sisko education
04-30-2012, 06:30 PM
مخاطر التسلّط والعنف الأسري
مخاطر التسلّط الأسري
مقدمة
يعاني معظم الأطفال من حالات تسلط أسرية متفاوتة ، يصل بعضها الى حد العنف الاسري النفسي الأقوى من البدني و قد تبقى معظم الحالات في منطقة وسطى ، متذبذبة حسب الحالات و المواقف ، في هذا التقرير سوف نحاول اختصار الاسباب و الخلفيات الداعية الى مثل هذه الظاهرة التي تكثر في مجتمعات الشرق الاسلامية و العربية ، بعضهم يحيلها الى سطوة الدين ، والبعض الاخر يحيلها الى أسبابٍ تتمثل بالحالة السياسية التي تعيشها بلاد الشرق و أوضاعها الاجتماعية و البعض يُرجعها الى عقليات و سلوكيات الآباء و الأمهات و المفكرين و المربين في المجتمع الانساني الشرقي و الغربي .
(2)
ماهي التنشئة الاجتماعية ؟
التنشئة الاجتماعية مصطلح يشير إلى العملية التي عن طريقها ومن خلال الاتصال مع البشر الآخرين يصبح الفرد مدركاً لذاته، وإنساناً ذو معرفة ومهارات في طرق ثقافة وبيئة معينتين.
بدون التنشئة الاجتماعية من الصعب أن يصبح الفرد البشرى كائناً اجتماعيا، وقد أثبتت الكثير من التجارب ذلك. مثال لتلك التجارب ما يعرف ” بالولد المتوحش من أفيرون ” والذي عثر عليه في جنوب فرنسا في عام 1800
المثال الثاني “جيني” فتاة كاليفورنيا والتي حبست في غرفة عندما كان عمرها عاماً ونصف العام حتى بلغت سن الثالثة عشر وقد وصفها أحد الأطباء النفسانيين بأنها “غير اجتماعية، بدائية وبصعوبة يمكن وصفها من البشر “. لاحقاً تعلمت أن تأكل بصورة طبيعية كما تعلمت استخدام الحمام واحتملت أن تلبس مثل الأطفال العاديين لكن مقدراتها اللغوية لم تتجاوز أبداً مقدرات طفل في الثالثة أو الرابعة من العمر.
أدوات التنشئة الاجتماعية ?
أدوات التنشئة هي جماعات أو أطر قائمة تحدث داخلها عمليات مهمة من التنشئة الاجتماعية. وتنقسم التنشئة الاجتماعية إلى نوعين أساسين:
* التنشئة الأساسية:تحدث أثناء الطفولة وتمثل مرحلة مؤثرة من التعلم الثقافي، وتعتبر الأسرة أداة التنشئة الأهم في هذه المرحلة.
* التنشئة الثانوية:وتحدث في مرحلة الطفولة المتأخرة وبداية مرحلة النضج. وأدوات التنشئة الرئيسية في هذه المرحلة هي: المدرسة، جماعات الأنداد، المنظمات، وسائل الإعلام وأماكن العمل.
من الجوانب المهمة في عملية التنشئة الاجتماعية والتي تكتسب اهتماماً متزايداً في العصر الحديث ما يعرف بتنشئة النوع، والتي تعنى تعلم أدوار النوع ـ ذكر/ أنثى ـ من خلال أدوات التنشئة الاجتماعية.
(4)
كيف ينشأ التسلط الأسري ؟
الأسرة وحدة إجتماعية تنتمي إلى طبقة إجتماعية ، تتفاعل مع أجواء المجتمع و ثقافته لكنها تبقى محافظة على خصوصيتها.
يغلب على الثقافة الأسرية ، أن ينجبون أطفالاً بحكم القدر ، فيضعونهم تحت مجهر الجهل و عدسة التسلط ! ينتظرون منهم السمع والطاعة ، و الامتثال لكل ما يُقال لهم في البيت و المدرسة و المجتمع ، بل انهم ينتظرون منهم تنفيذ و تحقيق آمالهم المحبطة، تلك التي لم يستطيعوا هم تحقيقها، و قد يرغبون في استنساخ نماذج مكررة عنه كأب و عن الأم بالنسبة للفتاة سواء من حيث السلوك والمهنة وحتى في نمط التفكير و الميول !
ثم حينما لا تتطابق تلك الصورة التي ينتظرونها من أبنائهم مع الصورة الفعلية لهم ينشأ الإرهاب التربوي و التسلط الأبوي ، وهو أقصر و أسهل الطرف لإجبار هذه الكينونة البشرية على أن تنقلب بصورة مصطنعة و تتقمص أدواراً غير سوية .
(5)
تنقسم سلطة الأهل الى شكلين أساسيين:-
1- سلطة قهرية .
2- سلطة عقلية.
تقوم السلطة القهرية على مبدأ الطاعة، بينما تقوم السلطة العقلية على مبدأ التفاهم. و من الشائع أنّ السلطة – أياً كانت – يصاحبها – غالباً – عنف نفسي أو جسدي .
إنّ العنف الذي يمارس في الأسرة يأخذ أبعاداً إجتماعية تتجاوز ما يمكن أن يلتقطه الانسان للوهلة الاولى ، فـ”الأسرة لا تلبي إحتياجات الكبار في المحافظة على سلطتهم فحسب ولكنها تلبي أيضاً إحتياجات أرباب المؤسسات الإجتماعية الأخرى”. وعلى هذا الأساس تتم عملية إعادة إنتاج القهر والتسلّط والعبودية في المجتمع بصورة واضحة و ينتج عن هذا توالد و استمرار تناسخ نماذج تسلطية في المجتمع تدفع به نحو الوراء و في أفضل حالاته يبقى مكانه !
اذن فان الاباء المتسلطون كما يذكر الدارسون ، ينتمون إلى بيئة تربوية متسلّطة وإلى أسر متسلّطة تمارس العنف والإكراه في العملية التربوية. لذلك فإنّ هذه الممارسات تنبع وتتدفق عفوياً من دواخلهم. فالخبرات التربوية القاسية التي عاشها الآباء في طفولتهم تشكل منطلق الممارسات التربوية الجلفاء في مرحلة المراهقة و الرجولة والكهولة.
وغالباً ما يكون الأطفال والأبناء وأحياناً الزوجات ضحايا تلك الممارسات التربوية القاسية لهؤلاء الآباء (الإنفجارات العصبية التي تأخذ مسار التفريغ السيكولوجي) وفي هذا المجال تشير دراسات متعددة إلى أنّ الآباء الذي يعانون إضطرابات نفسية هم غالباً هؤلاء الذين يمارسون الطغيان والإستبداد وتنسحب هذه الحالة على وضعية الأُمّهات اللواتي يفتقدن الى الاحتواء و المكانة الاجتماعية فيلجأن الى استخدام السلطة على من تحت أيديهم لتعزيز إحساسهنّ بالوجود و اثبات أنفسهن بالطريقة الخطأ، فهنّ عاطفيات إلى حد التملك، يرفضن أن يمنحن أطفالهنّ استقلالهم او تسليمهم زمام الأمور او السماح لهم بأية مبادرة من أي نوع كانت .
اذن تنشأ العملية التربوية التسلطية هذه من خلفيات ثقافية تتمثل في مبادئ تربوية تقليديةوانّ الطفل راشد صغير له ما للكبير من قدرات وبخاصة على المستوى الأخلاقي و تزداد حالة الطفل بؤسا حينما يكون على قدر من الذكاء و قوة الشخصية بحيث يطرح تساؤلات أو يطالب بأمور قد تثير حفيظة الاهل المتسلطين فيلجؤون الى قمعه و هزّ شخصيته و افقاده ثقته بنفسه فلا يستطيع أن يواجههم بعد ذلك بأخطائهم ،
بإختصار، تفتقر الأجواء التربوية التسلطية إلى العلاقات الإنسانية السليمة و العواطف البشرية الدافئة، فنشأ بين أفراد هذه الأسر حواجز نفسية وإجتماعية وأخلاقية تدفع الطفل إلى مزيد من أحاسيس البؤس والشقاء والعدمية.
و ضحايا العنف التربوي، لا يمثلون نموذجاً واحداً، وذلك لأنّ النتائج النفسية للعنف مرهونة بالوضعية والشروط التي يوجد فيها العنف نفسه.
لدينا إذن مجموعتين من العقوبات التي يتأسس عليها التسلّط التربوي، وهما:
1- أساليب العقاب البدني والفيزيائي مثل: الضرب بأشكاله المختلفة وبأدواته المتنوعة، الحرمان، السجن والمنع،.
2- خلق المخاوف عند الطفل و خرق شعوره بالأمان عن طريق الكائنات الخرافية و الاساطير المرعبة و أساليب القمع النفسية مثل: الإزدراء، الإحتقار، الامتهان، السخرية، التهكم، التبخيس، أحكام الدونية، التخويف والحرمان وهي أساليب أكثر خطراً من أثر العقوبات الجسدية في التأثير في شخصية الطفل وهدمها.
فبعض الآباء والأُمّهات يبحثون عن أخطاء الطفل ويبدون ملاحظات نقدية هدّامة لسلوكه، مما يفقد الطفل ثقته بنفسه، ويجعله متردداً في أي عمل يقدم عليه خوفاً من حرمانه من رضا الكبار وحبهم. ويعامل بعض الآباء أطفالهم بروح القسوة والتعسف ظناً منهم أنّ هذه القسوة تصلح من شأنهم وحالهم، وهم لا يعرفون بأنّ ذلك يفقد الطفل تدريجياً أهم مقومات تكامله النفسي ونموه الإنفعالي والعقلي.
وقد تتحد جهود المدرسة و الاسرة التربوية في تكريس حالة التسلط التربوي ، حيث لا يسمح للأطفال لا في المدرسة و لا في الأسرة بإبداء آرائهم أو توجيه إنتقاداتهم ، و تكون العصا أو أساليب القمع النفسية متوفرة و جاهزة للصراخ و تدمير كيان الطفل البريء و مسخ شخصيته !
(6)
أثر التسلط في خلق علاقات اجتماعية متطرفة و نماذج منحرفة :-
- العلاقات القائمة في بيئة التسلّط هي علاقات قوامها التباين بين أطراف هذه العلاقة ، بين الكبير والصغير، بين القوي والضعيف، بين السيد والمسود، بين الغالب والمغلوب، بين الآمر والمأمور ، بين الذكر و الأنثى ، مما يقصي العلاقات الندّية الطبيعية السويّة التي تكوّن أجواء الابداع و الانجاز و الانتاج في الاسرة و المجتمع ، مما يؤخر المجتمع سنين الى الوراء ، و تتفشى حالات الفساد و ترتفع نسب الاجرام ، فحينما لا يجد الفرد ضمانات و قوانين تحفظ له حقوقه ، فانه يعمد الى اساليب غير مشروعة و غير قانونية و غير اخلاقية ، و من ثم يعاقبه المجتمع على خطيئة أكبر من أن يتحمّلها وحده .
(7)
دراسات حول واقع التسلط الاسري في العالم العربي !
بيّنت نتائج دراسة أجراها مركز مكافحة الجريمة في وزارة الداخلية السعودية أن 21 في المائة من الأطفال السعوديين يتعرضون للإيذاء، وأن نسبة مَن وقع الإيذاء عليهم من الأم بلغت 74 في المائة، وأن الأطفال من سن سنتين فأقل هم الأكثر تعرضاً للعنف، وأن أكثر أنواع الإيذاء هو النفسي، يليه البدني، ثم الإهمال، ثم الحرمان.
كما أسفرت نتائج رسالة دكتوراه أعدتها د. سلمى سيبيه حول العنف الأسري، وأجرتها على عينة من مدينة الرياض السعودية أن أهم أسباب العنف العنف الأسري قلة الوازع الديني، والانشغال بالأمور الخاصة وترك رعاية الأطفال للخادمة، والكراهية بين الوالدين، والإدمان، والكبت الجنسي، ومشاكل العمل، وجهل الأم، وعدم إشباع حاجات الطفل العاطفية في صغره، ووجود المواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية التي تشجع على العنف.
وفي سورية، أظهرت نتائج دراسة أجريت على عينة من 400 عائلة حول أساليب التنشئة الأسرية أن الأسلوب الرئيسي المستخدم هو المزج بين الشدة والتدليل، وأن 57 في المائة من الآباء يستخدم الضرب وسيلة أساسية في تربية الأطفال
وبينت نتائج دراسة أخرى أجريت في محافظة القنيطرة السورية شيوع استخدام أسلوب الضرب ضد الأطفال، وأن الأمهات أكثر ميلاً لاستخدام الضرب ضد الأطفال من الآباء
كما بينت دراسة شملت 300 أم في ثماني دول خليجية أن 43 في المائة منهن يستخدمن التوبيخ عند تبول الطفل، ويستخدمن الضرب عند إخراجه أثناء النوم، وأن 51 في المائة منهن يؤمن بأهمية التربية التسلطية، وأن 41 في المائة منهن يشدن باللجوء للعقاب البدني (وطفة، 1999-ب).
وأظهرت نتائج دراسة قطرية أجرتها الغانم على عينة من 2365 طالبة في جامعة قطر أن 52 في المائة منهن تعرضن للضرب، وأن 20 في المائة واجهن التحرش الجنسي، وأن 14 في المائة تعرضن للإغتصاب، وأن 40 في المائة لا يسمح لهن بإبداء آرائهن، وأن 44 في المائة أوذين بالشتم والإهانة، وأن 60 في المائة من حالات التحرش الجنسي تحدث في الطفولة.(8)
النتائج النفسية على الطفل الذي ينشأ في جو متسّلط :-
من غير أدنى شك أنّ التسلط التربوي ينمي في الشخصية قيما لا أخلاقية سوداوية ، مثل البغضاء، الضغينة، الجمود، الكراهية، القلق، الخجل، الإضطراب، الإثم، مركب النقص، فقدان القدرة على التكيف، الإتكالية وروح الإنهزام.
أما على صعيد المعرفة فلا يمكن مطلقا لهذه التربية أن تنمي في الإنسان القدرة على الإبداع وحب التحصيل أو الميل إلى تأكيد الذات وحضورها ، بل على العكس سوف تجعل محاولاته لاثبات وجوده تعكس وجود أمراض و انحرافات و عقد نفسية اصلها و سبب نشأتها التسلط !
تربية الإكراه والتسلّط تؤدي حتماً إلى عملية هدم في الشخصية، وإلى حالة أزمة متواصلة ومستمرة تفقد فيها الشخصية مشاعر الإحساس بالأمن والإنتماء والثقة إلخ…
إنّ التربية التي تقوم على العُنف، والتعسُّف، والقهر، والتسلُّط، ومصادرة الحريّة و منع المبادرات، هي أقصر الطرق لتحطيم الفرد و مسخ انسانيته، وتدمير المجتمع ، و خلق ثغرات لا يمكن سدّها .
كما تسهم السلطوية التربوية في تنمية النزعة الفردية والأنانية عند الأطفال. و فرض الخضوع، وزرع الخوف، وإكساب الشعور بالضعف، والذنب، والعجز، والنقص، وعدم الثقة بالنفس.و تعمل على تعزيز إنطواء الفرد وإنزواؤه، وربما انسحابه من ميدان الحياة الاجتماعية.و تعزز صعوبات تكوين شخصيته المستقلة ذات المبادرة الحرة و تضعف قدرته على التعبير عن نفسه و أحلامه و طموحاته و ستنشأ كراهية السلطة في نفسه بشكل عام، وسلطة الوالدين بشكل خاص.
(9)
ما الفرق بين السلطوية و التربية ؟
التربية تسعى إلى تفجير طاقات الفرد، بينما يعمل القهر على قتلها و كبتها و منعها من الظهور بأساليب مباشرة او غير مباشرة كالمنع المباشر او التحقير من شأن الانجاز او العمل .
التربية تسعى إلى بناء شخصية الإنسان بشكل متكامل و متوازن و طبيعي ، في حين يعمل الاضطهاد على انتاج شخصية ضعيفة، ومشوهة، ومضطربة، وغير متوازنة.
تضع التربية ضمن أولوياتها إعداد الفرد المفكر، والمبدع، والمتفوق ، بينما يسعى القهر و التسلط و السلطوية الى اتباع ما يسميه البعض بـــ “نهج اغتيال العقول والنفوس” ، تقويض مهارات الإنسان، وشل قدراته، وتعطيل طاقاته، والحد من إبداعه، لذا فإن الوعي بالسلطوية في الميدان التربوي خطوة مهمة نحو التخلص منها، وتحرير الفرد والمجتمع.
وقد أشارت الدكتورة إيمان السيد إلى أن التسلط على الطفل يقود إلى نتائج سلبية وخيمة منها انخفاض التحصيل الدراسي، والاكتئاب، والشعور بالذنب، والخجل، واختلال الصورة الذاتية، والعزلة، وضعف الثقة بالنفس، واضطراب النوم، وضعف التركيز، والشعور بالعدوان المضاد، والتحول نحو الإجرام، وغيرها. وبعد أن يتعرض الطفل لهذه السلبيات أو بعضها، ويصبح مضاداً للأسرة والمجتمع، . (http://www.tunisia-cafe.com/vb/index.php)
(10)
الخلاصة
هل كل ممارسة للسلطة تعتبر تسلطا؟
السلطة، مهما تكن ضرورتها أو شرعيتها، تغري مَن يمتلكها بممارسة التعسف والعنف، وهو شعور يتملّك ممارسها، وأنّ العنف هو بالضرورة حصاد هذه هذا العمل والعنف النفسي يفوق البدني بالتأثير على المدى الطويل
مخاطر التسلّط الأسري
مقدمة
يعاني معظم الأطفال من حالات تسلط أسرية متفاوتة ، يصل بعضها الى حد العنف الاسري النفسي الأقوى من البدني و قد تبقى معظم الحالات في منطقة وسطى ، متذبذبة حسب الحالات و المواقف ، في هذا التقرير سوف نحاول اختصار الاسباب و الخلفيات الداعية الى مثل هذه الظاهرة التي تكثر في مجتمعات الشرق الاسلامية و العربية ، بعضهم يحيلها الى سطوة الدين ، والبعض الاخر يحيلها الى أسبابٍ تتمثل بالحالة السياسية التي تعيشها بلاد الشرق و أوضاعها الاجتماعية و البعض يُرجعها الى عقليات و سلوكيات الآباء و الأمهات و المفكرين و المربين في المجتمع الانساني الشرقي و الغربي .
(2)
ماهي التنشئة الاجتماعية ؟
التنشئة الاجتماعية مصطلح يشير إلى العملية التي عن طريقها ومن خلال الاتصال مع البشر الآخرين يصبح الفرد مدركاً لذاته، وإنساناً ذو معرفة ومهارات في طرق ثقافة وبيئة معينتين.
بدون التنشئة الاجتماعية من الصعب أن يصبح الفرد البشرى كائناً اجتماعيا، وقد أثبتت الكثير من التجارب ذلك. مثال لتلك التجارب ما يعرف ” بالولد المتوحش من أفيرون ” والذي عثر عليه في جنوب فرنسا في عام 1800
المثال الثاني “جيني” فتاة كاليفورنيا والتي حبست في غرفة عندما كان عمرها عاماً ونصف العام حتى بلغت سن الثالثة عشر وقد وصفها أحد الأطباء النفسانيين بأنها “غير اجتماعية، بدائية وبصعوبة يمكن وصفها من البشر “. لاحقاً تعلمت أن تأكل بصورة طبيعية كما تعلمت استخدام الحمام واحتملت أن تلبس مثل الأطفال العاديين لكن مقدراتها اللغوية لم تتجاوز أبداً مقدرات طفل في الثالثة أو الرابعة من العمر.
أدوات التنشئة الاجتماعية ?
أدوات التنشئة هي جماعات أو أطر قائمة تحدث داخلها عمليات مهمة من التنشئة الاجتماعية. وتنقسم التنشئة الاجتماعية إلى نوعين أساسين:
* التنشئة الأساسية:تحدث أثناء الطفولة وتمثل مرحلة مؤثرة من التعلم الثقافي، وتعتبر الأسرة أداة التنشئة الأهم في هذه المرحلة.
* التنشئة الثانوية:وتحدث في مرحلة الطفولة المتأخرة وبداية مرحلة النضج. وأدوات التنشئة الرئيسية في هذه المرحلة هي: المدرسة، جماعات الأنداد، المنظمات، وسائل الإعلام وأماكن العمل.
من الجوانب المهمة في عملية التنشئة الاجتماعية والتي تكتسب اهتماماً متزايداً في العصر الحديث ما يعرف بتنشئة النوع، والتي تعنى تعلم أدوار النوع ـ ذكر/ أنثى ـ من خلال أدوات التنشئة الاجتماعية.
(4)
كيف ينشأ التسلط الأسري ؟
الأسرة وحدة إجتماعية تنتمي إلى طبقة إجتماعية ، تتفاعل مع أجواء المجتمع و ثقافته لكنها تبقى محافظة على خصوصيتها.
يغلب على الثقافة الأسرية ، أن ينجبون أطفالاً بحكم القدر ، فيضعونهم تحت مجهر الجهل و عدسة التسلط ! ينتظرون منهم السمع والطاعة ، و الامتثال لكل ما يُقال لهم في البيت و المدرسة و المجتمع ، بل انهم ينتظرون منهم تنفيذ و تحقيق آمالهم المحبطة، تلك التي لم يستطيعوا هم تحقيقها، و قد يرغبون في استنساخ نماذج مكررة عنه كأب و عن الأم بالنسبة للفتاة سواء من حيث السلوك والمهنة وحتى في نمط التفكير و الميول !
ثم حينما لا تتطابق تلك الصورة التي ينتظرونها من أبنائهم مع الصورة الفعلية لهم ينشأ الإرهاب التربوي و التسلط الأبوي ، وهو أقصر و أسهل الطرف لإجبار هذه الكينونة البشرية على أن تنقلب بصورة مصطنعة و تتقمص أدواراً غير سوية .
(5)
تنقسم سلطة الأهل الى شكلين أساسيين:-
1- سلطة قهرية .
2- سلطة عقلية.
تقوم السلطة القهرية على مبدأ الطاعة، بينما تقوم السلطة العقلية على مبدأ التفاهم. و من الشائع أنّ السلطة – أياً كانت – يصاحبها – غالباً – عنف نفسي أو جسدي .
إنّ العنف الذي يمارس في الأسرة يأخذ أبعاداً إجتماعية تتجاوز ما يمكن أن يلتقطه الانسان للوهلة الاولى ، فـ”الأسرة لا تلبي إحتياجات الكبار في المحافظة على سلطتهم فحسب ولكنها تلبي أيضاً إحتياجات أرباب المؤسسات الإجتماعية الأخرى”. وعلى هذا الأساس تتم عملية إعادة إنتاج القهر والتسلّط والعبودية في المجتمع بصورة واضحة و ينتج عن هذا توالد و استمرار تناسخ نماذج تسلطية في المجتمع تدفع به نحو الوراء و في أفضل حالاته يبقى مكانه !
اذن فان الاباء المتسلطون كما يذكر الدارسون ، ينتمون إلى بيئة تربوية متسلّطة وإلى أسر متسلّطة تمارس العنف والإكراه في العملية التربوية. لذلك فإنّ هذه الممارسات تنبع وتتدفق عفوياً من دواخلهم. فالخبرات التربوية القاسية التي عاشها الآباء في طفولتهم تشكل منطلق الممارسات التربوية الجلفاء في مرحلة المراهقة و الرجولة والكهولة.
وغالباً ما يكون الأطفال والأبناء وأحياناً الزوجات ضحايا تلك الممارسات التربوية القاسية لهؤلاء الآباء (الإنفجارات العصبية التي تأخذ مسار التفريغ السيكولوجي) وفي هذا المجال تشير دراسات متعددة إلى أنّ الآباء الذي يعانون إضطرابات نفسية هم غالباً هؤلاء الذين يمارسون الطغيان والإستبداد وتنسحب هذه الحالة على وضعية الأُمّهات اللواتي يفتقدن الى الاحتواء و المكانة الاجتماعية فيلجأن الى استخدام السلطة على من تحت أيديهم لتعزيز إحساسهنّ بالوجود و اثبات أنفسهن بالطريقة الخطأ، فهنّ عاطفيات إلى حد التملك، يرفضن أن يمنحن أطفالهنّ استقلالهم او تسليمهم زمام الأمور او السماح لهم بأية مبادرة من أي نوع كانت .
اذن تنشأ العملية التربوية التسلطية هذه من خلفيات ثقافية تتمثل في مبادئ تربوية تقليديةوانّ الطفل راشد صغير له ما للكبير من قدرات وبخاصة على المستوى الأخلاقي و تزداد حالة الطفل بؤسا حينما يكون على قدر من الذكاء و قوة الشخصية بحيث يطرح تساؤلات أو يطالب بأمور قد تثير حفيظة الاهل المتسلطين فيلجؤون الى قمعه و هزّ شخصيته و افقاده ثقته بنفسه فلا يستطيع أن يواجههم بعد ذلك بأخطائهم ،
بإختصار، تفتقر الأجواء التربوية التسلطية إلى العلاقات الإنسانية السليمة و العواطف البشرية الدافئة، فنشأ بين أفراد هذه الأسر حواجز نفسية وإجتماعية وأخلاقية تدفع الطفل إلى مزيد من أحاسيس البؤس والشقاء والعدمية.
و ضحايا العنف التربوي، لا يمثلون نموذجاً واحداً، وذلك لأنّ النتائج النفسية للعنف مرهونة بالوضعية والشروط التي يوجد فيها العنف نفسه.
لدينا إذن مجموعتين من العقوبات التي يتأسس عليها التسلّط التربوي، وهما:
1- أساليب العقاب البدني والفيزيائي مثل: الضرب بأشكاله المختلفة وبأدواته المتنوعة، الحرمان، السجن والمنع،.
2- خلق المخاوف عند الطفل و خرق شعوره بالأمان عن طريق الكائنات الخرافية و الاساطير المرعبة و أساليب القمع النفسية مثل: الإزدراء، الإحتقار، الامتهان، السخرية، التهكم، التبخيس، أحكام الدونية، التخويف والحرمان وهي أساليب أكثر خطراً من أثر العقوبات الجسدية في التأثير في شخصية الطفل وهدمها.
فبعض الآباء والأُمّهات يبحثون عن أخطاء الطفل ويبدون ملاحظات نقدية هدّامة لسلوكه، مما يفقد الطفل ثقته بنفسه، ويجعله متردداً في أي عمل يقدم عليه خوفاً من حرمانه من رضا الكبار وحبهم. ويعامل بعض الآباء أطفالهم بروح القسوة والتعسف ظناً منهم أنّ هذه القسوة تصلح من شأنهم وحالهم، وهم لا يعرفون بأنّ ذلك يفقد الطفل تدريجياً أهم مقومات تكامله النفسي ونموه الإنفعالي والعقلي.
وقد تتحد جهود المدرسة و الاسرة التربوية في تكريس حالة التسلط التربوي ، حيث لا يسمح للأطفال لا في المدرسة و لا في الأسرة بإبداء آرائهم أو توجيه إنتقاداتهم ، و تكون العصا أو أساليب القمع النفسية متوفرة و جاهزة للصراخ و تدمير كيان الطفل البريء و مسخ شخصيته !
(6)
أثر التسلط في خلق علاقات اجتماعية متطرفة و نماذج منحرفة :-
- العلاقات القائمة في بيئة التسلّط هي علاقات قوامها التباين بين أطراف هذه العلاقة ، بين الكبير والصغير، بين القوي والضعيف، بين السيد والمسود، بين الغالب والمغلوب، بين الآمر والمأمور ، بين الذكر و الأنثى ، مما يقصي العلاقات الندّية الطبيعية السويّة التي تكوّن أجواء الابداع و الانجاز و الانتاج في الاسرة و المجتمع ، مما يؤخر المجتمع سنين الى الوراء ، و تتفشى حالات الفساد و ترتفع نسب الاجرام ، فحينما لا يجد الفرد ضمانات و قوانين تحفظ له حقوقه ، فانه يعمد الى اساليب غير مشروعة و غير قانونية و غير اخلاقية ، و من ثم يعاقبه المجتمع على خطيئة أكبر من أن يتحمّلها وحده .
(7)
دراسات حول واقع التسلط الاسري في العالم العربي !
بيّنت نتائج دراسة أجراها مركز مكافحة الجريمة في وزارة الداخلية السعودية أن 21 في المائة من الأطفال السعوديين يتعرضون للإيذاء، وأن نسبة مَن وقع الإيذاء عليهم من الأم بلغت 74 في المائة، وأن الأطفال من سن سنتين فأقل هم الأكثر تعرضاً للعنف، وأن أكثر أنواع الإيذاء هو النفسي، يليه البدني، ثم الإهمال، ثم الحرمان.
كما أسفرت نتائج رسالة دكتوراه أعدتها د. سلمى سيبيه حول العنف الأسري، وأجرتها على عينة من مدينة الرياض السعودية أن أهم أسباب العنف العنف الأسري قلة الوازع الديني، والانشغال بالأمور الخاصة وترك رعاية الأطفال للخادمة، والكراهية بين الوالدين، والإدمان، والكبت الجنسي، ومشاكل العمل، وجهل الأم، وعدم إشباع حاجات الطفل العاطفية في صغره، ووجود المواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية التي تشجع على العنف.
وفي سورية، أظهرت نتائج دراسة أجريت على عينة من 400 عائلة حول أساليب التنشئة الأسرية أن الأسلوب الرئيسي المستخدم هو المزج بين الشدة والتدليل، وأن 57 في المائة من الآباء يستخدم الضرب وسيلة أساسية في تربية الأطفال
وبينت نتائج دراسة أخرى أجريت في محافظة القنيطرة السورية شيوع استخدام أسلوب الضرب ضد الأطفال، وأن الأمهات أكثر ميلاً لاستخدام الضرب ضد الأطفال من الآباء
كما بينت دراسة شملت 300 أم في ثماني دول خليجية أن 43 في المائة منهن يستخدمن التوبيخ عند تبول الطفل، ويستخدمن الضرب عند إخراجه أثناء النوم، وأن 51 في المائة منهن يؤمن بأهمية التربية التسلطية، وأن 41 في المائة منهن يشدن باللجوء للعقاب البدني (وطفة، 1999-ب).
وأظهرت نتائج دراسة قطرية أجرتها الغانم على عينة من 2365 طالبة في جامعة قطر أن 52 في المائة منهن تعرضن للضرب، وأن 20 في المائة واجهن التحرش الجنسي، وأن 14 في المائة تعرضن للإغتصاب، وأن 40 في المائة لا يسمح لهن بإبداء آرائهن، وأن 44 في المائة أوذين بالشتم والإهانة، وأن 60 في المائة من حالات التحرش الجنسي تحدث في الطفولة.(8)
النتائج النفسية على الطفل الذي ينشأ في جو متسّلط :-
من غير أدنى شك أنّ التسلط التربوي ينمي في الشخصية قيما لا أخلاقية سوداوية ، مثل البغضاء، الضغينة، الجمود، الكراهية، القلق، الخجل، الإضطراب، الإثم، مركب النقص، فقدان القدرة على التكيف، الإتكالية وروح الإنهزام.
أما على صعيد المعرفة فلا يمكن مطلقا لهذه التربية أن تنمي في الإنسان القدرة على الإبداع وحب التحصيل أو الميل إلى تأكيد الذات وحضورها ، بل على العكس سوف تجعل محاولاته لاثبات وجوده تعكس وجود أمراض و انحرافات و عقد نفسية اصلها و سبب نشأتها التسلط !
تربية الإكراه والتسلّط تؤدي حتماً إلى عملية هدم في الشخصية، وإلى حالة أزمة متواصلة ومستمرة تفقد فيها الشخصية مشاعر الإحساس بالأمن والإنتماء والثقة إلخ…
إنّ التربية التي تقوم على العُنف، والتعسُّف، والقهر، والتسلُّط، ومصادرة الحريّة و منع المبادرات، هي أقصر الطرق لتحطيم الفرد و مسخ انسانيته، وتدمير المجتمع ، و خلق ثغرات لا يمكن سدّها .
كما تسهم السلطوية التربوية في تنمية النزعة الفردية والأنانية عند الأطفال. و فرض الخضوع، وزرع الخوف، وإكساب الشعور بالضعف، والذنب، والعجز، والنقص، وعدم الثقة بالنفس.و تعمل على تعزيز إنطواء الفرد وإنزواؤه، وربما انسحابه من ميدان الحياة الاجتماعية.و تعزز صعوبات تكوين شخصيته المستقلة ذات المبادرة الحرة و تضعف قدرته على التعبير عن نفسه و أحلامه و طموحاته و ستنشأ كراهية السلطة في نفسه بشكل عام، وسلطة الوالدين بشكل خاص.
(9)
ما الفرق بين السلطوية و التربية ؟
التربية تسعى إلى تفجير طاقات الفرد، بينما يعمل القهر على قتلها و كبتها و منعها من الظهور بأساليب مباشرة او غير مباشرة كالمنع المباشر او التحقير من شأن الانجاز او العمل .
التربية تسعى إلى بناء شخصية الإنسان بشكل متكامل و متوازن و طبيعي ، في حين يعمل الاضطهاد على انتاج شخصية ضعيفة، ومشوهة، ومضطربة، وغير متوازنة.
تضع التربية ضمن أولوياتها إعداد الفرد المفكر، والمبدع، والمتفوق ، بينما يسعى القهر و التسلط و السلطوية الى اتباع ما يسميه البعض بـــ “نهج اغتيال العقول والنفوس” ، تقويض مهارات الإنسان، وشل قدراته، وتعطيل طاقاته، والحد من إبداعه، لذا فإن الوعي بالسلطوية في الميدان التربوي خطوة مهمة نحو التخلص منها، وتحرير الفرد والمجتمع.
وقد أشارت الدكتورة إيمان السيد إلى أن التسلط على الطفل يقود إلى نتائج سلبية وخيمة منها انخفاض التحصيل الدراسي، والاكتئاب، والشعور بالذنب، والخجل، واختلال الصورة الذاتية، والعزلة، وضعف الثقة بالنفس، واضطراب النوم، وضعف التركيز، والشعور بالعدوان المضاد، والتحول نحو الإجرام، وغيرها. وبعد أن يتعرض الطفل لهذه السلبيات أو بعضها، ويصبح مضاداً للأسرة والمجتمع، . (http://www.tunisia-cafe.com/vb/index.php)
(10)
الخلاصة
هل كل ممارسة للسلطة تعتبر تسلطا؟
السلطة، مهما تكن ضرورتها أو شرعيتها، تغري مَن يمتلكها بممارسة التعسف والعنف، وهو شعور يتملّك ممارسها، وأنّ العنف هو بالضرورة حصاد هذه هذا العمل والعنف النفسي يفوق البدني بالتأثير على المدى الطويل