skippe
05-17-2009, 04:17 AM
مواقع جديدة واكتشافات هامة حول الحضارة القبصيّة
الصحافة ـ : محمد الهادف
تنسب الحضارة القبصية الى منطقة قفصة..ذلك ان اول الحفريات حول هذه الحضارة واكبرها قامت قرب هذه المدينة وانتشرت هذه الحضارة انتشارا واسعا واثرت في عدة حضارات اخرى وتعتبر مدينة قفصة من اقدم دلالات وجودها بآعتبار ان اول الاثار الموجودة بها تعود الى 8 الاف عام قبل ميلاد المسيح..وهي مكان ذو اعتبار استنادا الى الدراسات «القبتاريخية»(نسبة الى عصور ما قبل التاريخ) ليس فقط في تونس وانما بكامل منطقة شمال افريقيا وقياسا على ذلك فان مدينة قفصة في عصور ما قبل التاريخ هي بمكانة قرطاج في العصر القديم وبمكانة القيروان في العصر الوسيط..
حول تراث ما قبل التاريخ والرهانات الحضارية التنموية في تثمينه تمحورت محاول الملتقى الذي نظمته في اطار شهر التراث جمعية ملتقى قفصة الدولي لحضارات ما قبل التاريخ بشمال افريقيا والصحراء من 6 الى 10 ماي الجاري بالتعاون مع كرسي بن علي لحوار الحضارات والاديان وعمادة المهندسين المعماريين التونسيين ووحدة البحث للجنوب الغربي والتاريخ والمركز الوطني للخزف الفني بسيدي قاسم الجليزي بالعاصمة وبدعم من المندوبية الجهوية للثقافة والمحافظة على التراث بقفصة وبمساهمة نادي اليونسكو ولالكسو بقفصة..
الملتقى تضمن اضافة الى الجلسات العلمية ورشة في الخزف الفني الهدف منها التحسيس والتعريف بفنون الخزف والرسوم الجدارية والحفر بمشاركة طلبة من مركز الخزف الفني بسيدي قاسم الجليزي..كما اقيم بفضاء دار الثقافة ابن منظور معرض تونس ما قبل التاريخ من انتاج وكالة احياء التراث والتنمية الثقافية.
وتوزعت فعاليات الملتقى ايضا على فضاء العبيدي فيما يخص العروض السينمائية الوثائقية والزيارات الميدانية برمادية الدوالي والمتحف الاثري بقفصة.
اما محاور الملتقى فتمحورت حول حضارات ما قبل التاريخ في تونس: الرصيد الثقافي ماهيته واهميته وخصائصه وصيانة وتثمين هذا التراث : المناهج والوسائل والرهانات التنموية والحضارية لتثمين تراث ما قبل التاريخ اضافة الى جلسة ختامية ثملت حلقة نقاش وتلاوة الخلاصة والتوصيات..
في هذه الورقة نقدم عرضا لما جاء في المداخلات التي اهتمت بتدعيم رصيد البحوث والدراسات المتعلقة بالحضور البشري لما قبل التاريخ بتونس من خلال الاستكشافات التي تمت بمنطقة قفصة وبقية مناطق البلاد ومقارنتها بالبحوث السابقة على ان تتناول الورقة الثانية الجانب الحضاري والممارسات الثقافية والدينية للانسان القبصي وسبل تثمين تراث ما قبل التاريخ ببلادنا اضافة الى التوصيات والمقترحات العامة التي صدرت في اعقاب الملتقى .
من وحي ما قبل التاريخ
سجلت هذه الدورة الجديدة لملتقى قفصة الدولي حول حضارات ما قبل التاريخ مشاركة فاعلة للدكتور محمد حسين فنطر المشرف على كرسي بن علي لحوار الحضارات والاديان وقد كانت له مداخلة هامة في افتتاح الملتقى كان عنوانها «من وحي ما قبل التاريخ» مزج فيها الحقيقة العلمية التاريخية والتأمل الفلسفي الوجودي واستقراء الاساطير القديمة المتعلقة بأصل الكون وعلة النشوء..وتطور الوعي البشري واندماجه في محيطه البيئي..
فبعد استعراضه لبعض الاجناس البشرية التي اثبتت البحوث التاريخية وجودها على الارض فيما قبل التاريخ اهتم في مداخلته بالقبصيين الذين تفوقوا على سابقيهم من حيث الخلقة والقدرات المادية والفكر والوجدان وبيّن براعة الانسان القبصي في ابتكار ادوات والات من محيطه قبل ان ييمم اهتمامه الى النقوش والرسوم وقراءة رموزها وتيماتها وبين ان ذلك نوع من الشعور بقوة غيبية خالقة وفي قضية خلق الانسان استعرض النصوص الدينية ثم اساطير الاولين وخاصة المكتوبة منها.
وجاءت مداخلته مفعمة بالتساؤل الفلسفي والوجودي الديني تماهيا مع كنه اختصاص كرسي بن علي لحوار الحضارات والاديان ودفع بالسؤال الى مزيد البحث في هذا المحور وتعميق البحوث والدراسات حول اصول الانسان القبصي أب الحضارات الموجودة بشمال افريقيا والصحراء..كما ثمن الدكتور فنطر المشاركة الفاعلة للباحثين الشبان في الملتقى من خلال الدراسات المقدمة في حقل بها يعتبر من الجدة والصعوبة بمكان..
دراسات اولية للمواقع القبصية
في مداخلتها المعنونة بـ«دراسة اولية حول العصر الحجري الوسيط قامت الباحثة نبيهة عوادي عبد الجواد بتقديم مجموعة من العظام لحيوانات برية (مستحثات) والتي تم العثور عليها بموقع «وادي الباي» (الاحواض الرومانية) بقفصة لدى تنظيفها بين سنتي 1997 و 1998. هذه الحيوانات هي وحيد القرن والبقر الوحشي والخيول ومجموعة من الغزلان وبرانق النهر (فرس النهر) وتبين للباحثة بأنها كانت تعيش في جهة قفصة واصطادها الانسان البدائي وسوف تغني هذه الاكتشافات المتحف الاثري بقفصة ولا سيما فيما يخص ما قبل التاريخ.
اما الباحثة سنية حجري فقد تمحورت مداخلتها حول موقع اثار العصر الحجري الوسيط بتمغزة..درست فيها مجموعة من الادوات الصوانية المحفوظة بمتحف باردو والتي تم العثور عليها بجهة تمغزة من الناحية النوعية والتكنولوجية وتبين انها من الصنف النوبي..ومكنت الدراسة من اثبات وجود تأثير هذه الحضارة النوبية في شمال افريقيا.
الباحث زياد الجدي اهتم في مداخلته بالمواقع القبصية بسبخة سيدي الهاني ..ففي اطار القيام بعمليات استكشاف حول المناطق المجاورة لسبخة سيدي الهاني بهدف فهم الخصائص العامة لحضارات ما قبل التاريخ بالمنطقة تم الكشف على رمادتين الاولى بواد همدان والثانية بواد سيكروه.
وقد مكنت الدراسة الاولية للقى الاثرية (ادوات حجرية وبقايا عظام وبعض عناصر الزينة) من تكوين بعض الاستنتاجات حول الحضارة التي تركت اثرها بالجهة وهي الحضارة القبصية المتقدمة ..هذه الحضارة التي وجدت في حيز مجالي جديد لم تقع بها دراسات بحث اثرية في ما قبل التاريخ سابقا..
كما ساهمت الدراسة في توسيع مجال البحث حول تموقع الحضارة القبصية بالبلاد التونسية ومحاولة فهم اسباب تواجد الرمادية على ضفاف السبخة ومقارنتها بالمواقع الاخرى التي لها نفس خصائص التموقع (سبخة «حلق المنجل» بهرقلة وسبخة الكلبية بالقيروان).اضافة الى تسليط الضوء على الجهة (سبخة سيدي الهاني) مستقبلا حتى تحظى باهتمام اكثر في ابحاث المختصين فيما قبل التاريخ..وادراج الجهة في منظومة المعلومات للمواقع الاثرية بالبلاد التونسية.
فرضيات الاصول
«الهياكل البشرية الايبيرو مغربية: مصدر ثمين للمعلومات قصد معرفة فترة ما قبل التاريخ بشمال افريقيا» هو عنوان البحث الذي قدمته الباحثة ريم الكافي بن عتيق المكلفة بالبحوث بالمعهد الوطني للتراث وجاد في المداخلة بأن الانسان القبصي او انسان «مشتى العربي» باعت الحضارة الايبيرو مغربية استوطن سواحل شمال افريقيا في الحقبة الزمنية من العصر الحجري الممتدة من 23 الفا الى 10 الاف سنة.
وقد ظل انسان «مشتى العربي» محل جدل بين اطراف من عدة تخصصات وقد وقع طرح اربع فرضيات ترجح الفرضية الاولى الاصل الاوروبي لانسان مشتى العربي اما الثانية فترجع اصله الى الشرق الاوسط والثالثة تفترض ان اصله يعود الى الصحراء الكبرى والرابعة تقول بأن اصله هو من شمال افريقيا.
ومن اجل المساهمة في حل هذا الاشكال حول الاصل الذي ينحدر منه انسان «مشتى العربي» قامت الباحثة بدراسة الحامض النووي القديم المستخرج من هياكل عظمية بشرية عثر عليها بموقعين ايبرو مغربيين هما تانورالت بالمغرب وافالو بالجزائر..
اثبتت نتائج البحث غياب العنصر الجنوب الصحراوي في التراث الجيني للقينات المدروسة مما ساهم في استبعاد فرضية ارجاع اصول هذه الشعوب الى جنوب الصحراء الكبرى.
كما مكنت هذه النتائج من تحديد التسلسل الزمني للتيارات الهجرية القادمة من جنوب الصحراء الكبرى والتي تعود الى ما بعد 12 الف سنة.
الباحثة ريم الكافي بن عتيق لاحظت ان الانثرويولوجيا الجزئية الوراثية وبالخصوص دراسة الحامض النووي القديم اختصاص جديد على الصعيد الوطني والعربي وهذه اول مرة تدرس فيها التركيبة الجينية لشعوب ما قبل التاريخ بشمال افريقيا والوطن العربي.
مواقع جديدة واكتشافات هامة
الباحثة وفاء بن ضياء بلهوشات بينت في مداخلتها نتائج دراسة حول موقع بئر حميرية بالمتلوي من خلال مجموعة «اللقيات» (ما عثر عليه) الاثرية والتي تنتمي الى الفترتين القبصية الاولى والثانية.
وتوزعت المداخلة على عدة نقاط منها تقديم الموقع وتحديد مكانه بجهة المتلوي وتقديم مجموعة اللقيات التي وجدت به والمحفوظة حاليا بالمتحف الوطني بباردو واستنتجت الباحثة بأن موقع بئر حميرية هو موقع ثري ويبرز مميزات الحضارة القبصية في جميع فتراتها..كما استفدنا من البحث بأن المجموعة الحجرية هي من الصوان وهي لقية مميزة ومادتها الاولية بحال جيدة..
الباحث محمد السعيدي قدم في الملتقى نتائج عمليات اكتشافية بالرديف وأم العرائس ..وهي نتائج بحوث فردية وثنائية.
اولها ما تم اكتشافه بمنطقة ام العرائس من رسوم جدارية ونقوش كهوف ومعالم جلمودية تعود الى فترة ما قبل التاريخ وفجره..وتم اكتشافها بأم العرائس في اطار اعداد دكتوراه حول حضارات ما قبل التاريخ بالجهة..والتي تزخر بشواهد تدل على الحضور البشري خلال فترة ما قبل التاريخ مثل «الرماديات» والنقوش الفنية والتي تنزل ايضا في اطار علاقة القبص بالفن والدين في افريقيا الشمالية..وهذه المعالم تكتسي الى جانب اهميتها العلمية مكانة هامة لادراجها ضمن مسلك سياحي سيما وانها تقع ضمن اطار طبيعي جذاب وفريد كالجبال وعيون الماء..
ومن جهة اخرى وفي اطار بحثه حول الحضور الروماني بالجهة اكتشف الباحث موسى الطبابي معالم تعود الى الفترة الرومانية ظلت غير معروفة الى هذا التاريخ..
كما عثر الطبابي على رسوم جدارية لما قبل التاريخ ومن ثمة تم التنسيق مع محمد السعيدي الباحث في حضارات ما قبل التاريخ لاعداد دراسة حول هذه الاكتشافات وتم خلال الملتقى عرض صور لهذه الرسوم وجملة المعالم التي تجاورها والتي تؤكد بأن الجنوب الغربي التونسي ثري بهذا الصنف من المعالم وهذه الاكتشافات تجعلها حسب الباحث السعيدي تراجع لنظريات حول انتشار الرسوم الجدارية بالبلاد التونسية والى مزيد البحث العلمي من ناحية وامكانية توظيف هذا المخزون «القبتاريخي» في التنمية الثقافية والسياحية بالجهة.
الحضارة القبصية ومجالات البحث
«المحيط الهولوساني بتونس» هو عنوان المداخلة التي قدمتها الباحثة يسرى الدريدي وتمحورت حول اعادة تصور المحيط خلال العهد الهولوساني والذي يمثل الفترة الاخيرة للعصر الجيولوجي الاخير ويمتد حوالي 10 الاف سنة قبل الميلاد..وهي فترة تميزت بارتفاع درجة الحرارة وارتفاع مستوى البحار.
ومن خلال الدراسة التي اتت فيها على اهم خصائص العهد الهولوساني ونوعية البحوث التي تعلقت فيما يخص المناخ وعلاقة الانسان بالمحيط والحيوانات ومكانة الحضارة القبصية في العشر الالفيات الاخيرة قبل الميلاد.
اما الباحثة امنة بلغيث فقد عنيت في دراستها بدراسة ملامح الحضور اللوبي بمنطقة قفصة وماجاورها.
وقد اثبتت الباحثة بأن دراسة الحضور البشري بمنطقة قفصة وما جاورها هو ثمرة مجهودات العديد من الباحثين في شتى المجالات والفترات التاريخية بالنسبة لفترة فجر التاريخ وتحديدا فترة الحضور اللوبي.
فقد ظهرت نتائج العديد من الدراسات الاستكشافية ولتتبع الحضور اللوبي بمناطق اخرى قامت الباحثة بمقارنة للمعالم اللوبية بجهة الوسط الغربي بالاعتماد على دراسات ونتائج استكشافات سابقة لاطلس ما قبل التاريخ ودراسات الصادق بعزيز واخرى مثل خارطة جبل سمامة لسميرة السهيلي.
ومضت امنة بلغيث في الحديث عن هذا الحضور اللوبي بقفصة واصناف المعالم اللوبية كالمعالم المنقورة في الصخر والبازينات والشوشات والتلال الجنائزية والجدران المصفوفة.
وخلصت الى القول بأن ملامح هذا الحضور اللوبي يبين لنا الثراء المعماري الذي تزخر به المنطقة ويحيلنا الى عراقة الموروث الاثري بها ونظرا لطبيعية المواد المستعملة في الحجارة وللتوسع العمراني المتواصل ركزت الباحثة الاهتمام على بعض المعالم التي تدعو الحاجة الى حمايتها ويبقى مجال البحث في هذه الحضارة مفتوحا في العديد من المجالات الاخرى.
الصحافة ـ : محمد الهادف
تنسب الحضارة القبصية الى منطقة قفصة..ذلك ان اول الحفريات حول هذه الحضارة واكبرها قامت قرب هذه المدينة وانتشرت هذه الحضارة انتشارا واسعا واثرت في عدة حضارات اخرى وتعتبر مدينة قفصة من اقدم دلالات وجودها بآعتبار ان اول الاثار الموجودة بها تعود الى 8 الاف عام قبل ميلاد المسيح..وهي مكان ذو اعتبار استنادا الى الدراسات «القبتاريخية»(نسبة الى عصور ما قبل التاريخ) ليس فقط في تونس وانما بكامل منطقة شمال افريقيا وقياسا على ذلك فان مدينة قفصة في عصور ما قبل التاريخ هي بمكانة قرطاج في العصر القديم وبمكانة القيروان في العصر الوسيط..
حول تراث ما قبل التاريخ والرهانات الحضارية التنموية في تثمينه تمحورت محاول الملتقى الذي نظمته في اطار شهر التراث جمعية ملتقى قفصة الدولي لحضارات ما قبل التاريخ بشمال افريقيا والصحراء من 6 الى 10 ماي الجاري بالتعاون مع كرسي بن علي لحوار الحضارات والاديان وعمادة المهندسين المعماريين التونسيين ووحدة البحث للجنوب الغربي والتاريخ والمركز الوطني للخزف الفني بسيدي قاسم الجليزي بالعاصمة وبدعم من المندوبية الجهوية للثقافة والمحافظة على التراث بقفصة وبمساهمة نادي اليونسكو ولالكسو بقفصة..
الملتقى تضمن اضافة الى الجلسات العلمية ورشة في الخزف الفني الهدف منها التحسيس والتعريف بفنون الخزف والرسوم الجدارية والحفر بمشاركة طلبة من مركز الخزف الفني بسيدي قاسم الجليزي..كما اقيم بفضاء دار الثقافة ابن منظور معرض تونس ما قبل التاريخ من انتاج وكالة احياء التراث والتنمية الثقافية.
وتوزعت فعاليات الملتقى ايضا على فضاء العبيدي فيما يخص العروض السينمائية الوثائقية والزيارات الميدانية برمادية الدوالي والمتحف الاثري بقفصة.
اما محاور الملتقى فتمحورت حول حضارات ما قبل التاريخ في تونس: الرصيد الثقافي ماهيته واهميته وخصائصه وصيانة وتثمين هذا التراث : المناهج والوسائل والرهانات التنموية والحضارية لتثمين تراث ما قبل التاريخ اضافة الى جلسة ختامية ثملت حلقة نقاش وتلاوة الخلاصة والتوصيات..
في هذه الورقة نقدم عرضا لما جاء في المداخلات التي اهتمت بتدعيم رصيد البحوث والدراسات المتعلقة بالحضور البشري لما قبل التاريخ بتونس من خلال الاستكشافات التي تمت بمنطقة قفصة وبقية مناطق البلاد ومقارنتها بالبحوث السابقة على ان تتناول الورقة الثانية الجانب الحضاري والممارسات الثقافية والدينية للانسان القبصي وسبل تثمين تراث ما قبل التاريخ ببلادنا اضافة الى التوصيات والمقترحات العامة التي صدرت في اعقاب الملتقى .
من وحي ما قبل التاريخ
سجلت هذه الدورة الجديدة لملتقى قفصة الدولي حول حضارات ما قبل التاريخ مشاركة فاعلة للدكتور محمد حسين فنطر المشرف على كرسي بن علي لحوار الحضارات والاديان وقد كانت له مداخلة هامة في افتتاح الملتقى كان عنوانها «من وحي ما قبل التاريخ» مزج فيها الحقيقة العلمية التاريخية والتأمل الفلسفي الوجودي واستقراء الاساطير القديمة المتعلقة بأصل الكون وعلة النشوء..وتطور الوعي البشري واندماجه في محيطه البيئي..
فبعد استعراضه لبعض الاجناس البشرية التي اثبتت البحوث التاريخية وجودها على الارض فيما قبل التاريخ اهتم في مداخلته بالقبصيين الذين تفوقوا على سابقيهم من حيث الخلقة والقدرات المادية والفكر والوجدان وبيّن براعة الانسان القبصي في ابتكار ادوات والات من محيطه قبل ان ييمم اهتمامه الى النقوش والرسوم وقراءة رموزها وتيماتها وبين ان ذلك نوع من الشعور بقوة غيبية خالقة وفي قضية خلق الانسان استعرض النصوص الدينية ثم اساطير الاولين وخاصة المكتوبة منها.
وجاءت مداخلته مفعمة بالتساؤل الفلسفي والوجودي الديني تماهيا مع كنه اختصاص كرسي بن علي لحوار الحضارات والاديان ودفع بالسؤال الى مزيد البحث في هذا المحور وتعميق البحوث والدراسات حول اصول الانسان القبصي أب الحضارات الموجودة بشمال افريقيا والصحراء..كما ثمن الدكتور فنطر المشاركة الفاعلة للباحثين الشبان في الملتقى من خلال الدراسات المقدمة في حقل بها يعتبر من الجدة والصعوبة بمكان..
دراسات اولية للمواقع القبصية
في مداخلتها المعنونة بـ«دراسة اولية حول العصر الحجري الوسيط قامت الباحثة نبيهة عوادي عبد الجواد بتقديم مجموعة من العظام لحيوانات برية (مستحثات) والتي تم العثور عليها بموقع «وادي الباي» (الاحواض الرومانية) بقفصة لدى تنظيفها بين سنتي 1997 و 1998. هذه الحيوانات هي وحيد القرن والبقر الوحشي والخيول ومجموعة من الغزلان وبرانق النهر (فرس النهر) وتبين للباحثة بأنها كانت تعيش في جهة قفصة واصطادها الانسان البدائي وسوف تغني هذه الاكتشافات المتحف الاثري بقفصة ولا سيما فيما يخص ما قبل التاريخ.
اما الباحثة سنية حجري فقد تمحورت مداخلتها حول موقع اثار العصر الحجري الوسيط بتمغزة..درست فيها مجموعة من الادوات الصوانية المحفوظة بمتحف باردو والتي تم العثور عليها بجهة تمغزة من الناحية النوعية والتكنولوجية وتبين انها من الصنف النوبي..ومكنت الدراسة من اثبات وجود تأثير هذه الحضارة النوبية في شمال افريقيا.
الباحث زياد الجدي اهتم في مداخلته بالمواقع القبصية بسبخة سيدي الهاني ..ففي اطار القيام بعمليات استكشاف حول المناطق المجاورة لسبخة سيدي الهاني بهدف فهم الخصائص العامة لحضارات ما قبل التاريخ بالمنطقة تم الكشف على رمادتين الاولى بواد همدان والثانية بواد سيكروه.
وقد مكنت الدراسة الاولية للقى الاثرية (ادوات حجرية وبقايا عظام وبعض عناصر الزينة) من تكوين بعض الاستنتاجات حول الحضارة التي تركت اثرها بالجهة وهي الحضارة القبصية المتقدمة ..هذه الحضارة التي وجدت في حيز مجالي جديد لم تقع بها دراسات بحث اثرية في ما قبل التاريخ سابقا..
كما ساهمت الدراسة في توسيع مجال البحث حول تموقع الحضارة القبصية بالبلاد التونسية ومحاولة فهم اسباب تواجد الرمادية على ضفاف السبخة ومقارنتها بالمواقع الاخرى التي لها نفس خصائص التموقع (سبخة «حلق المنجل» بهرقلة وسبخة الكلبية بالقيروان).اضافة الى تسليط الضوء على الجهة (سبخة سيدي الهاني) مستقبلا حتى تحظى باهتمام اكثر في ابحاث المختصين فيما قبل التاريخ..وادراج الجهة في منظومة المعلومات للمواقع الاثرية بالبلاد التونسية.
فرضيات الاصول
«الهياكل البشرية الايبيرو مغربية: مصدر ثمين للمعلومات قصد معرفة فترة ما قبل التاريخ بشمال افريقيا» هو عنوان البحث الذي قدمته الباحثة ريم الكافي بن عتيق المكلفة بالبحوث بالمعهد الوطني للتراث وجاد في المداخلة بأن الانسان القبصي او انسان «مشتى العربي» باعت الحضارة الايبيرو مغربية استوطن سواحل شمال افريقيا في الحقبة الزمنية من العصر الحجري الممتدة من 23 الفا الى 10 الاف سنة.
وقد ظل انسان «مشتى العربي» محل جدل بين اطراف من عدة تخصصات وقد وقع طرح اربع فرضيات ترجح الفرضية الاولى الاصل الاوروبي لانسان مشتى العربي اما الثانية فترجع اصله الى الشرق الاوسط والثالثة تفترض ان اصله يعود الى الصحراء الكبرى والرابعة تقول بأن اصله هو من شمال افريقيا.
ومن اجل المساهمة في حل هذا الاشكال حول الاصل الذي ينحدر منه انسان «مشتى العربي» قامت الباحثة بدراسة الحامض النووي القديم المستخرج من هياكل عظمية بشرية عثر عليها بموقعين ايبرو مغربيين هما تانورالت بالمغرب وافالو بالجزائر..
اثبتت نتائج البحث غياب العنصر الجنوب الصحراوي في التراث الجيني للقينات المدروسة مما ساهم في استبعاد فرضية ارجاع اصول هذه الشعوب الى جنوب الصحراء الكبرى.
كما مكنت هذه النتائج من تحديد التسلسل الزمني للتيارات الهجرية القادمة من جنوب الصحراء الكبرى والتي تعود الى ما بعد 12 الف سنة.
الباحثة ريم الكافي بن عتيق لاحظت ان الانثرويولوجيا الجزئية الوراثية وبالخصوص دراسة الحامض النووي القديم اختصاص جديد على الصعيد الوطني والعربي وهذه اول مرة تدرس فيها التركيبة الجينية لشعوب ما قبل التاريخ بشمال افريقيا والوطن العربي.
مواقع جديدة واكتشافات هامة
الباحثة وفاء بن ضياء بلهوشات بينت في مداخلتها نتائج دراسة حول موقع بئر حميرية بالمتلوي من خلال مجموعة «اللقيات» (ما عثر عليه) الاثرية والتي تنتمي الى الفترتين القبصية الاولى والثانية.
وتوزعت المداخلة على عدة نقاط منها تقديم الموقع وتحديد مكانه بجهة المتلوي وتقديم مجموعة اللقيات التي وجدت به والمحفوظة حاليا بالمتحف الوطني بباردو واستنتجت الباحثة بأن موقع بئر حميرية هو موقع ثري ويبرز مميزات الحضارة القبصية في جميع فتراتها..كما استفدنا من البحث بأن المجموعة الحجرية هي من الصوان وهي لقية مميزة ومادتها الاولية بحال جيدة..
الباحث محمد السعيدي قدم في الملتقى نتائج عمليات اكتشافية بالرديف وأم العرائس ..وهي نتائج بحوث فردية وثنائية.
اولها ما تم اكتشافه بمنطقة ام العرائس من رسوم جدارية ونقوش كهوف ومعالم جلمودية تعود الى فترة ما قبل التاريخ وفجره..وتم اكتشافها بأم العرائس في اطار اعداد دكتوراه حول حضارات ما قبل التاريخ بالجهة..والتي تزخر بشواهد تدل على الحضور البشري خلال فترة ما قبل التاريخ مثل «الرماديات» والنقوش الفنية والتي تنزل ايضا في اطار علاقة القبص بالفن والدين في افريقيا الشمالية..وهذه المعالم تكتسي الى جانب اهميتها العلمية مكانة هامة لادراجها ضمن مسلك سياحي سيما وانها تقع ضمن اطار طبيعي جذاب وفريد كالجبال وعيون الماء..
ومن جهة اخرى وفي اطار بحثه حول الحضور الروماني بالجهة اكتشف الباحث موسى الطبابي معالم تعود الى الفترة الرومانية ظلت غير معروفة الى هذا التاريخ..
كما عثر الطبابي على رسوم جدارية لما قبل التاريخ ومن ثمة تم التنسيق مع محمد السعيدي الباحث في حضارات ما قبل التاريخ لاعداد دراسة حول هذه الاكتشافات وتم خلال الملتقى عرض صور لهذه الرسوم وجملة المعالم التي تجاورها والتي تؤكد بأن الجنوب الغربي التونسي ثري بهذا الصنف من المعالم وهذه الاكتشافات تجعلها حسب الباحث السعيدي تراجع لنظريات حول انتشار الرسوم الجدارية بالبلاد التونسية والى مزيد البحث العلمي من ناحية وامكانية توظيف هذا المخزون «القبتاريخي» في التنمية الثقافية والسياحية بالجهة.
الحضارة القبصية ومجالات البحث
«المحيط الهولوساني بتونس» هو عنوان المداخلة التي قدمتها الباحثة يسرى الدريدي وتمحورت حول اعادة تصور المحيط خلال العهد الهولوساني والذي يمثل الفترة الاخيرة للعصر الجيولوجي الاخير ويمتد حوالي 10 الاف سنة قبل الميلاد..وهي فترة تميزت بارتفاع درجة الحرارة وارتفاع مستوى البحار.
ومن خلال الدراسة التي اتت فيها على اهم خصائص العهد الهولوساني ونوعية البحوث التي تعلقت فيما يخص المناخ وعلاقة الانسان بالمحيط والحيوانات ومكانة الحضارة القبصية في العشر الالفيات الاخيرة قبل الميلاد.
اما الباحثة امنة بلغيث فقد عنيت في دراستها بدراسة ملامح الحضور اللوبي بمنطقة قفصة وماجاورها.
وقد اثبتت الباحثة بأن دراسة الحضور البشري بمنطقة قفصة وما جاورها هو ثمرة مجهودات العديد من الباحثين في شتى المجالات والفترات التاريخية بالنسبة لفترة فجر التاريخ وتحديدا فترة الحضور اللوبي.
فقد ظهرت نتائج العديد من الدراسات الاستكشافية ولتتبع الحضور اللوبي بمناطق اخرى قامت الباحثة بمقارنة للمعالم اللوبية بجهة الوسط الغربي بالاعتماد على دراسات ونتائج استكشافات سابقة لاطلس ما قبل التاريخ ودراسات الصادق بعزيز واخرى مثل خارطة جبل سمامة لسميرة السهيلي.
ومضت امنة بلغيث في الحديث عن هذا الحضور اللوبي بقفصة واصناف المعالم اللوبية كالمعالم المنقورة في الصخر والبازينات والشوشات والتلال الجنائزية والجدران المصفوفة.
وخلصت الى القول بأن ملامح هذا الحضور اللوبي يبين لنا الثراء المعماري الذي تزخر به المنطقة ويحيلنا الى عراقة الموروث الاثري بها ونظرا لطبيعية المواد المستعملة في الحجارة وللتوسع العمراني المتواصل ركزت الباحثة الاهتمام على بعض المعالم التي تدعو الحاجة الى حمايتها ويبقى مجال البحث في هذه الحضارة مفتوحا في العديد من المجالات الاخرى.