صديق الجميع في تونس والعالم العربي
03-15-2010, 01:24 PM
بحث جاهز حول لنظرية النسبية لاينشتاين
الأبعاد الأربعة الزمانية والمكانية
نحتاج قبل الدخول إلى مفاهيم النظرية النسبية تعريف مفهوم الابعاد المكانية والزمنية حيث أن كثيرا ما تعرف النظرية النسبية على انها نظرية البعد الرابع. فما هي هذا الأبعاد الاربعة وكيف نستخدمها ولماذا اينشتين العالم الأول الذي اكد على ضرورة استخدام البعد الرابع (الزمن) بالاضافة إلى الابعاد الثلاثة التي اعتمد عليها جميع العلماء من قبله...
تطور مفهوم الابعاد مع تطور الانسان ونقصد هنا تطوره في الحياة ففي الزمن الأول كان الانسان يتعامل مع بعد واحد في حياته هذا جاء من احتياجه للبحث عن طعامه فكان يستخدم رمحه لاصطياد فريسته وبالتالي كان يقذف رمحه في اتجاه الفريسة حيث ينطلق الرمح في خط مستقيم وحركة الرمح هنا تكون في بعد واحد وسنرمز له بالرمز x. ومن ثم احتاج الانسان ليزرع الارض وبالتالي احتاج إلى التعامل مع مساحة من الأرض تحدد بالطول والعرض وهذا يعد استخدام بعدين هما x و y لأنه بدونهما لايستطيع تقدير مساحة الأرض المزروعة. وعندما احتاج الانسان للبناء أخذ يفكر ويحسب في البعد الثالث وهو الارتفاع. وهذه هي الابعاد الثلاثة x,y,z والتي كانت الاساس في حسابات الانسان الهندسية، وحتى مطلع القرن العشرين اعتبرها الانسان كافية لحل كل المسائل التي تقابله على سطح الكرة الأرضية. وحتى يومنا هذا نعتمد على الابعاد الثلاثة في تنقلاتنا وسفرنا وحساباتنا.
آينشتين هو العالم الوحيد الذي فكر في البعد الرابع (الزمن) وقال ان الكون الذي نعيشه ذو أربعة ابعاد وهي الطول والعرض والارتفاع والزمن. وادخل البعد الرابع في جميع حساباته. يستطيع الانسان تخيل البعد الواحد والبعدين ويمكن رسمهما ولكن البعد الثالث يحتاج منه إلى قدرات تخيلية إضافية ولكن من الصعب التفكير والتخيل بالابعاد الاربعة معا وخصوصا أن البعد الرابع وهو الزمن لايمكن رؤيته ولكننا نعيشه وندركه كمسلمة من مسلمات الوجود. فإذا اعتبرنا أن هندسة الكون تعتمد على اربعة ابعاد فإن حساباتها ستكون غاية في التعقيد ونتائجها غير متوقعة وهذا مافعله آينشتين في نظريته النسبية.
تمهيد
ان المقاييس من مساحات وحجوم وكتل وتحديد المكان والزمان والسرعة هي مقاييس معروفة في نظر الفيزياء الكلاسيكية (فيزياء جاليلو ونيوتن) فكلنا نقيس المسافات والزمن بنفس الطريقة والكيفية ولا يختلف في ذلك اثنان اذا كانت مقايسهما معايرة بدقة وهذا يعني أننا سلمنا بأن هذه المقاييس مطلقة ولكن هذا يخالف النظرية النسبية التي تقوم على أنه لا وجود لشيء مطلق في كل هذه الاشياء أنما هي نسبية، فالدقيقة (60 ثانية) التي نقيسها بساعاتنا يمكن ان يقيسها آخر على انها أقل من دقيقة أو أكثر، وكذلك المتر العياري طوله متر بالنسبة للشخص الذي يحمله ولكن بانسبة لآخر يتحرك بسرعة كبيرة بالنسبة لذلك الشخص يجد المتر 80 سنتمتر وكلما زادت سرعته كلما قل طول المتر ليصبح طول المتر صفر اذا تحرك الشخص بسرعة الضوء (سنجد انه من الاستحالة الوصول لسرعة الضوء) وهذا لا يعود لخطأ في القياسات بين الشخصين أو خلل في آلات الرصد التي يستخدمونها فكل منهما يكون صحيحا ولكن بالنسبة له. ولهذا سميت بالنظرية النسبية والكثير من الأمور المسلم بها في حياتنا والتي نعتبرها مطلقة تصبح نسبية في عالم النسبية.
بمفهوم اينشتين والتعامل مع الزمن على أنه بعد من الأبعاد يصبح كل شيء نسبياً فمثلاً نعرف أن الكتلة هي كمية المادة الموجودة في حجم معين مثل كتلة الماء في حجم سنتيمتر مكعب هي واحد جرام وكتلة الماء هذه ثابتة ولكن وزنها هو الذي يتغير تغيرا طفيفا نتيجة لتأثير الجاذبية عليها فيقل الوزن قليلا في المرتفعات ويزيد في المنخفضات نتيجة لتغير تأثير الجاذبية حسب بعدنا او قربنا من مركز الارض وهذا التغير يكون في حدود جرام واحد فقط، ولكن آينشتين يبين أن الكتلة تتخلى عن تأثير الجاذبية وتتغير في حدود أكبر بكثير قد تصل إلى الالاف ولا علاقة لتغير الكتلة بالجاذبية. إن ثبوت المقاييس والابعاد عند آينشتين في الكون لا وجود له حسب نظريته النسبية.
لتفصيل الموضوع اكثر سوف نقوم بشرح اوسع لمفهوم المكان في النسبية ومن ثم شرح مفهوم الزمن في النسبية.
المكان في النسبية
اذا سألت نفسك عزيزي القارئ في هذه اللحظة هل أنت ثابت أم متحرك، فستنظر حولك بكل تأكيد وتقول أنا لست متحرك فأنا ثابت امام جهاز الكمبيوتر وعلى الارض وهذا صحيح فأنت ثابت بالنسبة للكمبيوتر والارض (أي الكرة الارضية) ولكن هذا ليس صحيح بالنسبة للكون فأنت والكمبيوتر والارض التي تقف عليها تتحركون وهذه الحركة عبارة عن مجموعة من الحركات منها حركة الارض حول نفسها وحركة الارض حول الشمس وهناك حركة للشمس والارض داخل مجرة درب التبانة ومجرة درب التبانة تتحرك بالنسبة إلى الكون.. إذا عندما اعتقدت انك ثابت فهذا بالنسبة للاشياء حولك ولكن بالنسبة للكون فكل شيء متحرك. وخذ على سبيل المثال هذه الارقام .
سرعة دوران الأرض حول نفسها ربع ميل في الثانية وسرعة دوران الارض حول الشمس 18 ميل في الثانية والشمس والكواكب تسير بالنسبة لجيرانها النجوم بسرعة 120 ميل في الثانية ومجرة درب التبانة منطلقة في الفضاء بسرعة تصل إلى 40000 ميل في الثانية. تخيل الان كم هي سرعتك وعدد الحركات التي تتحركها بالنسبة للكون. وقدر المسافة التي قطعتها منذ بدء قراءة هذه الحلقة حتى الان.
لا احد يستطيع ان يحدد هل مجرة درب التبانة هي التي تبتعد عن المجرات الاخرى بسرعة 40000 ميل في الثانية أم ان المجرات هي التي تبتعد عنا بهذه السرعة. فعلى سبيل المثال اذا اراد شخص ان يصف لنا سفره من مطار بيروت إلى مطار دبي الدولي فإنه يقول غادرت الطائرة مطار بيروت في الساعة الثالثة ظهرا واتجهت شرقا لتهبط في مطار دبي الدولي الساعة السادسة مساءً.. ولكن لشخص اخر في مكان ما في الكون يرى ان الطائرة ارتفعت عن سطح الارض في بيروت واخذت تتباطأ حتى وصلت مطار دبي لتهبط فيه. أو ان الطائرة ومطار دبي تحركا في اتجاهات مختلفة ليلتقيا في نقطة الهبوط.. وهنا يكون من المستحيل في الكون الواسع تحديد من الذي تحرك الطائرة ام المطار.
كذلك يجب أن نؤكد ان الاتجاهات الاربعة شمال وجنوب وشرق وغرب والكلمات فوق وتحت ويمين وشمال هي اصطلاحات لا وجود لها في الكون فلا يوجد تحت أو فوق ولاشمال أو جنوب.
ان التعامل بهذه المفاهيم الجديدة والنظرة الشاملة للكون بلاشك امر محير ولاسيما اذا ادخلنا البعد الرابع في حساباتنا فكل شيء يصبح نسبي.
مما سبق تبين أن نسبية المكان تخالف كل ما هو مألوف لنا وقد يتسائل القارئ ما أهمية ذلك بالنسبة لنا ونحن نعيش على سطح الأرض وامورنا كلها مضبوطة على نسق واحد؟ ولماذا هذا الخلط بين ما يحدث على الأرض والكون؟ وما فائدة النسبية لنا كل هذه الاسئلة سيأتي الاجابة عليها من خلال هذه الحلقات المتتابعة عن النظرية النسبية ولكن قبل ذلك يجب الخوض في نسبية الزمان وهذا سيوضح لنا أن مفهوم الماضي والحاضر والمستقبل هي من الأمور النسيبة أيضا
الزمان في النسبية
لم يكتف آينشتين بأن أثبت أن المكان نسبي ولكن عمم نسبية المكان على الزمان (البعد الرابع) حيث أنه قال طالما أننا نعيش في عالم ذو أربعة ابعاد ووجد أن الأبعاد المكانية الثلاثة التي تحدد ب x,y,z هي نسبية لا بد وان يكون الزمان (البعد الرابع) نسبياً أيضا هذا هو أينشتين الذي يفكر ويضع النظريات ويحلل النتائج في عقله ويخرج للناس بمفاهيم جديدة لم يستطيع احد ان ينفيها ولا ان يبطلها ولا ان يصدقها ولكن كانت نسبية المكان والزمان منذ ذلك الوقت وحتي يومنا هذا تبرهن على صحتها من خلال تفسيرها للعديد من الظواهر الفيزيائية التي حيرت العلماء ولم يكن امامهم الا تطبيق نظرية اينشتين ليجدوها تفسر تلك الظواهر وسيأتي شرح تفصيلي لهذه الظواهر.
اعتبر العلماء ومن بينهم العالم نيوتن أن الزمن مطلق ويجري بالتساوي دون أية علاقة بأي مؤثر خارجي. ولكن اينشتين لم يتقيد بما سبقه من العلماء وفكر بالأمر من وجهة نظر مختلفة تشمل الكون الفسيح كيف ذلك؟
تعودنا نحن سكان الكرة الأرضية على تقدير الزمن من خلال اليوم واجزائه (الساعة والدقيقة والثانية) ومضاعفاته (الاسبوع والشهر والسنة والقرن) ويومنا هو مقدار الزمن اللازم للأرض لتدور حول نفسها دورة كاملة والسنة هي مقدار الزمن اللازم للأرض لاكمال دورة كاملة حول الشمس وتساوي 365 يوم وربع اليوم. ولكن ماذا عن اليوم والسنة على كوكب عطارد أو كوكب بلوتو لا شك أن ذلك سيكون مختلف بالنسبة لمقايسنا فالسنة على كوكب عطارد ثلاثة أشهر من الوقت الذي نقيسه على الأرض بينما السنة على كوكب بلوتو فهي اكبر من ذلك بكثير وتساوي 248 سنة من سنوات الأرض.. الأمر عند هذا الحد معقول ولكن ماذا عن المجرات الأخرى كيف تقدر اليوم والسنة عندها؟ وهل يمكن استخدام الازمنة الأرضية كمقياس للزمن على ارجاء هذا الكون الفسيح؟ وتجدر الاشارة هنا إلى أن مصطلح فسيح لا يعبر عن مدى كبر حجم هذا الكون ...لنرى معا المقصود بكلمة فسيح.
مما سبق تبين أن هذا الكون يحتاج إلى طريقة جديدة لتقدير المسافات بين مجراته ونجومه لأن استخدام وحدة المتر أو الميل ستقودنا إلى ارقام كبيرة جدا لا يمكن تخيلها ولهذا فإن العلماء يستخدمون سرعة الضوء لقياس المسافة حيث أن سرعة الضوء 300 ألف كيلومتر في الثانية (الضوء يدور حول الأرض 7 مرات في الثانية أي عندما تقول كلمة واحدة يكون الضوء قد لف حول الارض سبع مرات) واذا حسبنا المسافة التي يقطعها الضوء في السنة نجد انها مسافة كبيرة جدا (الارقام الفلكية) فمثلا نعلم أن اشعة الشمس تصلنا خلال ثمانية دقائق وبهذا يكون بعد الشمس عنا ثماني دقائق ضوئية وهنا استخدمنا وحدة الزمن لقياس المسافة.
مثال اخر على اقرب نجم إلى المجموعة الشمسية يسمى الفا قنطورس يبعد عنا اربعة سنوات ضوئية والنجوم البعيدة في مجرتنا تبعد عنا الاف السنوات الضوئية ويقدر قطر درب التبانة ب 80 الف سنة ضوئية (تخيل ان الضوء الذي يصدر عند احد اطرافها يصل إلى الطرف الآخر بعد ثمانين الف سنة) كل هذا في مجرتنا وبعض التلسكوبات رصدت مجرات تبعد عشرة الف مليون سنة ضوئية ذلك يعني أنه اذا وقع حدث ما في طرف الكون فإنه لا يصل إلى الطرف الاخر قبل مرور عشرة الاف مليون سنة! وسنعلم ايضا أن الكون لا زال يتمدد وبسرعات هائلة.
الارقام والابعاد الفلكية السابقة ضرورية لشرح الموضوع التالي والذي من خلاله سنوضح مفهوم نسبية الزمن لدى آينشتين.
افترض انك في غرفة مظلمة تماماً وتحرك جسم من مكان إلى مكان آخر في هذه الغرفة فإنك لا تعلم بذلك (على افتراض انك لا تعتمد على حاسة السمع) ولكن في وجود الضوء فإن انتقال الجسم او حركته ترصدها من خلال انعكاس الضوء من على الجسم المتحرك إلى العين. الضوء هو الوسيلة الوحيدة التي نعلم من خلالها حدوث حدث ما في الكون وهو اسرع وسيلة لنقل المعلومات بين النجوم والمجرات فحدث ما على الشمس نعلم به على الارض بعد ثمانية دقائق من وقوعه، وانفجار نجم الفا قنطورس يصلنا خبره بعد اربعة سنوات لان الضوء القادم منه سيصل الارض بعد اربعة سنوات وكذلك النجوم التي نراها في الليل قد لا تكون موجودة الان ولكننا نرى الضوء الذي صدر عنها منذ سنوات او الاف السنوات حسب بعدها عنا أما التي تبعد عنا الف مليون سنة ضوئية فإن ضوءها الذي يصلنا الآن يعطينا معلومات عنها قبل ظهور الحياة على الارض! هذا يقودنا إلى أن كلمة الآن لا وجود لها إلا على الأرض هذا كله يدركه الناس ولا غرابة فيه لأننا نعلم كم هذا الكون واسع وفسيح.. لم تقف النظرية النسبية عند هذا الحديث فقط بل تعدته إلى القول أن الزمن نفسه لا يجري في الكون بشكل متساوي بل يقصر ويطول حسب سرعتنا ومكاننا بالنسبة للحدث.
وليس المقصود هنا ان ذلك مجرد شعورنا بان الزمن يمر ببطء أو أنه يمر بسرعة حسب مشاعرنا بالسعادة أو التعاسة عندما نقوم بعمل ما. فنسبية الزمن لا تعتمد على شعورنا ومزاجيتنا انما المقصود في النظرية النسبية أن الساعة الزمنية التي تدل على فترة معينة من الزمن هي التي تطول أو تقصر حسب السرعة والمكان.
لتوضيح هذا الفكرة نفرض ان شخصين لديهما ساعات متماثلة تم ضبطهما بدقة، احد الشخصين قرر البقاء على الارض والشخص الآخر سافر في مركبة فضائية تسير بسرعة كبيرة، فإذا وفرت للشخص الارضي مرصدا يراقب من خلاله ساعة الشخص الفضائي فإنه كلما زادت سرعة الشخص الفضائي كلما تباطئت حركة عقارب ساعته بالنسبة للشخص الأرضي واذا ما وصلت سرعة المركبة الفضائية إلى سرعة الضوء فإن الشخص الارضي سوف يجد ان عقارب ساعة الشخص الفضائي توقفت عن الحركة أي أن الزمن توقف واصبح صفراً (لا يمكن الوصول بسرعة جسم إلى سرعة الضوء وسنعرف ذلك قريباً) وهذا التباطئ في ساعة الفضائي ليس بسبب خلل في الساعة انما نتيجة لسرعته..
إن الامر لا يقف عند هذا الحد في النظرية النسبية لأن ذلك انعكس على مفهومنا للماضي والحاضر والمستقبل فمثلا انفجار نجم ما قد يكون ماضي بالنسبة لشخص في هذا الكون ويكون حاضر لشخص آخر في مكان اخر وقد يكون مستقبلا بالنسبة لشخص ثالث في مكان ثالث. وهذا بسبب تباطئ الزمن. حسب سرعة كل شخص بالنسبة للحدث ومكانه. ولها لا معني للماضي والحاضر والمستقبل إلا على الارض لان الشريط الزمني المعروف لنا يتباطئ بدرجة معينة في مكان معين في الكون ويتباطئ بدرجة مختلفة في مكان آخر وهكذا.
وهنا أود ان اوضح أننا نعيش الزمن من خلال تقسيمه إلى ماضي وحاضر ومستقبل وكلنا يستطيع ان يسبح بخياله في احداث الماضي ويعيش اللحظات الحاضرة بحلوها ومرها ولكن المستقبل فلا قدرة لنا عليه وعلى توقع ماذا سيحدث فيه وذلك لاننا كمخلوقات لله سبحانه وتعالي حجب عنا احداث المستقبل (كما حجب عنا رؤية الاشعة تحت الحمراء والفوق بنفسجية وحجب عن سمعنا ترددات معينا يمكن لمخلوقات اخرى سماعها لاننا بشر محدودين لكوننا مخلوقات) أما الله سبحانه وتعالى فالازمنة والاحداث عنده كالكتاب المفتوح. الله يعلم بالماضي والحاضر والمستقبل فهو يعلم ماذا فعلنا وماذا نفعل وماذا سنفعل في أي وقت وفي اي لحظة.
كل ماذكر في نسبية المكان ونسبية الزمان هو توضيح لمفاهيم وضعها آينشتين لتكون تمهيدا للدخول إلى النظرية النسبية وفهم مضمونها وعندها ستكون الصورة اوضح.
بعد أن تكلمنا عن نسبية المكان ونسبية الزمان اصبحنا اقرب ما يكون لفرضيات النظرية النسبية ولكن من الضروري المرور عبر الملابسات التي سبقت ظهور النظرية النسبية وتوضيح التخبط الذي احاط بالعلماء الفيزيائين عند عجزهم عن الوصول إلى تفسير مقنع للتجارب التي اعتمدت على الضوء .
سرعة الضوء
ذكرنا سابقاً أن سرعة الضوء تبلغ 300 ألف كيلو متر في الثانية الواحدة وهذا يعني أنه يمكن للشعاع الضوئي أن يدور سبع مرات حول الكرة الأرضية في الثانية ولذلك لا نستغرب حين نشاهد في احدى المحطات الفضائية برنامجاً تلفزيونيا ويشاهده في نفس اللحظة اناس اخرون على الطرف الثاني من الكرة الارضية لأن الاشارات اللفزيونية تنتقل بسرعة الضوء (لانها اشعة كهرومغناطيسية مثل الضوء). وبالطبع نحن نسمع صوت الرعد بعد لحظات من رؤية ضوء البرق أو نرى ضوء انفجار قذيفة قبل لحظات من سماع صوتها وهذا يعود إلى الاختلاف الكبير بين سرعة الضوء وسرعة الصوت (تبلغ سرعة الصوت 330 متر في الثانية).
أجرى العلماء العديد من التجارب لقياس سرعة الضوء ووصلوا إلى القيمة التي ذكرناه سابقاً (300 ألف كيلومتر في الثانية) وهذه السرعة الكبيرة للضوء استخدمت في تقدير المسافات الفلكية بين النجوم والمجرات لأنه لا يمكن بأي حال من الاحوال الاعتماد على وحدة المتر ومضاعفاته، ولذلك اذا قرأت في كتب الفلك ستجد ان وحدة قياس المسافة هي السنة الضوئية وهي المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة والتي تساوي 9460000000000 كيلومتر. لاحظ هنا أن السنة الضوئية هي وحدة زمن ولكن استخدمت لتقدير المسافة أي أن الزمن بعد يضاف إلى الابعاد الثلاثة x,y,z ولهذا سمي بالبعد الرابع.
الأثير
نعلم أن الصوت ينتقل من خلال موجات اهتزازية تحدث اضطراب في الهواء وبهذا فإن الصوت ينتقل خلال وسط الهواء كما أن الامواج التي يحدثها حجر اسقط في بركة ماء فإن الاضطراب الذي احدثه الحجر ينتقل في صورة امواج اهتزازية خلال جزيئات الماء.الآن ماذا عن الضوء؟ وما هو الوسط الذي ينقله؟ وما هو ذلك الشيئ المكون لأمواج الضوء؟.. هذه اسئلة حيرت العلماء وقادتهم افكارهم إلى افتراض وسط سموه الاثير يملء فراغ الكون وقد اعطى العلماء خصائص للاثير بما يناسب تجاربهم، فالاثير له من الخصائص الكثير فمثلا الاثير يخترق جميع الاجسام والنجوم والكواكب التي تسبح فيه.
الاثير ينسحب خلف الاجسام الصلبة وازدادت خصائص الأثير مع كل تجربة لا تتفق نتائجها العملية مع المتوقع من الاثير. بذلك اعتبر العلماء الاثير هو الشيء الثابت والمطلق الذي ينقل الضوء من خلاله وان كل جسم متحرك فهو متحرك بالنسبة للأثير (حتى الضوء) أي أن سرعة الأرض مثلا هي سرعتها بالنسبة للأثير وسرعة الضوء هي سرعته بالنسبة للأثير.
لكن آينشتين جاء وهو في الخامسة والعشرين كي يثبت خطأ نظرية الأثير وليبني أسس جديدة للفيزياء سماها النظرية النسبية .
الآن يمكن الشروع في استعراض مفاهيم النظرية النسبية التي وضعها العالم آينشتين في عام 1904 وسماها النظرية النسبية الخاصة وفي العام 1916 نشر آينشتين نظريته النسبية العامة وهنا يجب أن نوضح أن كلا النظريتين هما نظرية واحدة ولكن النظرية النسبية الخاصة تتعامل مع الأجسام المتحركة بسرعة منتظمة (بدون عجلة)، والنظرية النسبية العامة تعالج حركة الاجسام المتسارعة وهي تشمل حركة كافة مكونات الكون من نجوم ومجرات لانها تتحرك في مسارات دائرية وهذا يعني أن تلك الأجسام لها عجلة تغير من اتجاه مسارها.. ولهذا فإن النظرية النسبية العامة أشمل وأعم وسنتعرض لها بشيء من التفصيل بعد استعراض النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية الخاصة
بهذه النظرية غير آينشتين مفاهيم النظرية الكلاسيكية ليأتي بمفاهيم غاية في الغرابة لم يكن احد من العلماء قد فكر بها وفتح بذلك الابواب للعلماء لعصر جديد من العلوم الفيزيائية سميت بالعصر الذري وهو الذي نعيشه الآن. فسرت النظرية النسبية العديد من الظواهر الطبيعية في الكون وشكلت قاعدة صلبة راسخة متماسكة.. وحتى يومنا هذا لازالت التجارب المختلفة التي يجريها العلماء تثبت صحة النظرية النسبية. إن النظرية النسبية غيرت مفاهيم كل شيء فخلطت المكان والزمان ووجعلت من المطلق نسبي والمستقيم محدب كما كان لها نتائج فلسفية عديدة ولكن سنحاول التركيز على الأمور العلمية.
فروض النظرية النسبية
قلنا في موضع سابق أن آينشتين استخدم عقله وتفكيره بشكل شمولي للكون وامعن التفكير والتأمل ليبني الفرضيات ويجري التحليلات الرياضية بشكل مجرد ويظهرها للعلماء لتطبيقها وهكذا هو الحال بالنسبة للنظرية النسبية حيث وضع آينشتين فرضيتين لتكون اساساً للنظرية النسبية وطلب من الكل باعتبارها من المسلمات أو البديهيات وهذا ما جعل العلماء رفض الاقتناع بصحة تلك النظرية ولكن هذه النظرية اوجدت تفسيرات وقوانين للعديد من الظواهر الكونية وفي كل مرة عقدت تجربة لابطال صحة النظرية النسبية كانت النتائج تؤكد صحتها وتعطي دليلا جديدا على دقتها وشموليتها..
فروض النظرية النسبية هما فرضيتان الأولى متعلقة بالأثير والفرضية الثانية متعلقة بالضوء:
الفرضية الأولى تنفي وجود الأثير لأن حسب نسبية آينشتين لا يوجد مطلق يمكن اسناد كل شيئ إليه مثل ما فعل العلماء بفرضية الأثير.
الفرضية الثانية تقول أن سرعة الضوء في الفراغ ثابتة ولا تعتمد على سرعة المشاهد.
شرح الفرضية الأولى
توضح الفرضية الأولى للنظرية النسبية أن لا وجود للأثير وكان هذا مخالف لكافة العلماء ذلك الوقت... وبفرضية أن الأثير غير موجود فأن المكان المطلق لا وجود له ولا يوجد إلا المكان النسبي والسرعة النسبية. ويوضح اينشتين ذلك بمثال مركبتين فضائيتين في الكون فلا يستطيع رواد المركبة الأولى من تحديد سرعة مركبتهم إلا بمقارنتها بالنسبة للأجرام المتناثرة حولها أو بالنسبة للمركبة الثانية إذا مرت بالجوار وكذلك الحال بالنسبة للمركبة الثانية وأي شخص يحاول ايجاد سرعة المركبة فإنه سيجدها بالنسبة لسرعة أخرى. وحيث أن كل شيء في الكون يتحرك حركة دائمة ومعقدة فإن أي سرعة تحدد على اساس مقارنتها بسرعة اخرى.
مثال: اذا كنت في سفينة فضائية تسير بسرعة 10 ألاف كيلومتر في الساعة بالنسبة للأرض ولاحظت ان سفينة أخرى تقترب منك وتجاوزت سفينتك فإن اجهزة الرصد لديك سوف تقدر سرعة السفينة التي مرت بقربك على انها 2000 كيلو متر في الساعة وبما أن سرعتك بالنسبة للأرض معروفة (10 ألاف كيلومتر في الساعة) فإن سرعة السفينة الفضائية الاخرى بالنسبة للأرض ستكون 12 الف كيلو متر في الساعة.
لاحظ هنا اننا ارجعنا قياساتنا للسرعات بالنسبة للأرض فما بالك لو أننا اصبحنا لا نرى الارض في هذا الكون الفسيح وان السرعة التى انطلقنا بها تغيرت فكل ما نستطيع قوله هو أن سرعة السفينة الأخرى هو 2000 كيلو متر في الساعة. ولكن هذا الرقم يعبر عن احتمالات عديدة كأن تكون أنت واقف والسفينة مرت عنك بسرعة 2000 كيلو متر في الساعة أو أن تكون أنت متحرك بسرعة 1000 كيلو متر في الساعة وهي بسرعة 3000 كيلو متر في الساعة أو أن تكون تلك السفينة واقفة وانت متحرك في اتجاه الارض بسرعة 2000 كيلو متر في الساعة وهكذا . وهذا يعني أنك بحاجة إلى شيء ثابت ليرشدك على من هو المتحرك وكم هي سرعتك واتجاهك ولهذا اسند العلماء كل ذلك إلى الاثير ليهربوا من حقيقة النسبية.. ولكن آينشتين لم يهرب من الاعتراف بأن الأثير وهم واقر بأن كل حركة نسبية.
ماذا عن السرعة على الأرض؟ اذكر هنا ما قاله العالم نيوتن بأننا لا نعرف سفينة تتحرك في البحر أم واقفة بأي اختبار نجريه داخل السفينة ويجب علينا أن نلجأ لاختبارات تصلنا بخارج السفينة. كأن نراقب من على سطحها حركة الماء أو حركة الجبال لنحدد ما إذا كانت متحركة أم ثابتة أو هل هي تقترب من الشاطئ أم تبتعد عنه.
كما اننا عندما نقول أن سرعة السيارة 100 كيلو متر في الساعة فهذا يكون بالنسبة للأرض فإذا لم نجد ما الشيء الذي نقيس بالنسبة له فحديثنا عن السرعة لا معنى له كما لا يمكننا باستخدام كل وسائل التكنولوجيا معرفة ما اذا كنا نتحرك او لا.. لأن كل حركة نسبية ولا يمكن ان نتكلم عن حركة مطلقة.
شرح الفرضية الثانية
لم يكن من الصعب فهم المقصود بالفرضية الأولى للنظرية النسبية بالرغم من صعوبة قبول هذه الفرضية من قبل العلماء في ذلك الوقت لأن العديد من الظواهر التي قابلت العلماء فسرت على اساس وجود الأثير ونسب كل شيء إليه، ولهذا كان من الصعب الاعتراف بفشل فرضية الأثير وهدم كل استنتاجاتهم، فحاول الكثير من العلماء اثبات خطأ النظرية النسبية. أما الفرضية الثانية والمتعلقة بثبات سرعة الضوء ثابتة في الفراغ مهما تغير مكان المشاهد او الراصد لسرعة الضوء.
لتوضيح الجملة الأخير سوف نضرب مثالين من واقع الحياة اليومية.
مثال (1)
عندما نكون في سيارة سرعتها 100 كم/ساعة فإننا نرى الاجسام الثابتة وكأنها هي التي تتحرك بنفس السرعة وفي الاتجاه المعاكس. ولكن عندما تأتي سيارة من الاتجاه المعاكس تسير بسرعة 100 كم/ساعة فإن سرعتها بالنسبة لنا تكون 200 كم/ساعة (لا حظ هنا اننا جمعنا السرعتين في حالة اقتراب السيارة منا)، وإذا تجاوزنا سيارة سرعتها 80 كم/ساعة نقيس سرعتنا بالنسبة لهذه السيارة على أنها 20 كم/ساعة (لاحظ هنا أننا طرحنا السرعتين في حالة ابتعادنا عن السيارة الاخرى). وإذا كانت السيارة الأخرى تسير بنفس سرعة سيارتنا فإننا نقيس سرعة تلك السيارة بالنسبة لنا على انها صفر أي انها ثابتة بالنسبة لنا.
مثال (2)
لنفرض سيارة تسير بسرعة 100 كم/ساعة وقام شخص باطلاق رصاصة من مسدس في اتجاه حركة السيارة علماً بأن سرعة الرصاصة بالنسبة للمسدس هي 1000 كم/ساعة ثم استدار نفس الشخص وأطلق رصاصة أخرى في اتجاه معاكس لحركة السيارة.
فإذا ما قام شخص على الطريق وقاس سرعة الرصاصة في الحالة الأولى سيجد أنها 1100 كم/ساعة وفي الحالة الثانية سيجد سرعة الرصاصة 900كم/ساعة. وهذا يعود إلى أن سرعة السيارة تجمع مع سرعة الرصاصة في الحالة الأولى وتطرح منها في الحالة الثانية.
هذا التسلسل المنطقي للموضوع محسوس لنا ونعرفه جيداً ولا غرابة في ذلك ولكن ماذا يحدث اذا استبدل المسدس بمصدر ضوئي هنا يتدخل آينشتين ويقول أن الوضع مختلف فسرعة الضوء تبقى ثابتة في كلا الحالتين وتساوي 300 ألف كم / الثانية وهذا لا يتغير مهما بلغت سرعة السيارة ولو فرضنا جدلاً أن السيارة تسير بسرعة الضوء فإن الضوء المنبعث من المصباح سينطلق أيضا بنفس سرعة الضوء.
بالطبع هذا غريب على مفاهيمنا ويتحدى آينشتين بذلك مفاهيم العلماء السابقين ويقول لهم عندما سألوه كيف يمكن تصديق هذا
(ما العمل إذا كان هذا هو من قوانين الكون الأساسية؟) لم يتوصل آينشتين لهذه الفرضية باجراء التجارب وتحليل النتائج أنما توصل إليها بعد طرح اسئلة لنفسه حول ثبات الكون والتفكير فيه ليصل إلى هذه الفرضية التي طلب من العلماء التسليم بها ليبنوا عليها العديد من التفسيرات للظواهر الكونية. ولكن العلماء كانوا بحاجة إلى أدلة وبراهين للاقتناع بهذه الفرضية فقام الفلكيون برصد الضوء الواصل إلى الأرض من أحد النجوم في الفضاء وكان الهدف من هذه التجربة اثبات خطأ فرضية ثبات سرعة الضوء. وذلك بالاعتماد على أن النجم عندما يدورر حول مركزه يكون مرة مبتعد عنا ومرة أخرى يكون النجم مقترب منا. وعلى هذا الاساس توقع العلماء أن يرصدوا سرعتين مختلفتين للضوء في حالة اقتراب النجم وابتعاده (توقع العلماء ان تكون سرعة الضوء وهو مقترب أكبر منها وهو مبتعد). ولكن المراصد الفلكية لم تقيس أي تغير في سرعة الضوء.
قد يتبادر إلى ذهن القارئ الان عدم تصديق ما سبق ولكن المهم هو فهم الفرضيتين على النحو الذي شرحناه وذلك لأننا سنقوم بتطبيق الفرضيتين معا لشرح النتائج المترتبة على النظرية النسبية وهذا يشمل العناوين التالية:
التأخير الزمني
الانكماش الطولي
القانون العام لجمع السرعات
زيادة الكتلة مع السرعة (الكتلة النسبية)
الطاقة والكتلة
تقوم نظرية النسبية العامة بتفسير الجاذبية ( الثقالة gravity النيوتنية ) على أنها تشوه deformation في الزمان والمكان تحدثه الكتلة Mass في جوارها , على هذا الأساس يمكننا تفسير دوران جسم حول اللأرض بأنه سير للجسم بشكل مستقيم على الخط المحيطي ( الجيوديزي ) للزمكان المحيط بالأرض , كما يسير الانسان بشكل مستقيم على الارض على طول الخط المحيطي ( الجيوديزي ) للأرض . وعلى هذا فان وجود المادة هو ما يحدد هندسة الزمكان(الزمان + المكان = الزمكان ) المسرح الفيزيائي للحوادث .
مما سبق تبين أن نسبية المكان تخالف كل ما هو مألوف لنا وقد يتسائل القارئ ما أهمية ذلك بالنسبة لنا ونحن نعيش على سطح الأرض وامورنا كلها مضبوطة على نسق واحد؟ ولماذا هذا الخلط بين ما يحدث على الأرض والكون؟ وما فائدة النسبية لنا كل هذه الاسئلة سيأتي الاجابة عليها من خلال هذه الحلقات المتتابعة عن النظرية النسبية ولكن قبل ذلك يجب الخوض في نسبية الزمان وهذا سيوضح لنا أن مفهوم الماضي والحاضر والمستقبل هي من الأمور النسيبة أيضا.
الزمان في النسبية
لم يكتف آينشتين بأن أثبت أن المكان نسبي ولكن عمم نسبية المكان على الزمان (البعد الرابع) حيث أنه قال طالما أننا نعيش في عالم ذو أربعة ابعاد ووجد أن الأبعاد المكانية الثلاثة التي تحدد ب x,y,z هي نسبية لا بد وان يكون الزمان (البعد الرابع) نسبياً أيضا هذا هو أينشتين الذي يفكر ويضع النظريات ويحلل النتائج في عقله ويخرج للناس بمفاهيم جديدة لم يستطيع احد ان ينفيها ولا ان يبطلها ولا ان يصدقها ولكن كانت نسبية المكان والزمان منذ ذلك الوقت وحتي يومنا هذا تبرهن على صحتها من خلال تفسيرها للعديد من الظواهر الفيزيائية التي حيرت العلماء ولم يكن امامهم الا تطبيق نظرية اينشتين ليجدوها تفسر تلك الظواهر وسيأتي شرح تفصيلي لهذه الظواهر.
اعتبر العلماء ومن بينهم العالم نيوتن أن الزمن مطلق ويجري بالتساوي دون أية علاقة بأي مؤثر خارجي. ولكن اينشتين لم يتقيد بما سبقه من العلماء وفكر بالأمر من وجهة نظر مختلفة تشمل الكون الفسيح كيف ذلك؟
تعودنا نحن سكان الكرة الأرضية على تقدير الزمن من خلال اليوم واجزائه (الساعة والدقيقة والثانية) ومضاعفاته (الاسبوع والشهر والسنة والقرن) ويومنا هو مقدار الزمن اللازم للأرض لتدور حول نفسها دورة كاملة والسنة هي مقدار الزمن اللازم للأرض لاكمال دورة كاملة حول الشمس وتساوي 365 يوم وربع اليوم. ولكن ماذا عن اليوم والسنة على كوكب عطارد أو كوكب بلوتو لا شك أن ذلك سيكون مختلف بالنسبة لمقايسنا فالسنة على كوكب عطارد ثلاثة أشهر من الوقت الذي نقيسه على الأرض بينما السنة على كوكب بلوتو فهي اكبر من ذلك بكثير وتساوي 248 سنة من سنوات الأرض.. الأمر عند هذا الحد معقول ولكن ماذا عن المجرات الأخرى كيف تقدر اليوم والسنة عندها؟ وهل يمكن استخدام الازمنة الأرضية كمقياس للزمن على ارجاء هذا الكون الفسيح؟ وتجدر الاشارة هنا إلى أن مصطلح فسيح لا يعبر عن مدى كبر حجم هذا الكون ...لنرى معا المقصود بكلمة فسيح.
مما سبق تبين أن هذا الكون يحتاج إلى طريقة جديدة لتقدير المسافات بين مجراته ونجومه لأن استخدام وحدة المتر أو الميل ستقودنا إلى ارقام كبيرة جدا لا يمكن تخيلها ولهذا فإن العلماء يستخدمون سرعة الضوء لقياس المسافة حيث أن سرعة الضوء 300 ألف كيلومتر في الثانية (الضوء يدور حول الأرض 7 مرات في الثانية أي عندما تقول كلمة واحدة يكون الضوء قد لف حول الارض سبع مرات) واذا حسبنا المسافة التي يقطعها الضوء في السنة نجد انها مسافة كبيرة جدا (الارقام الفلكية) فمثلا نعلم أن اشعة الشمس تصلنا خلال ثمانية دقائق وبهذا يكون بعد الشمس عنا ثماني دقائق ضوئية وهنا استخدمنا وحدة الزمن لقياس المسافة.
مثال اخر على اقرب نجم إلى المجموعة الشمسية يسمى الفا قنطورس يبعد عنا اربعة سنوات ضوئية والنجوم البعيدة في مجرتنا تبعد عنا الاف السنوات الضوئية ويقدر قطر درب التبانة ب 80 الف سنة ضوئية (تخيل ان الضوء الذي يصدر عند احد اطرافها يصل إلى الطرف الآخر بعد ثمانين الف سنة) كل هذا في مجرتنا وبعض التلسكوبات رصدت مجرات تبعد عشرة الف مليون سنة ضوئية ذلك يعني أنه اذا وقع حدث ما في طرف الكون فإنه لا يصل إلى الطرف الاخر قبل مرور عشرة الاف مليون سنة!!! وسنعلم ايضا أن الكون لا زال يتمدد وبسرعات هائلة.
الارقام والابعاد الفلكية السابقة ضرورية لشرح الموضوع التالي والذي من خلاله سنوضح مفهوم نسبية الزمن لدى آينشتين.
افترض انك في غرفة مظلمة تماماً وتحرك جسم من مكان إلى مكان آخر في هذه الغرفة فإنك لا تعلم بذلك (على افتراض انك لا تعتمد على حاسة السمع) ولكن في وجود الضوء فإن انتقال الجسم او حركته ترصدها من خلال انعكاس الضوء من على الجسم المتحرك إلى العين. الضوء هو الوسيلة الوحيدة التي نعلم من خلالها حدوث حدث ما في الكون وهو اسرع وسيلة لنقل المعلومات بين النجوم والمجرات فحدث ما على الشمس نعلم به على الارض بعد ثمانية دقائق من وقوعه، وانفجار نجم الفا قنطورس يصلنا خبره بعد اربعة سنوات لان الضوء القادم منه سيصل الارض بعد اربعة سنوات وكذلك النجوم التي نراها في الليل قد لا تكون موجودة الان ولكننا نرى الضوء الذي صدر عنها منذ سنوات او الاف السنوات حسب بعدها عنا أما التي تبعد عنا الف مليون سنة ضوئية فإن ضوءها الذي يصلنا الآن يعطينا معلومات عنها قبل ظهور الحياة على الارض!! هذا يقودنا إلى أن كلمة الآن لا وجود لها إلا على الأرض هذا كله يدركه الناس ولا غرابة فيه لأننا نعلم كم هذا الكون واسع وفسيح.. لم تقف النظرية النسبية عند هذا الحديث فقط بل تعدته إلى القول أن الزمن نفسه لا يجري في الكون بشكل متساوي بل يقصر ويطول حسب سرعتنا ومكاننا بالنسبة للحدث.
وليس المقصود هنا ان ذلك مجرد شعورنا بان الزمن يمر ببطء أو أنه يمر بسرعة حسب مشاعرنا بالسعادة أو التعاسة عندما نقوم بعمل ما. فنسبية الزمن لا تعتمد على شعورنا ومزاجيتنا انما المقصود في النظرية النسبية أن الساعة الزمنية التي تدل على فترة معينة من الزمن هي التي تطول أو تقصر حسب السرعة والمكان.
لتوضيح هذا الفكرة نفرض ان شخصين لديهما ساعات متماثلة تم ضبطهما بدقة، احد الشخصين قرر البقاء على الارض والشخص الآخر سافر في مركبة فضائية تسير بسرعة كبيرة، فإذا وفرت للشخص الارضي مرصدا يراقب من خلاله ساعة الشخص الفضائي فإنه كلما زادت سرعة الشخص الفضائي كلما تباطئت حركة عقارب ساعته بالنسبة للشخص الأرضي واذا ما وصلت سرعة المركبة الفضائية إلى سرعة الضوء فإن الشخص الارضي سوف يجد ان عقارب ساعة الشخص الفضائي توقفت عن الحركة أي أن الزمن توقف واصبح صفراً (لا يمكن الوصول بسرعة جسم إلى سرعة الضوء وسنعرف ذلك قريباً) وهذا التباطئ في ساعة الفضائي ليس بسبب خلل في الساعة انما نتيجة لسرعته.
إن الامر لا يقف عند هذا الحد في النظرية النسبية لأن ذلك انعكس على مفهومنا للماضي والحاضر والمستقبل فمثلا انفجار نجم ما قد يكون ماضي بالنسبة لشخص في هذا الكون ويكون حاضر لشخص آخر في مكان اخر وقد يكون مستقبلا بالنسبة لشخص ثالث في مكان ثالث. وهذا بسبب تباطئ الزمن. حسب سرعة كل شخص بالنسبة للحدث ومكانه. ولها لا معني للماضي والحاضر والمستقبل إلا على الارض لان الشريط الزمني المعروف لنا يتباطئ بدرجة معينة في مكان معين في الكون ويتباطئ بدرجة
مختلفة في مكان آخر وهكذا.
وهنا نود ان نوضح أننا نعيش الزمن من خلال تقسيمه إلى ماضي وحاضر ومستقبل وكلنا يستطيع ان يسبح بخياله في احداث الماضي ويعيش اللحظات الحاضرة بحلوها ومرها ولكن المستقبل فلا قدرة لنا عليه وعلى توقع ماذا سيحدث فيه وذلك لاننا كمخلوقات لله سبحانه وتعالي حجب عنا احداث المستقبل (كما حجب عنا رؤية الاشعة تحت الحمراء والفوق بنفسجية وحجب عن سمعنا ترددات معينا يمكن لمخلوقات اخرى سماعها لاننا بشر محدودين لكوننا مخلوقات) أما الله سبحانه وتعالى فالازمنة والاحداث عنده كالكتاب المفتوح. الله يعلم بالماضي والحاضر والمستقبل فهو يعلم ماذا فعلنا وماذا نفعل وماذا سنفعل في أي وقت وفي اي لحظة.
كل ماذكر في نسبية المكان ونسبية الزمان هو توضيح لمفاهيم وضعها آينشتين لتكون تمهيدا للدخول إلى النظرية النسبية وفهم مضمونها وعندها ستكون الصورة واضحة .
منتديات تونيزيا كافيه
www.tunisia-cafe.com (http://www.tunisia-cafe.com/)
الأبعاد الأربعة الزمانية والمكانية
نحتاج قبل الدخول إلى مفاهيم النظرية النسبية تعريف مفهوم الابعاد المكانية والزمنية حيث أن كثيرا ما تعرف النظرية النسبية على انها نظرية البعد الرابع. فما هي هذا الأبعاد الاربعة وكيف نستخدمها ولماذا اينشتين العالم الأول الذي اكد على ضرورة استخدام البعد الرابع (الزمن) بالاضافة إلى الابعاد الثلاثة التي اعتمد عليها جميع العلماء من قبله...
تطور مفهوم الابعاد مع تطور الانسان ونقصد هنا تطوره في الحياة ففي الزمن الأول كان الانسان يتعامل مع بعد واحد في حياته هذا جاء من احتياجه للبحث عن طعامه فكان يستخدم رمحه لاصطياد فريسته وبالتالي كان يقذف رمحه في اتجاه الفريسة حيث ينطلق الرمح في خط مستقيم وحركة الرمح هنا تكون في بعد واحد وسنرمز له بالرمز x. ومن ثم احتاج الانسان ليزرع الارض وبالتالي احتاج إلى التعامل مع مساحة من الأرض تحدد بالطول والعرض وهذا يعد استخدام بعدين هما x و y لأنه بدونهما لايستطيع تقدير مساحة الأرض المزروعة. وعندما احتاج الانسان للبناء أخذ يفكر ويحسب في البعد الثالث وهو الارتفاع. وهذه هي الابعاد الثلاثة x,y,z والتي كانت الاساس في حسابات الانسان الهندسية، وحتى مطلع القرن العشرين اعتبرها الانسان كافية لحل كل المسائل التي تقابله على سطح الكرة الأرضية. وحتى يومنا هذا نعتمد على الابعاد الثلاثة في تنقلاتنا وسفرنا وحساباتنا.
آينشتين هو العالم الوحيد الذي فكر في البعد الرابع (الزمن) وقال ان الكون الذي نعيشه ذو أربعة ابعاد وهي الطول والعرض والارتفاع والزمن. وادخل البعد الرابع في جميع حساباته. يستطيع الانسان تخيل البعد الواحد والبعدين ويمكن رسمهما ولكن البعد الثالث يحتاج منه إلى قدرات تخيلية إضافية ولكن من الصعب التفكير والتخيل بالابعاد الاربعة معا وخصوصا أن البعد الرابع وهو الزمن لايمكن رؤيته ولكننا نعيشه وندركه كمسلمة من مسلمات الوجود. فإذا اعتبرنا أن هندسة الكون تعتمد على اربعة ابعاد فإن حساباتها ستكون غاية في التعقيد ونتائجها غير متوقعة وهذا مافعله آينشتين في نظريته النسبية.
تمهيد
ان المقاييس من مساحات وحجوم وكتل وتحديد المكان والزمان والسرعة هي مقاييس معروفة في نظر الفيزياء الكلاسيكية (فيزياء جاليلو ونيوتن) فكلنا نقيس المسافات والزمن بنفس الطريقة والكيفية ولا يختلف في ذلك اثنان اذا كانت مقايسهما معايرة بدقة وهذا يعني أننا سلمنا بأن هذه المقاييس مطلقة ولكن هذا يخالف النظرية النسبية التي تقوم على أنه لا وجود لشيء مطلق في كل هذه الاشياء أنما هي نسبية، فالدقيقة (60 ثانية) التي نقيسها بساعاتنا يمكن ان يقيسها آخر على انها أقل من دقيقة أو أكثر، وكذلك المتر العياري طوله متر بالنسبة للشخص الذي يحمله ولكن بانسبة لآخر يتحرك بسرعة كبيرة بالنسبة لذلك الشخص يجد المتر 80 سنتمتر وكلما زادت سرعته كلما قل طول المتر ليصبح طول المتر صفر اذا تحرك الشخص بسرعة الضوء (سنجد انه من الاستحالة الوصول لسرعة الضوء) وهذا لا يعود لخطأ في القياسات بين الشخصين أو خلل في آلات الرصد التي يستخدمونها فكل منهما يكون صحيحا ولكن بالنسبة له. ولهذا سميت بالنظرية النسبية والكثير من الأمور المسلم بها في حياتنا والتي نعتبرها مطلقة تصبح نسبية في عالم النسبية.
بمفهوم اينشتين والتعامل مع الزمن على أنه بعد من الأبعاد يصبح كل شيء نسبياً فمثلاً نعرف أن الكتلة هي كمية المادة الموجودة في حجم معين مثل كتلة الماء في حجم سنتيمتر مكعب هي واحد جرام وكتلة الماء هذه ثابتة ولكن وزنها هو الذي يتغير تغيرا طفيفا نتيجة لتأثير الجاذبية عليها فيقل الوزن قليلا في المرتفعات ويزيد في المنخفضات نتيجة لتغير تأثير الجاذبية حسب بعدنا او قربنا من مركز الارض وهذا التغير يكون في حدود جرام واحد فقط، ولكن آينشتين يبين أن الكتلة تتخلى عن تأثير الجاذبية وتتغير في حدود أكبر بكثير قد تصل إلى الالاف ولا علاقة لتغير الكتلة بالجاذبية. إن ثبوت المقاييس والابعاد عند آينشتين في الكون لا وجود له حسب نظريته النسبية.
لتفصيل الموضوع اكثر سوف نقوم بشرح اوسع لمفهوم المكان في النسبية ومن ثم شرح مفهوم الزمن في النسبية.
المكان في النسبية
اذا سألت نفسك عزيزي القارئ في هذه اللحظة هل أنت ثابت أم متحرك، فستنظر حولك بكل تأكيد وتقول أنا لست متحرك فأنا ثابت امام جهاز الكمبيوتر وعلى الارض وهذا صحيح فأنت ثابت بالنسبة للكمبيوتر والارض (أي الكرة الارضية) ولكن هذا ليس صحيح بالنسبة للكون فأنت والكمبيوتر والارض التي تقف عليها تتحركون وهذه الحركة عبارة عن مجموعة من الحركات منها حركة الارض حول نفسها وحركة الارض حول الشمس وهناك حركة للشمس والارض داخل مجرة درب التبانة ومجرة درب التبانة تتحرك بالنسبة إلى الكون.. إذا عندما اعتقدت انك ثابت فهذا بالنسبة للاشياء حولك ولكن بالنسبة للكون فكل شيء متحرك. وخذ على سبيل المثال هذه الارقام .
سرعة دوران الأرض حول نفسها ربع ميل في الثانية وسرعة دوران الارض حول الشمس 18 ميل في الثانية والشمس والكواكب تسير بالنسبة لجيرانها النجوم بسرعة 120 ميل في الثانية ومجرة درب التبانة منطلقة في الفضاء بسرعة تصل إلى 40000 ميل في الثانية. تخيل الان كم هي سرعتك وعدد الحركات التي تتحركها بالنسبة للكون. وقدر المسافة التي قطعتها منذ بدء قراءة هذه الحلقة حتى الان.
لا احد يستطيع ان يحدد هل مجرة درب التبانة هي التي تبتعد عن المجرات الاخرى بسرعة 40000 ميل في الثانية أم ان المجرات هي التي تبتعد عنا بهذه السرعة. فعلى سبيل المثال اذا اراد شخص ان يصف لنا سفره من مطار بيروت إلى مطار دبي الدولي فإنه يقول غادرت الطائرة مطار بيروت في الساعة الثالثة ظهرا واتجهت شرقا لتهبط في مطار دبي الدولي الساعة السادسة مساءً.. ولكن لشخص اخر في مكان ما في الكون يرى ان الطائرة ارتفعت عن سطح الارض في بيروت واخذت تتباطأ حتى وصلت مطار دبي لتهبط فيه. أو ان الطائرة ومطار دبي تحركا في اتجاهات مختلفة ليلتقيا في نقطة الهبوط.. وهنا يكون من المستحيل في الكون الواسع تحديد من الذي تحرك الطائرة ام المطار.
كذلك يجب أن نؤكد ان الاتجاهات الاربعة شمال وجنوب وشرق وغرب والكلمات فوق وتحت ويمين وشمال هي اصطلاحات لا وجود لها في الكون فلا يوجد تحت أو فوق ولاشمال أو جنوب.
ان التعامل بهذه المفاهيم الجديدة والنظرة الشاملة للكون بلاشك امر محير ولاسيما اذا ادخلنا البعد الرابع في حساباتنا فكل شيء يصبح نسبي.
مما سبق تبين أن نسبية المكان تخالف كل ما هو مألوف لنا وقد يتسائل القارئ ما أهمية ذلك بالنسبة لنا ونحن نعيش على سطح الأرض وامورنا كلها مضبوطة على نسق واحد؟ ولماذا هذا الخلط بين ما يحدث على الأرض والكون؟ وما فائدة النسبية لنا كل هذه الاسئلة سيأتي الاجابة عليها من خلال هذه الحلقات المتتابعة عن النظرية النسبية ولكن قبل ذلك يجب الخوض في نسبية الزمان وهذا سيوضح لنا أن مفهوم الماضي والحاضر والمستقبل هي من الأمور النسيبة أيضا
الزمان في النسبية
لم يكتف آينشتين بأن أثبت أن المكان نسبي ولكن عمم نسبية المكان على الزمان (البعد الرابع) حيث أنه قال طالما أننا نعيش في عالم ذو أربعة ابعاد ووجد أن الأبعاد المكانية الثلاثة التي تحدد ب x,y,z هي نسبية لا بد وان يكون الزمان (البعد الرابع) نسبياً أيضا هذا هو أينشتين الذي يفكر ويضع النظريات ويحلل النتائج في عقله ويخرج للناس بمفاهيم جديدة لم يستطيع احد ان ينفيها ولا ان يبطلها ولا ان يصدقها ولكن كانت نسبية المكان والزمان منذ ذلك الوقت وحتي يومنا هذا تبرهن على صحتها من خلال تفسيرها للعديد من الظواهر الفيزيائية التي حيرت العلماء ولم يكن امامهم الا تطبيق نظرية اينشتين ليجدوها تفسر تلك الظواهر وسيأتي شرح تفصيلي لهذه الظواهر.
اعتبر العلماء ومن بينهم العالم نيوتن أن الزمن مطلق ويجري بالتساوي دون أية علاقة بأي مؤثر خارجي. ولكن اينشتين لم يتقيد بما سبقه من العلماء وفكر بالأمر من وجهة نظر مختلفة تشمل الكون الفسيح كيف ذلك؟
تعودنا نحن سكان الكرة الأرضية على تقدير الزمن من خلال اليوم واجزائه (الساعة والدقيقة والثانية) ومضاعفاته (الاسبوع والشهر والسنة والقرن) ويومنا هو مقدار الزمن اللازم للأرض لتدور حول نفسها دورة كاملة والسنة هي مقدار الزمن اللازم للأرض لاكمال دورة كاملة حول الشمس وتساوي 365 يوم وربع اليوم. ولكن ماذا عن اليوم والسنة على كوكب عطارد أو كوكب بلوتو لا شك أن ذلك سيكون مختلف بالنسبة لمقايسنا فالسنة على كوكب عطارد ثلاثة أشهر من الوقت الذي نقيسه على الأرض بينما السنة على كوكب بلوتو فهي اكبر من ذلك بكثير وتساوي 248 سنة من سنوات الأرض.. الأمر عند هذا الحد معقول ولكن ماذا عن المجرات الأخرى كيف تقدر اليوم والسنة عندها؟ وهل يمكن استخدام الازمنة الأرضية كمقياس للزمن على ارجاء هذا الكون الفسيح؟ وتجدر الاشارة هنا إلى أن مصطلح فسيح لا يعبر عن مدى كبر حجم هذا الكون ...لنرى معا المقصود بكلمة فسيح.
مما سبق تبين أن هذا الكون يحتاج إلى طريقة جديدة لتقدير المسافات بين مجراته ونجومه لأن استخدام وحدة المتر أو الميل ستقودنا إلى ارقام كبيرة جدا لا يمكن تخيلها ولهذا فإن العلماء يستخدمون سرعة الضوء لقياس المسافة حيث أن سرعة الضوء 300 ألف كيلومتر في الثانية (الضوء يدور حول الأرض 7 مرات في الثانية أي عندما تقول كلمة واحدة يكون الضوء قد لف حول الارض سبع مرات) واذا حسبنا المسافة التي يقطعها الضوء في السنة نجد انها مسافة كبيرة جدا (الارقام الفلكية) فمثلا نعلم أن اشعة الشمس تصلنا خلال ثمانية دقائق وبهذا يكون بعد الشمس عنا ثماني دقائق ضوئية وهنا استخدمنا وحدة الزمن لقياس المسافة.
مثال اخر على اقرب نجم إلى المجموعة الشمسية يسمى الفا قنطورس يبعد عنا اربعة سنوات ضوئية والنجوم البعيدة في مجرتنا تبعد عنا الاف السنوات الضوئية ويقدر قطر درب التبانة ب 80 الف سنة ضوئية (تخيل ان الضوء الذي يصدر عند احد اطرافها يصل إلى الطرف الآخر بعد ثمانين الف سنة) كل هذا في مجرتنا وبعض التلسكوبات رصدت مجرات تبعد عشرة الف مليون سنة ضوئية ذلك يعني أنه اذا وقع حدث ما في طرف الكون فإنه لا يصل إلى الطرف الاخر قبل مرور عشرة الاف مليون سنة! وسنعلم ايضا أن الكون لا زال يتمدد وبسرعات هائلة.
الارقام والابعاد الفلكية السابقة ضرورية لشرح الموضوع التالي والذي من خلاله سنوضح مفهوم نسبية الزمن لدى آينشتين.
افترض انك في غرفة مظلمة تماماً وتحرك جسم من مكان إلى مكان آخر في هذه الغرفة فإنك لا تعلم بذلك (على افتراض انك لا تعتمد على حاسة السمع) ولكن في وجود الضوء فإن انتقال الجسم او حركته ترصدها من خلال انعكاس الضوء من على الجسم المتحرك إلى العين. الضوء هو الوسيلة الوحيدة التي نعلم من خلالها حدوث حدث ما في الكون وهو اسرع وسيلة لنقل المعلومات بين النجوم والمجرات فحدث ما على الشمس نعلم به على الارض بعد ثمانية دقائق من وقوعه، وانفجار نجم الفا قنطورس يصلنا خبره بعد اربعة سنوات لان الضوء القادم منه سيصل الارض بعد اربعة سنوات وكذلك النجوم التي نراها في الليل قد لا تكون موجودة الان ولكننا نرى الضوء الذي صدر عنها منذ سنوات او الاف السنوات حسب بعدها عنا أما التي تبعد عنا الف مليون سنة ضوئية فإن ضوءها الذي يصلنا الآن يعطينا معلومات عنها قبل ظهور الحياة على الارض! هذا يقودنا إلى أن كلمة الآن لا وجود لها إلا على الأرض هذا كله يدركه الناس ولا غرابة فيه لأننا نعلم كم هذا الكون واسع وفسيح.. لم تقف النظرية النسبية عند هذا الحديث فقط بل تعدته إلى القول أن الزمن نفسه لا يجري في الكون بشكل متساوي بل يقصر ويطول حسب سرعتنا ومكاننا بالنسبة للحدث.
وليس المقصود هنا ان ذلك مجرد شعورنا بان الزمن يمر ببطء أو أنه يمر بسرعة حسب مشاعرنا بالسعادة أو التعاسة عندما نقوم بعمل ما. فنسبية الزمن لا تعتمد على شعورنا ومزاجيتنا انما المقصود في النظرية النسبية أن الساعة الزمنية التي تدل على فترة معينة من الزمن هي التي تطول أو تقصر حسب السرعة والمكان.
لتوضيح هذا الفكرة نفرض ان شخصين لديهما ساعات متماثلة تم ضبطهما بدقة، احد الشخصين قرر البقاء على الارض والشخص الآخر سافر في مركبة فضائية تسير بسرعة كبيرة، فإذا وفرت للشخص الارضي مرصدا يراقب من خلاله ساعة الشخص الفضائي فإنه كلما زادت سرعة الشخص الفضائي كلما تباطئت حركة عقارب ساعته بالنسبة للشخص الأرضي واذا ما وصلت سرعة المركبة الفضائية إلى سرعة الضوء فإن الشخص الارضي سوف يجد ان عقارب ساعة الشخص الفضائي توقفت عن الحركة أي أن الزمن توقف واصبح صفراً (لا يمكن الوصول بسرعة جسم إلى سرعة الضوء وسنعرف ذلك قريباً) وهذا التباطئ في ساعة الفضائي ليس بسبب خلل في الساعة انما نتيجة لسرعته..
إن الامر لا يقف عند هذا الحد في النظرية النسبية لأن ذلك انعكس على مفهومنا للماضي والحاضر والمستقبل فمثلا انفجار نجم ما قد يكون ماضي بالنسبة لشخص في هذا الكون ويكون حاضر لشخص آخر في مكان اخر وقد يكون مستقبلا بالنسبة لشخص ثالث في مكان ثالث. وهذا بسبب تباطئ الزمن. حسب سرعة كل شخص بالنسبة للحدث ومكانه. ولها لا معني للماضي والحاضر والمستقبل إلا على الارض لان الشريط الزمني المعروف لنا يتباطئ بدرجة معينة في مكان معين في الكون ويتباطئ بدرجة مختلفة في مكان آخر وهكذا.
وهنا أود ان اوضح أننا نعيش الزمن من خلال تقسيمه إلى ماضي وحاضر ومستقبل وكلنا يستطيع ان يسبح بخياله في احداث الماضي ويعيش اللحظات الحاضرة بحلوها ومرها ولكن المستقبل فلا قدرة لنا عليه وعلى توقع ماذا سيحدث فيه وذلك لاننا كمخلوقات لله سبحانه وتعالي حجب عنا احداث المستقبل (كما حجب عنا رؤية الاشعة تحت الحمراء والفوق بنفسجية وحجب عن سمعنا ترددات معينا يمكن لمخلوقات اخرى سماعها لاننا بشر محدودين لكوننا مخلوقات) أما الله سبحانه وتعالى فالازمنة والاحداث عنده كالكتاب المفتوح. الله يعلم بالماضي والحاضر والمستقبل فهو يعلم ماذا فعلنا وماذا نفعل وماذا سنفعل في أي وقت وفي اي لحظة.
كل ماذكر في نسبية المكان ونسبية الزمان هو توضيح لمفاهيم وضعها آينشتين لتكون تمهيدا للدخول إلى النظرية النسبية وفهم مضمونها وعندها ستكون الصورة اوضح.
بعد أن تكلمنا عن نسبية المكان ونسبية الزمان اصبحنا اقرب ما يكون لفرضيات النظرية النسبية ولكن من الضروري المرور عبر الملابسات التي سبقت ظهور النظرية النسبية وتوضيح التخبط الذي احاط بالعلماء الفيزيائين عند عجزهم عن الوصول إلى تفسير مقنع للتجارب التي اعتمدت على الضوء .
سرعة الضوء
ذكرنا سابقاً أن سرعة الضوء تبلغ 300 ألف كيلو متر في الثانية الواحدة وهذا يعني أنه يمكن للشعاع الضوئي أن يدور سبع مرات حول الكرة الأرضية في الثانية ولذلك لا نستغرب حين نشاهد في احدى المحطات الفضائية برنامجاً تلفزيونيا ويشاهده في نفس اللحظة اناس اخرون على الطرف الثاني من الكرة الارضية لأن الاشارات اللفزيونية تنتقل بسرعة الضوء (لانها اشعة كهرومغناطيسية مثل الضوء). وبالطبع نحن نسمع صوت الرعد بعد لحظات من رؤية ضوء البرق أو نرى ضوء انفجار قذيفة قبل لحظات من سماع صوتها وهذا يعود إلى الاختلاف الكبير بين سرعة الضوء وسرعة الصوت (تبلغ سرعة الصوت 330 متر في الثانية).
أجرى العلماء العديد من التجارب لقياس سرعة الضوء ووصلوا إلى القيمة التي ذكرناه سابقاً (300 ألف كيلومتر في الثانية) وهذه السرعة الكبيرة للضوء استخدمت في تقدير المسافات الفلكية بين النجوم والمجرات لأنه لا يمكن بأي حال من الاحوال الاعتماد على وحدة المتر ومضاعفاته، ولذلك اذا قرأت في كتب الفلك ستجد ان وحدة قياس المسافة هي السنة الضوئية وهي المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة والتي تساوي 9460000000000 كيلومتر. لاحظ هنا أن السنة الضوئية هي وحدة زمن ولكن استخدمت لتقدير المسافة أي أن الزمن بعد يضاف إلى الابعاد الثلاثة x,y,z ولهذا سمي بالبعد الرابع.
الأثير
نعلم أن الصوت ينتقل من خلال موجات اهتزازية تحدث اضطراب في الهواء وبهذا فإن الصوت ينتقل خلال وسط الهواء كما أن الامواج التي يحدثها حجر اسقط في بركة ماء فإن الاضطراب الذي احدثه الحجر ينتقل في صورة امواج اهتزازية خلال جزيئات الماء.الآن ماذا عن الضوء؟ وما هو الوسط الذي ينقله؟ وما هو ذلك الشيئ المكون لأمواج الضوء؟.. هذه اسئلة حيرت العلماء وقادتهم افكارهم إلى افتراض وسط سموه الاثير يملء فراغ الكون وقد اعطى العلماء خصائص للاثير بما يناسب تجاربهم، فالاثير له من الخصائص الكثير فمثلا الاثير يخترق جميع الاجسام والنجوم والكواكب التي تسبح فيه.
الاثير ينسحب خلف الاجسام الصلبة وازدادت خصائص الأثير مع كل تجربة لا تتفق نتائجها العملية مع المتوقع من الاثير. بذلك اعتبر العلماء الاثير هو الشيء الثابت والمطلق الذي ينقل الضوء من خلاله وان كل جسم متحرك فهو متحرك بالنسبة للأثير (حتى الضوء) أي أن سرعة الأرض مثلا هي سرعتها بالنسبة للأثير وسرعة الضوء هي سرعته بالنسبة للأثير.
لكن آينشتين جاء وهو في الخامسة والعشرين كي يثبت خطأ نظرية الأثير وليبني أسس جديدة للفيزياء سماها النظرية النسبية .
الآن يمكن الشروع في استعراض مفاهيم النظرية النسبية التي وضعها العالم آينشتين في عام 1904 وسماها النظرية النسبية الخاصة وفي العام 1916 نشر آينشتين نظريته النسبية العامة وهنا يجب أن نوضح أن كلا النظريتين هما نظرية واحدة ولكن النظرية النسبية الخاصة تتعامل مع الأجسام المتحركة بسرعة منتظمة (بدون عجلة)، والنظرية النسبية العامة تعالج حركة الاجسام المتسارعة وهي تشمل حركة كافة مكونات الكون من نجوم ومجرات لانها تتحرك في مسارات دائرية وهذا يعني أن تلك الأجسام لها عجلة تغير من اتجاه مسارها.. ولهذا فإن النظرية النسبية العامة أشمل وأعم وسنتعرض لها بشيء من التفصيل بعد استعراض النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية الخاصة
بهذه النظرية غير آينشتين مفاهيم النظرية الكلاسيكية ليأتي بمفاهيم غاية في الغرابة لم يكن احد من العلماء قد فكر بها وفتح بذلك الابواب للعلماء لعصر جديد من العلوم الفيزيائية سميت بالعصر الذري وهو الذي نعيشه الآن. فسرت النظرية النسبية العديد من الظواهر الطبيعية في الكون وشكلت قاعدة صلبة راسخة متماسكة.. وحتى يومنا هذا لازالت التجارب المختلفة التي يجريها العلماء تثبت صحة النظرية النسبية. إن النظرية النسبية غيرت مفاهيم كل شيء فخلطت المكان والزمان ووجعلت من المطلق نسبي والمستقيم محدب كما كان لها نتائج فلسفية عديدة ولكن سنحاول التركيز على الأمور العلمية.
فروض النظرية النسبية
قلنا في موضع سابق أن آينشتين استخدم عقله وتفكيره بشكل شمولي للكون وامعن التفكير والتأمل ليبني الفرضيات ويجري التحليلات الرياضية بشكل مجرد ويظهرها للعلماء لتطبيقها وهكذا هو الحال بالنسبة للنظرية النسبية حيث وضع آينشتين فرضيتين لتكون اساساً للنظرية النسبية وطلب من الكل باعتبارها من المسلمات أو البديهيات وهذا ما جعل العلماء رفض الاقتناع بصحة تلك النظرية ولكن هذه النظرية اوجدت تفسيرات وقوانين للعديد من الظواهر الكونية وفي كل مرة عقدت تجربة لابطال صحة النظرية النسبية كانت النتائج تؤكد صحتها وتعطي دليلا جديدا على دقتها وشموليتها..
فروض النظرية النسبية هما فرضيتان الأولى متعلقة بالأثير والفرضية الثانية متعلقة بالضوء:
الفرضية الأولى تنفي وجود الأثير لأن حسب نسبية آينشتين لا يوجد مطلق يمكن اسناد كل شيئ إليه مثل ما فعل العلماء بفرضية الأثير.
الفرضية الثانية تقول أن سرعة الضوء في الفراغ ثابتة ولا تعتمد على سرعة المشاهد.
شرح الفرضية الأولى
توضح الفرضية الأولى للنظرية النسبية أن لا وجود للأثير وكان هذا مخالف لكافة العلماء ذلك الوقت... وبفرضية أن الأثير غير موجود فأن المكان المطلق لا وجود له ولا يوجد إلا المكان النسبي والسرعة النسبية. ويوضح اينشتين ذلك بمثال مركبتين فضائيتين في الكون فلا يستطيع رواد المركبة الأولى من تحديد سرعة مركبتهم إلا بمقارنتها بالنسبة للأجرام المتناثرة حولها أو بالنسبة للمركبة الثانية إذا مرت بالجوار وكذلك الحال بالنسبة للمركبة الثانية وأي شخص يحاول ايجاد سرعة المركبة فإنه سيجدها بالنسبة لسرعة أخرى. وحيث أن كل شيء في الكون يتحرك حركة دائمة ومعقدة فإن أي سرعة تحدد على اساس مقارنتها بسرعة اخرى.
مثال: اذا كنت في سفينة فضائية تسير بسرعة 10 ألاف كيلومتر في الساعة بالنسبة للأرض ولاحظت ان سفينة أخرى تقترب منك وتجاوزت سفينتك فإن اجهزة الرصد لديك سوف تقدر سرعة السفينة التي مرت بقربك على انها 2000 كيلو متر في الساعة وبما أن سرعتك بالنسبة للأرض معروفة (10 ألاف كيلومتر في الساعة) فإن سرعة السفينة الفضائية الاخرى بالنسبة للأرض ستكون 12 الف كيلو متر في الساعة.
لاحظ هنا اننا ارجعنا قياساتنا للسرعات بالنسبة للأرض فما بالك لو أننا اصبحنا لا نرى الارض في هذا الكون الفسيح وان السرعة التى انطلقنا بها تغيرت فكل ما نستطيع قوله هو أن سرعة السفينة الأخرى هو 2000 كيلو متر في الساعة. ولكن هذا الرقم يعبر عن احتمالات عديدة كأن تكون أنت واقف والسفينة مرت عنك بسرعة 2000 كيلو متر في الساعة أو أن تكون أنت متحرك بسرعة 1000 كيلو متر في الساعة وهي بسرعة 3000 كيلو متر في الساعة أو أن تكون تلك السفينة واقفة وانت متحرك في اتجاه الارض بسرعة 2000 كيلو متر في الساعة وهكذا . وهذا يعني أنك بحاجة إلى شيء ثابت ليرشدك على من هو المتحرك وكم هي سرعتك واتجاهك ولهذا اسند العلماء كل ذلك إلى الاثير ليهربوا من حقيقة النسبية.. ولكن آينشتين لم يهرب من الاعتراف بأن الأثير وهم واقر بأن كل حركة نسبية.
ماذا عن السرعة على الأرض؟ اذكر هنا ما قاله العالم نيوتن بأننا لا نعرف سفينة تتحرك في البحر أم واقفة بأي اختبار نجريه داخل السفينة ويجب علينا أن نلجأ لاختبارات تصلنا بخارج السفينة. كأن نراقب من على سطحها حركة الماء أو حركة الجبال لنحدد ما إذا كانت متحركة أم ثابتة أو هل هي تقترب من الشاطئ أم تبتعد عنه.
كما اننا عندما نقول أن سرعة السيارة 100 كيلو متر في الساعة فهذا يكون بالنسبة للأرض فإذا لم نجد ما الشيء الذي نقيس بالنسبة له فحديثنا عن السرعة لا معنى له كما لا يمكننا باستخدام كل وسائل التكنولوجيا معرفة ما اذا كنا نتحرك او لا.. لأن كل حركة نسبية ولا يمكن ان نتكلم عن حركة مطلقة.
شرح الفرضية الثانية
لم يكن من الصعب فهم المقصود بالفرضية الأولى للنظرية النسبية بالرغم من صعوبة قبول هذه الفرضية من قبل العلماء في ذلك الوقت لأن العديد من الظواهر التي قابلت العلماء فسرت على اساس وجود الأثير ونسب كل شيء إليه، ولهذا كان من الصعب الاعتراف بفشل فرضية الأثير وهدم كل استنتاجاتهم، فحاول الكثير من العلماء اثبات خطأ النظرية النسبية. أما الفرضية الثانية والمتعلقة بثبات سرعة الضوء ثابتة في الفراغ مهما تغير مكان المشاهد او الراصد لسرعة الضوء.
لتوضيح الجملة الأخير سوف نضرب مثالين من واقع الحياة اليومية.
مثال (1)
عندما نكون في سيارة سرعتها 100 كم/ساعة فإننا نرى الاجسام الثابتة وكأنها هي التي تتحرك بنفس السرعة وفي الاتجاه المعاكس. ولكن عندما تأتي سيارة من الاتجاه المعاكس تسير بسرعة 100 كم/ساعة فإن سرعتها بالنسبة لنا تكون 200 كم/ساعة (لا حظ هنا اننا جمعنا السرعتين في حالة اقتراب السيارة منا)، وإذا تجاوزنا سيارة سرعتها 80 كم/ساعة نقيس سرعتنا بالنسبة لهذه السيارة على أنها 20 كم/ساعة (لاحظ هنا أننا طرحنا السرعتين في حالة ابتعادنا عن السيارة الاخرى). وإذا كانت السيارة الأخرى تسير بنفس سرعة سيارتنا فإننا نقيس سرعة تلك السيارة بالنسبة لنا على انها صفر أي انها ثابتة بالنسبة لنا.
مثال (2)
لنفرض سيارة تسير بسرعة 100 كم/ساعة وقام شخص باطلاق رصاصة من مسدس في اتجاه حركة السيارة علماً بأن سرعة الرصاصة بالنسبة للمسدس هي 1000 كم/ساعة ثم استدار نفس الشخص وأطلق رصاصة أخرى في اتجاه معاكس لحركة السيارة.
فإذا ما قام شخص على الطريق وقاس سرعة الرصاصة في الحالة الأولى سيجد أنها 1100 كم/ساعة وفي الحالة الثانية سيجد سرعة الرصاصة 900كم/ساعة. وهذا يعود إلى أن سرعة السيارة تجمع مع سرعة الرصاصة في الحالة الأولى وتطرح منها في الحالة الثانية.
هذا التسلسل المنطقي للموضوع محسوس لنا ونعرفه جيداً ولا غرابة في ذلك ولكن ماذا يحدث اذا استبدل المسدس بمصدر ضوئي هنا يتدخل آينشتين ويقول أن الوضع مختلف فسرعة الضوء تبقى ثابتة في كلا الحالتين وتساوي 300 ألف كم / الثانية وهذا لا يتغير مهما بلغت سرعة السيارة ولو فرضنا جدلاً أن السيارة تسير بسرعة الضوء فإن الضوء المنبعث من المصباح سينطلق أيضا بنفس سرعة الضوء.
بالطبع هذا غريب على مفاهيمنا ويتحدى آينشتين بذلك مفاهيم العلماء السابقين ويقول لهم عندما سألوه كيف يمكن تصديق هذا
(ما العمل إذا كان هذا هو من قوانين الكون الأساسية؟) لم يتوصل آينشتين لهذه الفرضية باجراء التجارب وتحليل النتائج أنما توصل إليها بعد طرح اسئلة لنفسه حول ثبات الكون والتفكير فيه ليصل إلى هذه الفرضية التي طلب من العلماء التسليم بها ليبنوا عليها العديد من التفسيرات للظواهر الكونية. ولكن العلماء كانوا بحاجة إلى أدلة وبراهين للاقتناع بهذه الفرضية فقام الفلكيون برصد الضوء الواصل إلى الأرض من أحد النجوم في الفضاء وكان الهدف من هذه التجربة اثبات خطأ فرضية ثبات سرعة الضوء. وذلك بالاعتماد على أن النجم عندما يدورر حول مركزه يكون مرة مبتعد عنا ومرة أخرى يكون النجم مقترب منا. وعلى هذا الاساس توقع العلماء أن يرصدوا سرعتين مختلفتين للضوء في حالة اقتراب النجم وابتعاده (توقع العلماء ان تكون سرعة الضوء وهو مقترب أكبر منها وهو مبتعد). ولكن المراصد الفلكية لم تقيس أي تغير في سرعة الضوء.
قد يتبادر إلى ذهن القارئ الان عدم تصديق ما سبق ولكن المهم هو فهم الفرضيتين على النحو الذي شرحناه وذلك لأننا سنقوم بتطبيق الفرضيتين معا لشرح النتائج المترتبة على النظرية النسبية وهذا يشمل العناوين التالية:
التأخير الزمني
الانكماش الطولي
القانون العام لجمع السرعات
زيادة الكتلة مع السرعة (الكتلة النسبية)
الطاقة والكتلة
تقوم نظرية النسبية العامة بتفسير الجاذبية ( الثقالة gravity النيوتنية ) على أنها تشوه deformation في الزمان والمكان تحدثه الكتلة Mass في جوارها , على هذا الأساس يمكننا تفسير دوران جسم حول اللأرض بأنه سير للجسم بشكل مستقيم على الخط المحيطي ( الجيوديزي ) للزمكان المحيط بالأرض , كما يسير الانسان بشكل مستقيم على الارض على طول الخط المحيطي ( الجيوديزي ) للأرض . وعلى هذا فان وجود المادة هو ما يحدد هندسة الزمكان(الزمان + المكان = الزمكان ) المسرح الفيزيائي للحوادث .
مما سبق تبين أن نسبية المكان تخالف كل ما هو مألوف لنا وقد يتسائل القارئ ما أهمية ذلك بالنسبة لنا ونحن نعيش على سطح الأرض وامورنا كلها مضبوطة على نسق واحد؟ ولماذا هذا الخلط بين ما يحدث على الأرض والكون؟ وما فائدة النسبية لنا كل هذه الاسئلة سيأتي الاجابة عليها من خلال هذه الحلقات المتتابعة عن النظرية النسبية ولكن قبل ذلك يجب الخوض في نسبية الزمان وهذا سيوضح لنا أن مفهوم الماضي والحاضر والمستقبل هي من الأمور النسيبة أيضا.
الزمان في النسبية
لم يكتف آينشتين بأن أثبت أن المكان نسبي ولكن عمم نسبية المكان على الزمان (البعد الرابع) حيث أنه قال طالما أننا نعيش في عالم ذو أربعة ابعاد ووجد أن الأبعاد المكانية الثلاثة التي تحدد ب x,y,z هي نسبية لا بد وان يكون الزمان (البعد الرابع) نسبياً أيضا هذا هو أينشتين الذي يفكر ويضع النظريات ويحلل النتائج في عقله ويخرج للناس بمفاهيم جديدة لم يستطيع احد ان ينفيها ولا ان يبطلها ولا ان يصدقها ولكن كانت نسبية المكان والزمان منذ ذلك الوقت وحتي يومنا هذا تبرهن على صحتها من خلال تفسيرها للعديد من الظواهر الفيزيائية التي حيرت العلماء ولم يكن امامهم الا تطبيق نظرية اينشتين ليجدوها تفسر تلك الظواهر وسيأتي شرح تفصيلي لهذه الظواهر.
اعتبر العلماء ومن بينهم العالم نيوتن أن الزمن مطلق ويجري بالتساوي دون أية علاقة بأي مؤثر خارجي. ولكن اينشتين لم يتقيد بما سبقه من العلماء وفكر بالأمر من وجهة نظر مختلفة تشمل الكون الفسيح كيف ذلك؟
تعودنا نحن سكان الكرة الأرضية على تقدير الزمن من خلال اليوم واجزائه (الساعة والدقيقة والثانية) ومضاعفاته (الاسبوع والشهر والسنة والقرن) ويومنا هو مقدار الزمن اللازم للأرض لتدور حول نفسها دورة كاملة والسنة هي مقدار الزمن اللازم للأرض لاكمال دورة كاملة حول الشمس وتساوي 365 يوم وربع اليوم. ولكن ماذا عن اليوم والسنة على كوكب عطارد أو كوكب بلوتو لا شك أن ذلك سيكون مختلف بالنسبة لمقايسنا فالسنة على كوكب عطارد ثلاثة أشهر من الوقت الذي نقيسه على الأرض بينما السنة على كوكب بلوتو فهي اكبر من ذلك بكثير وتساوي 248 سنة من سنوات الأرض.. الأمر عند هذا الحد معقول ولكن ماذا عن المجرات الأخرى كيف تقدر اليوم والسنة عندها؟ وهل يمكن استخدام الازمنة الأرضية كمقياس للزمن على ارجاء هذا الكون الفسيح؟ وتجدر الاشارة هنا إلى أن مصطلح فسيح لا يعبر عن مدى كبر حجم هذا الكون ...لنرى معا المقصود بكلمة فسيح.
مما سبق تبين أن هذا الكون يحتاج إلى طريقة جديدة لتقدير المسافات بين مجراته ونجومه لأن استخدام وحدة المتر أو الميل ستقودنا إلى ارقام كبيرة جدا لا يمكن تخيلها ولهذا فإن العلماء يستخدمون سرعة الضوء لقياس المسافة حيث أن سرعة الضوء 300 ألف كيلومتر في الثانية (الضوء يدور حول الأرض 7 مرات في الثانية أي عندما تقول كلمة واحدة يكون الضوء قد لف حول الارض سبع مرات) واذا حسبنا المسافة التي يقطعها الضوء في السنة نجد انها مسافة كبيرة جدا (الارقام الفلكية) فمثلا نعلم أن اشعة الشمس تصلنا خلال ثمانية دقائق وبهذا يكون بعد الشمس عنا ثماني دقائق ضوئية وهنا استخدمنا وحدة الزمن لقياس المسافة.
مثال اخر على اقرب نجم إلى المجموعة الشمسية يسمى الفا قنطورس يبعد عنا اربعة سنوات ضوئية والنجوم البعيدة في مجرتنا تبعد عنا الاف السنوات الضوئية ويقدر قطر درب التبانة ب 80 الف سنة ضوئية (تخيل ان الضوء الذي يصدر عند احد اطرافها يصل إلى الطرف الآخر بعد ثمانين الف سنة) كل هذا في مجرتنا وبعض التلسكوبات رصدت مجرات تبعد عشرة الف مليون سنة ضوئية ذلك يعني أنه اذا وقع حدث ما في طرف الكون فإنه لا يصل إلى الطرف الاخر قبل مرور عشرة الاف مليون سنة!!! وسنعلم ايضا أن الكون لا زال يتمدد وبسرعات هائلة.
الارقام والابعاد الفلكية السابقة ضرورية لشرح الموضوع التالي والذي من خلاله سنوضح مفهوم نسبية الزمن لدى آينشتين.
افترض انك في غرفة مظلمة تماماً وتحرك جسم من مكان إلى مكان آخر في هذه الغرفة فإنك لا تعلم بذلك (على افتراض انك لا تعتمد على حاسة السمع) ولكن في وجود الضوء فإن انتقال الجسم او حركته ترصدها من خلال انعكاس الضوء من على الجسم المتحرك إلى العين. الضوء هو الوسيلة الوحيدة التي نعلم من خلالها حدوث حدث ما في الكون وهو اسرع وسيلة لنقل المعلومات بين النجوم والمجرات فحدث ما على الشمس نعلم به على الارض بعد ثمانية دقائق من وقوعه، وانفجار نجم الفا قنطورس يصلنا خبره بعد اربعة سنوات لان الضوء القادم منه سيصل الارض بعد اربعة سنوات وكذلك النجوم التي نراها في الليل قد لا تكون موجودة الان ولكننا نرى الضوء الذي صدر عنها منذ سنوات او الاف السنوات حسب بعدها عنا أما التي تبعد عنا الف مليون سنة ضوئية فإن ضوءها الذي يصلنا الآن يعطينا معلومات عنها قبل ظهور الحياة على الارض!! هذا يقودنا إلى أن كلمة الآن لا وجود لها إلا على الأرض هذا كله يدركه الناس ولا غرابة فيه لأننا نعلم كم هذا الكون واسع وفسيح.. لم تقف النظرية النسبية عند هذا الحديث فقط بل تعدته إلى القول أن الزمن نفسه لا يجري في الكون بشكل متساوي بل يقصر ويطول حسب سرعتنا ومكاننا بالنسبة للحدث.
وليس المقصود هنا ان ذلك مجرد شعورنا بان الزمن يمر ببطء أو أنه يمر بسرعة حسب مشاعرنا بالسعادة أو التعاسة عندما نقوم بعمل ما. فنسبية الزمن لا تعتمد على شعورنا ومزاجيتنا انما المقصود في النظرية النسبية أن الساعة الزمنية التي تدل على فترة معينة من الزمن هي التي تطول أو تقصر حسب السرعة والمكان.
لتوضيح هذا الفكرة نفرض ان شخصين لديهما ساعات متماثلة تم ضبطهما بدقة، احد الشخصين قرر البقاء على الارض والشخص الآخر سافر في مركبة فضائية تسير بسرعة كبيرة، فإذا وفرت للشخص الارضي مرصدا يراقب من خلاله ساعة الشخص الفضائي فإنه كلما زادت سرعة الشخص الفضائي كلما تباطئت حركة عقارب ساعته بالنسبة للشخص الأرضي واذا ما وصلت سرعة المركبة الفضائية إلى سرعة الضوء فإن الشخص الارضي سوف يجد ان عقارب ساعة الشخص الفضائي توقفت عن الحركة أي أن الزمن توقف واصبح صفراً (لا يمكن الوصول بسرعة جسم إلى سرعة الضوء وسنعرف ذلك قريباً) وهذا التباطئ في ساعة الفضائي ليس بسبب خلل في الساعة انما نتيجة لسرعته.
إن الامر لا يقف عند هذا الحد في النظرية النسبية لأن ذلك انعكس على مفهومنا للماضي والحاضر والمستقبل فمثلا انفجار نجم ما قد يكون ماضي بالنسبة لشخص في هذا الكون ويكون حاضر لشخص آخر في مكان اخر وقد يكون مستقبلا بالنسبة لشخص ثالث في مكان ثالث. وهذا بسبب تباطئ الزمن. حسب سرعة كل شخص بالنسبة للحدث ومكانه. ولها لا معني للماضي والحاضر والمستقبل إلا على الارض لان الشريط الزمني المعروف لنا يتباطئ بدرجة معينة في مكان معين في الكون ويتباطئ بدرجة
مختلفة في مكان آخر وهكذا.
وهنا نود ان نوضح أننا نعيش الزمن من خلال تقسيمه إلى ماضي وحاضر ومستقبل وكلنا يستطيع ان يسبح بخياله في احداث الماضي ويعيش اللحظات الحاضرة بحلوها ومرها ولكن المستقبل فلا قدرة لنا عليه وعلى توقع ماذا سيحدث فيه وذلك لاننا كمخلوقات لله سبحانه وتعالي حجب عنا احداث المستقبل (كما حجب عنا رؤية الاشعة تحت الحمراء والفوق بنفسجية وحجب عن سمعنا ترددات معينا يمكن لمخلوقات اخرى سماعها لاننا بشر محدودين لكوننا مخلوقات) أما الله سبحانه وتعالى فالازمنة والاحداث عنده كالكتاب المفتوح. الله يعلم بالماضي والحاضر والمستقبل فهو يعلم ماذا فعلنا وماذا نفعل وماذا سنفعل في أي وقت وفي اي لحظة.
كل ماذكر في نسبية المكان ونسبية الزمان هو توضيح لمفاهيم وضعها آينشتين لتكون تمهيدا للدخول إلى النظرية النسبية وفهم مضمونها وعندها ستكون الصورة واضحة .
منتديات تونيزيا كافيه
www.tunisia-cafe.com (http://www.tunisia-cafe.com/)