروز ولم تذاع لأنها تسجيلات تمت أثناء البروفات بصوته وهو يلقنها ثم تردد هى بعده . ويقال أن خلافا فنيا كان وراء عدم ظهور تعاون هذا الثنائى المبهر للأسف .
وأنا أقول : أن الخاسر هنا هو المستمع . لكن كل شىء نصيب.
تحياتى لحضراتكم.