3isam46
01-28-2012, 07:52 AM
الدولة الطولونيه بحث شامل
الدولة الطولونيه بحث متكامل
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد ابن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين :
أما بعد :-
فقد كتبت في بحثي هذا عن الدولة الطولونية منذ تأسيسها حتى نهايتها ، وما يؤسفني أنني لم أجد كتاب واحد يتحدث عن الدولة الطولونية بشكل منفرد بل كانت منساقه في خياظ الدولة العباسية إلا بعض المصادر القديمة مثل كتاب البلوي إلا أنه لا يتحدث إلا عن أحمد بن طولون ويغفل سيرة أبنائه من بعده ونرى أن البلوي نقل عن كتاب ابن الدايه الذي ضاع مع الزمان . ومن الكتب التي ساعدتني في بحث كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لإبن تغري بردي فإنه كتاب مفيد ويسهل فهمه ، وأيضاً ساعدني في كتابة بحثي كتاب أحمد بن طولون للدكتورة سيدة إسماعيل الكاشف .
وإني أرجو من الله أن ينال بحثي هذا رضائكم واستحسانكم ولكم جزيل الشكر والتقدير .
والله الموفق
الباب الأول :
تأسيس الدولة الطولونية .
- الفصل الأول : نشأة أحمد بن طولون وصفاته .
- الفصل الثاني : ولايته على مصر .
- الفصل الثالـث : حروب أحمد بن طولون حتى وفاته .
- الفصل الرابع : أهم أعمال ابن طولون .
1 ) مدينة القطائع .
2 ) جامع ابن طولون .
الفصل الأول
نشأة أحمد بن طولون وصفاته
لقد كان أبوه طولون مولى نوح بن أسد السماني عامل بخاري وخراسان ؛ أهداه نوح إلى الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد ، فرقاه المأمون حتى صار من الأمراء . ولد أحمد سنة 220هـ كما ورد في كتاب ابن الدايه وكتاب البلوي في مدينة سر من رأى ، وبعض المصادر تقول أنه ولد في سنة 214هـ ولكن الأصح أنه ولد سنة 220هـ من جارية تسمى قاسم . وقالت بعض المصادر أن احمد لم يكن ابن طولون وإنما طولون تبناه وأنه ابن يلبخ التركي ولكن الصحيح أحمد هو ابن طولون ودليل ذلك أن الموفق لما كان يلعنه في المساجد لم ينسبه إلى يلبخ وهو معروف أنه مضحاك ويُسخر منه بل نسبه إلى طولون وهو معروف بالستر .
ونشأ أحمد بن طولون على مذهب جميل ، وحفظ القرآن وأتقنه ، وكان من أطيب الناس صوتاً به ، وتفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة . ولما ترعرع أحمد تزوج بابنة عمه ماجور وهي خاتون فولدت له إبنه العباس وابنته فاطمة ، ولما مات أبوه طولون سنة 240هـ فوض له الخليفة المتوكل ما كان لأبيه من أعمال ، ونشأ أحمد بن طولون على الفقه والصلاح والدين والجود حتى صار له في الدنيا الذكر الجميل . وكان شديد الإزراء على الترك وأولادهم لما يرتكبونه في أمر الخلفاء .
وكتب أحمد بن طولون إلى وزير المتوكل عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، ليكتب ورقه له على الثغور ليكون على جهاد متصل وثواب دائم ، فخرج أحمد ومعه الخاقاني وهو أحمد بن محمد بن خاقان ؛ فلما رأى ما الناس عليه من الأمر بالمعروف ومجانبة المنكر أنست نفسه وأقام يسمع الحديث مدة ، فرجع الخاقاني إلى سرى من رأى فإستقبلته أم أحمد قاسم بالبكاء حسباً منها أن إبنها مات فحلف لها الخاقاني أنه بخير ، ورجع إلى أحمد وأخبره عن حال أمه فرجعوا إلى بلادهم معهم أناس ومعهم خادم الخليفة المستعين بالله ومعه ثياب مثمنة من عمل الدوم ، فساروا إلى الرها ، فقيل أن جماعة من قطاع الطرق في طريقهم ؛ فأشار الناس إلى دخول حصن الدها حتى يتفرقوا ؛ فقال أحمد : لا يراني الله فاراً وقد خرجت على نية الجهاد . فخرجوا والتقوا بقطاع الطرق فقتل منهم جماعة وفر الباقون ، فزاد أحمد في أعين الناس مهابة وإجلال ، فلما وصلوا إلى سرى من رأي ذهب الخادم إلى المستعين بالثياب ، فلما رأيها إستحسنها فقال له الخادم لولا ابن طولون ماسلمت ولا سلمنا وحكى له القصة ؛ فبعث الخليفة المستعين إلى أحمد مع الخادم ألف دينار سراً وأخبره أن الخليفة يحبه ولولا خوفه عليه من الناس لقربه لديه .
وكان ابن طولون إذا دخل إلى الخليفة أومأ إليه بالسلام سراً ووهب له الخليفة جارية اسمها مياس فولدت له ابنه خمارويه سنة 250هـ .
أما إذا جئنا إلى صفات أحمد بن طولون فقد اشتهر بالتقوى ، وقد اتخذ الجهاد في حياته ، ولقد ذكر كثير من المؤرخين أنه كان رجلاً ذكياً بعيد النظر صادق الفراسة ، أما أعظم صفاته التي برز بها فهي كرمه الحاتمي الذي استطاع بواسطته أن يكسب رجالاً ما كانوا يترددون في الانضمام إلى خصومه .
الفصل الثاني
ولايته على مصر
تنكر الأتراك على الخليفة المستعين وخلعوه ونفوه إلى واسط ، وصار المعتز الخليفة ، واختار الأتراك أحمد بن طولون ليستلم المستعين ويذهب به إلى واسط وأرسلت له قبيحه أم المعتز كتاب ليقتل المستعين ويحكم واسط لكن ابن طولون قال»والله لا يراني الله عز وجل أقتل خليفة له في رقبتي بيعه وأيمان مغلظة أبداً «( ) فلما أمتنع أحمد عن قتل المستعين وجه له الأتراك خطاباً بتسليم المستعين إلى سعيد الحاجب فسلمه له ؛ فقتل المستعين . فوارى أحمد بن طولون جثة المستعين الثرى ورجع إلى سرى من رأى وأقام بها ، فزاد محله عند الأتراك فولوه مصر نيابة عن أميرها وذلك سنة 254هـ . فقال حين دخلها : » غاية ما وعدت به في قتل المستعين واسط ،فتركت ذلك لله تعالى ، فعوضني ولاية مصر والشام «( ) ودخل أحمد بن طولون مصر وكان على خراجها أحمد بن محمد بن مدبر وكان من دهاة الناس ، ولقي أيضاً شقير الخادم صاحب البريد ، وهو غلام قبيحه والدة المعتز .
وقد أهدى ابن المدبر لابن طولون ألف ألف دينار ، لكن أحمد رفضها فخاف ابن المدبر من أحمد ، وبعد مدة أرسل أحمد إلى ابن المدبر يطلب منه الغلمان الذين لديه فلم يستطع إلا القبول وأرسل الغلمان إليه وهذا يدل على دهاء أحمد بن طولون .
ولما حصلت مصر إلى يارجوخ في جملة ما حصل له من أمور باكباك ، كتب إلى أحمد ابن طولون ويقول له تسلم من نفسك لنفسك ، وزارة جميع الأعمال الخارجية عن مصر . وكتب إلى إسحاق بن دينار ، وهو متقلد الإسكندرية بتسليمها إلى أحمد بن طولون الذي بدوره جعله على الإسكندرية .
الفصل الثالث
حروب أحمد بن طولون حتى وفاته
كان ابن الشيخ حاكم على فلسطين والأردن فلما قتل المهتدى على يد الأتراك عام 256هـ وبويع المعتمد بالخلافة ، رفض ابن الشيخ أن يبايعه وكانت له أطماع شخصية ، فأمر الخليفة أحمد بن طولون في محاربته ، فإستعد ابن طولون بجيش كبير ، واستخلف ابن طولون علىمصر أخاه موسى وسافر على رأس الجند إلى أن وصلوا إلى حدود فلسطين ، ويذكر أيضاً أن ابن الشيخ سطا على مال موجه من مصر إلى العاصمة في سر من رأى واستولى عليه ، غير أن الخليفة أمر ابن طولون بالرجوع إلى مصر ولا يُعلم ما هي الأسباب وراء ذلك القرار هل هو خوف الخليفة من توغل ابن طولون في الشام ، أم أراد أن يبعد ماجور التركي الذي أقطعه الشام على ساحة الخلافة . لكن المهم أن ابن طولون كسب هذا الجيش الذي كان عماد حكمه وحكم ابنه خمارويه من بعده .
بعد ذلك استطاع ماجور من القضاء على فتنة عيسى بن الشيخ الذي هرب إلى أرمينية ونرى أن ماجور هذا إشترك مع ابن المدبر في الكيل لابن طولون ووضع الدسائس له في العاصمة سر من رأى وكتبوا إلى المعتمد يحذرونه من قوة ابن طولون التي في ازدياد ، ولذا كتب الخليفة إلى ابن طولون أن يترك في مصر نائباً وأن يسافر إلى سر من رأيى ليتولى منصباً فيها . ولكن ابن طولون فهم الغرض من إستدعائه وبعث كاتبه وموضع ثقته الواسطي سنة 257هـ ومعه الهدايا والأموال لأولياء الأمر في بلاط الخليفة ولا سيما الوزير حسن بن مخلد وطبيعي أيضاً أن يعمل يارجوخ على نصرة زوج ابنته ، وأقنعوا الخليفة في الثقة في ابن طولون .
فخاف ابن المربد من هذا النصر لابن طولون وطلب نقله إلى إقليم أخر فنقل إلى الشام .
وعين بدلاً منه عامل أخر ، ونرى أن الخليفة طلب من ابن طولون مال لكن ابن طولون قال كيف أعطيك المال والخراج ليس في يدي فقلده الخليفة أمور الخراج في مصر والثغور ونأتي إلى ثورة بغا الأصغر على ابن طولون في موقع بين الإسكندرية وبرقة ثم اتجه إلى الصعيد فأرسل إليه ابن طولون جيشاً هزمهم وحمل رأسه إلى الفسطاط .
وأيضاً ثورة ابن الصوفي الذي استولى على أقليم اسنا في مصر العليا فعبث إليه ابن طولون جيشاً بقيادة ازداد ولكن ابن الصوفي هزم ذلك الجيش وقتل ازداد ومثل به فأرسل ابن طولون جيشاً آخر بقيادة بهم بن الحسين الذي أخمد ثورة بغا الأصغر وهزم بهم بن الحسين ابن الصوفي ، وهرب ابن الصوفي لكنه بعد مده خاف من العمرى الذي زادت قوته في جنوب مصر فتقابل الجيشان وقتل ابن الصوفي فأراد ابن طولون القضاء على العمري فوجه إليه جيشاً لكن العمري استطاع الإنتصار على الجيش المرسل إليه ، لكنه قتل على يد غلمانه وأرسلوا رأسه إلى ابن طولون .
وجاءت هنا مشاكل ابن طولون مع الموفق أخى الخليفة المعتمد فقد طلب من ابن طولون أموال لكي يستطيع صرفها في إخماد ثورة الزنج التي نشبت في شرقي الدولة العباسية وأرسل إلى ابن طولون شخصاً اسمه نحرير ، وأرسل المعتمد رسالة إلى ابن طولون يحذره فيها من نحرير ويخبره أنه لم يرسله إلى مصر إلا بإرادة الموفق فتنبه ابن طولون واستقبل نحريراً في قصره وعمل على أن لا يمكنه من الاتصال بأحد أثناء إقامته في مصر فضلاً على أنه استولى على كل الرسائل التي كان نحرير يحملها من قبل الموفق إلى أعيان مصر وكبار رجالها .
وأجاب ابن طولون مطالب الموفق بكتاب رقيق سلمه إلى نحرير مع مليون ومائتي ألف دينار فضلاً عن الخيل والأقمشة . أما الموفق نفسه فالظاهر أنه كان يتوقع أن يرسل ابن طولون إليه مبلغاً يفوق ما وصله فغضب وكتب إلى ابن طولون كتاباً شديداً يلومه فيه ويعنفه أشد العنف . بل أنه أراد أن يعزله لكنه لم يجد أحداً يقبل وظيفته لما كان يفرقه على كبار رجال الدولة من العطايا ، وكتب ابن طولون رداً على كتاب الموفق ، فأمر الموفق موسى بن بغا بتسيير جيش إلى مصر فلما علم ابن طولون بدأ يحصن مصر ، لكن جنود موسى ساد بينهم الإضطراب وثاروا يطلبون أعطياتهم المتأخرة وأحس موسى بقوة خصمه فترك الجنود واعتزل في العراق حيث مات بعد شهرين ، وبذلك نرى أن موقف ابن طولون أصبح قوياً جداً وثبت حكمه على مصر .
بدأ أحمد بن طولون في التطلع إلى مد نفوذه خارج مصر فأراد الشام لكنه أراد أسباباً لذلك فادعى أنه فتح باب الجهاد على البيزنطيين فسار على رأس الجند إلى الشام لكن قبل ذلك كتب كتاب تعزية إلى علي بن ماجور في وفاة والده حاكم الشام بل طلب منه أن يستعد بالمؤونة اللازمة للجند المصريين ، ولم يجد علي بن ماجور وأتباعه بداً من الخضوع ، فسار ابن طولون بجيشه حتى وصل مدينة الرمله في فلسطين حيث قدم إليه حاكمها فروض الطاعة ،أما في دمشق فقد استقبله الوالي علي ابن ماجور ومعه أحمد دوغباش الذي كان وصياً عليه . أما ابن طولون فقد نوب ابن دوغباش لحكم الإقليم وكذلك خضعت له حمص وحماه وحلب . ولكن في انطاكيه قاومه سيما الطويل حاكم الأقليم الذي كان عنده جند كثير من الترك .
وحاصر أحمد بن طولون أنطاكيه ودام الحصار بعض الوقت وجزع الناس من سيما الطويل فدلوا ابن طولون على مواطن الضعف في الحصن فدخله سنة 265هـ وقتل سيما الطويل ودان له أهلها بالطاعة .
وكان ابن طولون ينوي غزو البيزنطيين لولا ما بلغه من ثورة ابنه العباس فعادة إلى القطائع سنة 265هـ ليقضي على هذه الثورة .
ولما رجع أحمد بن طولون إلى الفسطاط هرب إبنه إلى الجيزة وأسر معه الواسطي بعدما سرق بيت المال ، ومن الجيزة توجه إلى برقة وتوجه إلى أفريقيه وأباح المدينة لجنده وقتل الرجال . وإستغاثت طائفة من أهل حصن لبدة بإلياس بن منصور النفوسي زعيم الخوارج الأباضية وسار إلياس إلى العباس في اثنى عشر ألف مقاتل فقتل أكثر الذين مع العباس وفر العباس إلى برقة ، واستطاع الواسطي الهروب من الأسر ، فأرسل أحمد بن طولون جيشاً إلى برقة استطاع أسر العباس وصحبه فأمر ابن طولون بجلد المتآمرين ومعهم ابنه العباس حتى مات بعضهم من جلد السياط ، وزج بالعباس في السجن .
بعد ذلك خرج مولى أحمد بن طولون لؤلؤ الذي عهد إليه بحكم حلب وقنسرين وحمص وديار مضر وإنضم إلى الموفق وإعترف بسلطانه عليه وبعث إليه الأموال التي كان عليه أن يرسلها إلى سيدة أحمد بن طولون ، فأعد ابن طولون العدة وتوجه إلى الشام وعين ابنه خمارويه ينوب عنه في مصر وكان ذلك في شهر جماد الأولى سنة 269هـ ووصل إلى دمشق وجاءه كتاب من الخليفة المعتمد يخبره أنه قادم إليه ففرح أحمد بن طولون بهذا الخبر لأنه أراد نقل الخلافة إلى مصر لكن الموفق علم بالأمر وقبض على الخليفة وأسره في العاصمة سرى من رأى ، وعقد بعده الموفق لإسحاق بن كنداج على مصر . فعمل أحمد بن طولون إجتماع في دمشق جمع فيه الفقهاء وكتب كتاب خلع فيه أبا أحمد الموفق من ولاية العهد لمخالفته المعتمد وأسره له ، ولم يكتف ابن طولون بذلك بل جرد حملته المشهورة على الحجاز لمنع من أن يدعى للموفق على منابر مكة وحين بلغ الموفق ما فعله ابن طولون كتب إلى عماله يأمرهم بلعن ابن طولون على المنابر لكن الموفق أدرك أن موقفه ضعيف فبدأ يتصل بابن طولون فأرسل إليه يعاتبه على المبادرة بخلعه واسقاط اسمه ويعتذر له على ما كان من لعنه على منابر بغداد ولم يكن من أحمد بن طولون إلى أن جنح إلى المسالمة وإعتذر له .
بعد المؤتمر مرض ابن طولون مرضه الذي أدى لوفاته فأسرع بالعودة إلى مصر فوصل الفسطاط في جمادى الآخرة سنة 270هـ .
وتوفي أحمد بن طولون ليلة الأحد 10 ذي القعدة سنة 270هـ بعد أن حكم مصر ستة عشر عاماً .
الفصل الرابع
أهم أعمال أحمد بن طولون
1 ) مدينة القطائع :-
إختط ابن طولون عاصمته الجديدة القطائع سنة 256 هـ في المكان الواقع في سفح جبل يشكر إلى الشرق من العسكر ، والشمال الشرقي من الفسطاط ، وكان أحمد بن طولون حكيماً فقد أمكنه بذلك إبعاد جيشه غير المتجانس عن الأحياء العربية المصرية . وقسم الأمير مدينته الجديدة بيت جنده ورجال حاشيته ومن إحتاجوا إليهم من صناع أو تجار ، فصارت لكل طائفة قطيعة . وكانت كل قطيعة تعرف باسم من سكنها ، فكان هناك قطيعة الروم ، وقطيعة السودان ، وقطيعة البزازين ، وقطيعة الجزارين …. الخ .
وأصبح يطلق على مدينة ابن طولون القطائع ، وكان لقصر ابن طولون أبواب كبيرة وكان لكل باب منها اسم يدل أحياناً على الجهة التي يؤدي لها . وكان أهم أبواب القصر الطولوني باب الميدان ومنه كان يمر الجند . ولم تبق القطائع مدة طويلة مقر الأمير وخدمه وحشمه ورجال بلاطه وجيشه وحكومته فحسب بل ما لبث أن اتسع نطاقها وزادت عمارتها .
2- جامع ابن طولون :-
أراد أحمد بن طولون أن يكون له مسجد جامع كبير يتضاءل إلى جانبه جامع عمرو بن العاص وجامع العسكر ، ويكون عنواناً لعظمة الأمير ورخاء البلاد في عصره . فاختار أحمد بن طولون مكاناً لهذا الجامع على جبل يشكر . وكان مكان الجامع يتوسط القطائع عاصمة ابن طولون الجديدة ، وفرغ من بناء الجامع عام 265هـ .
ويتكون جامع ابن طولون من صحن مربع مكشوف طول كل ضلع فيه نحو اثنين وتسعين متراً ، وتحيط به أروقة من جوانبه الأربعة وتقع القبلة في أكبر هذه الأروقة .
وبين جدران الجامع وسوره الخارجي ثلاثة أروقة خارجية تسمى الزيادات . وأهم ما يمتاز به جامع أحمد بن طولون هو مئذنته أو منارته التي تقع في الرواق الخارجي الغربي ، وتكاد لا تتصل بسائر بناء الجامع ، وهي مشيدة من الحجر وتتكون من قاعدة مربعة تقوم عليها طبقة اسطوانية عليها أخرى مثمنة . وأما السلالم ضمن الخارج على شكل مدرج حلزوني . وليس لهذه المنارة نظير في البلاد الإسلامية .
ويمتاز جامع ابن طولون بمنبره الخشبي الجميل ويعتبر من أجمل نماذج الصناعة الخشبية في عصر المماليك . وفي المسجد الطولوني ستة محاريب أولها المحراب الأصلي المجاور للمنبر . وفي الجامع زخارف كثيرة محفورة في الجبس ، ويعتبر جامع ابن طولون من أهم وأقدم الآثار العربية في مصر .
الباب الثاني
أولاد أحمد بن طولون حتى زوال دولتهم
الفصل الأول : خُمارويه وولايته على مصر
الفصل الثاني : جيش بن خمارويه وولايته على مصر
الفصل الثالث : هارون بن خمارويه وولايته على مصر
الفصل الرابع : شيبان بن أحمد بن طولون حتى نهاية الدولة الطولونية
الفصل الأول
خمارويه وولايته على مصر
هو خمارويه بن أحمد بن طولون . ملك مصر والشام والثغور بعد موت أبيه بمبايعة الجند له في يوم الأحد 10 ذو القعدة سنة 270هـ . وعندما ولي أمره مصر أمر بقتل أخيه العباس الذي كان في حبس أبيه أحمد بن طولون لإمتناع العباس من مبايعته . وأم خمارويه هي مياس ، ولد بسر من رأى في سنة 250هـ.
فعقد خمارويه لأبي عبد الله أحمد بن محمد الواسطي على جيش إلى الشام ؛ وعقد لسعد الأيسر على جيش آخر ، فنزل الواسطي فلسطين وبموت ولي نعمته أحمد أبن طولون كتب إلى الموفق يصغر أمر خمارويه ويحرضه على المسير إلى قتاله ، فأقبل ابن الموفق من بغداد وقد انضم إليه إسحاق بن كنداج ومحمد بن ديوداد أبي الساج ونزل الرقة فتسلم قنسرين والعواصم ثم سار ابن الموفق حتى قاتل أصحاب خمارويه وهزمهم ودخل دمشق ، فخرج خمارويه في جيش عظيم سنة 271هـ ؛ فالتقى مع ابن الموفق بنهر أبي فطرس المعروف بالطواحين من أرض فلسطين ، فإقتتلا فانهزم أصحاب خمارويه واحتوى ابن الموفق على عسكر خمارويه بما فيه . ومضى خمارويه عائداً إلى مصر مهزوماً وحارب سعد الأيسر ابن الموفق حتى هزمه وأزاله عن عسكره اثنى عشر ميلاً . ثم مضى سعد الأيسر مع الواسطي إلى دمشق وطمع في البلاد الشامية واستخف بخمارويه وغيره ثم استولى على دمشق ، ولما وصل خمارويه إلى مصر وعلم بأمر سعد الأيسر رجع إلى الشام سنة 272هـ فقابل سعد الأيسر وقاتله وهزمه وظفر به وقتله ، ودخل دمشق وملكها في محرم سنة 273هـ وأقام بها أياماً ثم سار لقتال ابن كنداج فتقاتلا فكانت الهزيمة أولاً على خمارويه لكن خمارويه ثبت مع حاميته وقاتل ابن كنداج حتى هزمه وتبعه بأصحابه حتى وصلت جيوش خمارويه إلى سر من رأى بالعراق ثم كتب خمارويه إلى أبي أحمد الموفق طلحة في الصلح ، فأجابه أخو الخليفة الموفق لذلك وكتب لخمارويه بولايته على مصر والشام جميعه والثغور ثلاثين سنة ، فعاد خمارويه إلى مصر .
ثم بلغ خمارويه مسير محمد بن أبي الساج إلى أعماله بمصر ،فخرج بعساكره ولقيه بثنية العقاب في دمشق وقاتله وأشتدت الحرب بين الفريقين وإنكسر عساكر خمارويه لكنه ثبت مع خاصته كعادته وقاتل حتى هزم ابن أبي الساج أقبح هزيمة وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة وأسر وغنم ، وعاد إلى الديار المصرية ودخلها سنة 276هـ .
وفي سنة 278هـ ورد الخبر إلى خمارويه بموت الموفق وفي سنة 279هـ بموت الخليفة المعتمد ، وبويع بالخلافة المعتضد أبو العباس أحمد بن الموفق طلحة بعد عمه المعتمد فبعث خمارويه إلى المعتضد بهدايا وتحف وسأله أن يزوجه ابنته قطر الندى لولد الخليفة المعتضد المكتفي بالله ، لكن المعتضد استأثرها لنفسه وتزوجها سنة 281هـ ولما تصاهر خمارويه مع المعتضد زالت الوحشة . وولاه المعتضد من الفرات إلى برقة ثلاثين سنة ، وجعل إليه الصلاة والخراج والقضاء بمصر وجميع الأعمال .
وإن خمارويه عني بالقصر أشد العناية وجعل حول أسواره بساتين وجنان عظيمة ووضع له بركة من الزئبق لكي يريح بها جسمه ، وبنى غرف أخرى إلى أمهات وزوجات أبيه أحمد بن طولون وإلى زوجاته المعزولات .
كان خمارويه كثير الفساد بالخدم ، فدخل الحمام مع جماعة منهم فطلب من بعضهم الفاحشة فإمتنع الخادم حياء من الخدم فأمر خمارويه أن يضرب ؛ فلم يزل يصيح حتى مات في الحمام فأبغضه الخدم وكان قد بنى قصراً بسفح قاسيون بالشام يشرب فيه الخمر ، فدخل تلك الليلة الحمام فذبحه خدمه . وقيل : ذبحوه على فراشه وهربوا وقيل غير ذلك ، وكان ذبحه سنة 282هـ ، وحمل أبا الجيش خُمارويه في تابوت من دمشق إلى مصر وصلى عليه ابنه جيش ودفن بالقصر إلى جانب أبي عبيد البراني ( ) .
وكانت مدة حكم خمارويه على مصر والشام اثنتى عشرة سنة وثمانية عشر يوماً وتولى مصر بعده ابنه أبو العساكر جيش بن خمارويه بن أحمد بن طولون .
الفصل الثاني
جيش بن خمارويه وولايته على مصر
هو أبو العساكر جيش بن أبي الجيش خُمارويه بن أحمد بن طولون . وليَ مصر والشام بعد مقتل أبيه خمارويه بدمشق في 17 ذي القعدة سنة 282هـ ، فأقام بدمشق أياماً ثم عاد إلى ديار مصر . وكان لما مات أبوه تقاعد عن مبايعته جماعة من كبار القواد لقلة المال وعجزه عن أن ينعم عليهم ، ولكن تلطف بعض القواد في أمره حتى تمت البيعة ، وبايعوه وهو صبي لم يؤدبه الزمان .
فلما تم أمره أقبل على الشرب واللهو مع عامة أوباش ، وأول شيء عملوه صحبته هو أنهم حرضوه على عمه أبي العشائر نصر بن أحمد بن طولون ، فقبض عليه جيش ودس إليه من قتله ثم اشتغل بعد ذلك جيش بهذه الطائفة المذكورة عن حقوق قواد أبيه وعن أحوال الرعية . وأخذ جيش كلما شرب الخمر مع طائفته يقول لهم غداً أقلدكم محل هؤلاء القواد الكلاب وكانت الأخبار تصل إلى القواد، فتأمر القواد عليه ليقتلوه ، وبلغه الخبر وأخذ يتوعدهم بالقتل ؛ فوصل الخبر لهم فاعتزل من عسكره كبار القواد وخرجوا في خاصة غلمانهم وساروا حتى وصلوا إلى الكوفة وإتصلت أخبارهم بالخليفة المعتضد ببغداد فوجه إليهم بالزاد والميرة والدواب ، وبعث إليهم من يتلقاهم وقبلهم أحسن قبول وأجزل جوائزهم وضاعف أرزاقهم .
وبلغ جيش خروج طفج بن جف أمير دمشق عن طاعته ، وخروج ابن طغان أمير الثغور أيضاً ، وأنهما خلعاه وأسقطا أسمه من الدعوة والخطبة على منابر أعمالهم .
فلم يكربه هذا الأمر ولم يفعل حياله أي شيء ، فلما رأى ذلك من بقي من غلمان أبيه بمصر مشى بعضهم إلى بعض وتشاوروا في أمره ، فإجتمعوا على خلعه ، وفي الغد اجتمع قواد أبيه ومعهم عدول البلد وقالوا نحضره ونسأله أن يعدل من أمره فإن لم يستطع بايعنا غيره بالبيعة ، فأحضروه وسألوه وقال أنه غير قادر على ذلك وغير قادر على تدبير أمور الدولة وأنه جعل من له في عنقه بيعة في حل ، وعُمل بذلك محضر شهد فيه عدول البلد ووجوهه ومن حضر من القواد والغلمان وصرفوه وحبسوه .
وكان خلع جيش 10 جمادى الآخرة سنة 283هـ وكانت ولايته ستة أشهر واثنى عشر يوماً ،وقتل في السجن بعد خلعه بأيام يسيرة .
الفصل الثالث
هارون بن خمارويه وولايته على مصر
هو الأمير أبو موسى هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون . ولي مصر بعد قتل أخيه جيش بن خمارويه في العاشر من جمادي الآخرة سنة 283هـ . وكانت بيعته من غير عطاء للجند ، وهو من الغرائب وبايعوه طوعاً ولم يمتنع عليه أحد ، وجعلوا أبا جعفر بن أبُي خليفته والمؤيد لأمره وتدبيره ، وسكنت ثائرة الحرب وقد قدار الناس وقتل غالب أصحاب جيش . ثم بعد أيام أمر أبو جعفر بن أبُي ربيعه بن أحمد ابن طولون أن يخرج إلى الإسكندرية ، وكاتبه بعض الناس في الثورة وأخذ مقاليد الحكم ، وجاء ربيعه إلى جبل المقطم ، وسمع أبو جعفر بالخبر فأخبر الناس بالذهاب إلى الموقع ، وانتظر ربيعة من كاتبوه فلم يظهر منهم أحد ، وأخذ يبارز الغلام الواحد تلو الآخر ويقتلهم وأخذ يبارزهم حتى الزوال فأكبوا عليه ورموا بأنفسهم عليه حتى أخذوه وإعتقلوه ؛ فلما كان الغد أمر أن يضرب بالسوط ، فأخذ يضربه غلمان الكفتي ، والكفتي هذا كان من قواد أبيه ، وربيعة قتل غلامه في المبارزة ، فضربوه حتى مات ، لكن الكفتي قال: لحم البقر لا ينضج سريعاً فضرب أسواطاً بعد موته . وفي الغد بلغ سودان أبيه كلام الكفتي فغضبوا وزحفوا على داره ونهبوها .
وثبت ملك هارون وهو صبي والأمر كله مردود إلى ابي جعفر بن أبُي يدبر كما يرى ، فلما رأى غلمان أبيه الكبار الأمر كله لأبي جعفر ، وهم بدر وفائق وصافي ، قبض كل منهم على قطعة من الجيش وحازها لنفسه . ثم خرج بدر القائد والحسن ابن أحمد الماذرائي إلى الشام فأصلحوا أمرها ، وإستخلفوا على دمشق الأمير طفج بن جف .
وكان أبو جعفر عنده دهاء ومكر فبقى في قلبه أثر مما فعله برمش من يوم خلع جيش وقتل علي بن أحمد ، فجلس أبو جعفر يوماً ببرمش وحرضه على القواد الروم فبسط لسانه على بدر وغيره من الأورام ، ودس برمش غلاماً إلى بدر فوقف على الباب فلما خرج بدر أقبل عليه الغلام وقبل فخذه فإنكب بدر على رأسه ، فضربه الغلام في رأسه وشجه ، وقبض على الغلام فقال دسني برمش فغضب الناس وثاروا على برمش فلما علم بالأمر خرج هو وغلمانه وحواشيه إلى الموضع المعروف ببئر برمش ، فركب ابن أبُي وقال لهارون أن غلامه برمش خرج عليه ، وخرجوا إليه فلما رأى هذا استعد للقتال فقالوا له أن أميره معهم فلم يقاتل إلا أن أبي جعفر حرض جنده فقتلوه بسيوفهم .
وقد خرج في الشام رجل يقال له القرمطي أدعى أنه من نسل علي بن أبي طالب وعاث بالأرض فساداً ، فأرسل هارون له جيشاً لكنه إنهزم منه ، فأرسل له الخليفة المكتفي جيشاً بقيادة محمد بن سليمان فهزمه وقبض على القرمطي وقتل في بغداد .
وأمر الخليفة محمد بن سليمان لمقاتلة هارون بن خمارويه فلما علم بذلك هيأ العساكر فاستعدوا ثم رحلوا إلى العباسة يريدون الشام ، وكان القواد بدر وفائقاً انضموا إلى جيش محمد بن سليمان لحقدهم على هارون الذي قدم عليهم القائد لحجاً وهم يرون أنهم أحق منه ، فكتب لهم هارون كتاباً يستعطفهم في الرجوع إليه .
وبينما هارون بن خمارويه ذات ليلة بالعباسة وقد شرب وثمل ونام أمناً وثب عليه بعض غلمانه فذبحه ، فنهض عمه شيبان بن أحمد بن طولون ودعا لنفسه ، وضمن للناس حسن القيام بأمر الدولة والإحسان لمن ساعده ، فبايعه الناس على ذلك .
الفصل الرابع
شيبان بن أحمد بن طولون
حتى نهاية الدولة الطولونية
هو شيبان بن أحمد بن طولون الأمير أبو المقانب ، ولي إمرة مصر بعد قتل ابن أخيه هارون بن خمارويه في 19صفر 292هـ .
ولما علم أبو جعفر بن أبُي بالأمر ما كان من أمر هارون وقتله رحل عن موضعهما في العباسة مع نفر من خاصة أصحابه ولحق بعسكر طفج بن بن جف نائب دمشق ، وقد وصل محمد بن سليمان الكاتب وفائق ويمن وغيرهم من موالي خمارويه وأخبروهم بذلك ، فرحلوا بعساكرهم حتى نزلوا العباسة ، وذلك بعد رحيل شيبان عنها إلى مدينة الفسطاط أما شيبان لما دخل الفسطاط مع جميع إخوته وبني عمه والعسكر الذي كان بقي من عسكر ابن أخيه هارون تهيأ لقتال القوم ، وتهيأ محمد بن سليمان ومن معه وكان دميانه البحري قد وصل إلى الفسطاط أيضاً فضرب جسر الفسطاط الشرقي بالنار وأحرقه وأحرق بعض الجسر الغربي ، ثم جاء محمد بن سليمان بعسكره ونزل بباب الفسطاط ، فضرب خيامه بها سنة 292هـ . ولما بلغ ذلك شيبان خرج بعساكره من مدينة الفسطاط وقد اجتمع معه من الفرسان والرجالة عدة كثيرة ووقف بهم لمنع محمد بن سليمان الكاتب من دخول المدينة ، والتقى الجمعان وكان بينهم مناوشة ساعة ؛ ثم كتب محمد بن سليمان إلى شيبان والحرب قائمة يؤمنه على نفسه وجميع أهله وماله وولده وإخوانه وبني عمه جميعاً ؛ ونظر شيبان عند وصول الكتاب إليه قله من معه من الرجال ، فإستأ من إلى محمد بن سليمان وجمع إخوانه وبني عمه في الليل وتوجهوا إلى محمد بن سليمان وصاروا في قبضته لكن الفرسان علموا بما فعل شيبان فكفوا عن القتال وبقيت الرجاله على حالها ولم تعلم بما فعله شيبان وفي صباح يوم الخميس التقوا مع عسكر محمد بن سليمان فإنكسروا وإنكبت الخيل عليهم وأزالتهم وأنكبت أيضاً على قطائع السودان الطولونية وأخذوا يأخذون منهم ويذهبون بهم إلى محمد بن سليمان وهو راكب على فرسه فيأمر بذبحهم .
ثم دخل محمد بن سليمان الكاتب مدينة الفسطاط بعساكره من غير أن يمنعه عنها مانع ، أحرقت القطائع التي كانت حول الميدان من مساكن السودان بعد أن قتل فيها خلق كثير حتى صارت خراباً ودماراً . وكانت مدة تغلب شيبان على مصر ، تسعة أيام منها أربعة كان فيها أمره ونهيه .
ولبث محمد بن سليمان الكاتب في الفسطاط أربعة أشهر خرب فيها المدينة وقتل خلق كثير واستصحب معه الأمير شبيبان بن أحمد بن طولون وبني عمه وأولادهم وأعوانهم ، والجميع في الحديد إلى العراق وأخرج قوادهم في بغداد ونكل بهم وقتلهم وكان ذلك في يوم الخميس مستهل شهر رجب من عام 292هـ .
وبهذا زالت الدولة الطولونية التي أسسها أحمد بن طولون عام 254هـ والتي استمرت قرابة الأربعين عاماً .
الخاتمة
الحمد لله رب العالمين لقد تم بحثي هذا وإني أرجو من الله أن أكون قد شملت كافة الموضوع عن الدولة الطولونية وإن دأبي أن يكون هناك كتاب حديث يعني الدولة الطولونية منفردة وحدها بدلاً من الكتب التي تضعها في سياق الدولة العباسية ولا تعطينا المعلومات الكاملة عن هذه الدولة بل معلومات مختصرة متى قامت ومن أسسها ومتى إنتهت وكيف ، ولكن أريد كتاباً شاملاً لكل مناحي هذه الدولة
هذا وما أصبت فمن الله وما أخطأت فمن نفسى والشيطان .
والحمد لله رب العالمين ،،،
مع خالص شكري وتقديري
إبنكم البار / محمد عبد العزيز الرحيلي
قائمة المصادر
1 ) أبي محمد عبد الله بن محمد المديني البلوي : سيرة أحمد بن طولون - دمشق .
2 ) الدكتورة سيدة إسماعيل كاشف : أحمد بن طولن - القاهرة 1385هـ .
3 ) جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن تغرى بردي الأتابكي : النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - بيروت 1413هـ -1992م .
4 ) الدكتور أحمد مختار العبادي : في التاريخ العباسي والفاطمي - بيروت .
5 ) الدكتور حسن إبراهيم حسن : تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي - القاهرة 1416هـ - 1996م .
6 ) الدكتور علي عبد المنعم شعيب : المختصر في تاريخ مصر - بيروت.
7 ) محمود شاكر : التاريخ الإسلامي - الدولة العباسية - بيروت 1411هـ - 1991م .
8 ) ابن سعيد الأندلسي : المغرب في حلى المغرب .
9 ) التويري : نهاية الأرب في فنون العرب .
10 ) العيني : عقد الجمعان في تاريخ أهل الزمان .
الفهرس
الموضـــوع الصفحة
المقدمة 1
الباب الأول
تأسيس الدولة الطولونية
( الفصل الأول) نشأة أحمد بن طولون وصفاته
2
3
( الفصل الثاني ) ولايته على مصر 6
( الفصل الثالث ) حروب أحمد بن طولون حتى وفاته 8
( الفصل الرابع ) أهم أعمال أحمد بن طولون
1 - مدينة القطائع
2 - جامع ابن طولون 14
14
15
الباب الثاني
أولاد أحمد بن طولون حتى زوال دولتهم
( الفصل الأول ) خُمارويه وولايته على مصر
16
17
( الفصل الثاني ) جيش بن خُماروايه وولايته على مصر 20
(الفصل الثالث ) هارون بن خُمارويه وولايته على مصر 22
(الفصل الرابع ) شيبان بن أحمد بن طولون حتى نهاية الدولة الطولونية 24
الخاتمة 26
قائمة المصادر 27
الفهرس 28
الدولة الطولونيه بحث متكامل
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد ابن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين :
أما بعد :-
فقد كتبت في بحثي هذا عن الدولة الطولونية منذ تأسيسها حتى نهايتها ، وما يؤسفني أنني لم أجد كتاب واحد يتحدث عن الدولة الطولونية بشكل منفرد بل كانت منساقه في خياظ الدولة العباسية إلا بعض المصادر القديمة مثل كتاب البلوي إلا أنه لا يتحدث إلا عن أحمد بن طولون ويغفل سيرة أبنائه من بعده ونرى أن البلوي نقل عن كتاب ابن الدايه الذي ضاع مع الزمان . ومن الكتب التي ساعدتني في بحث كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لإبن تغري بردي فإنه كتاب مفيد ويسهل فهمه ، وأيضاً ساعدني في كتابة بحثي كتاب أحمد بن طولون للدكتورة سيدة إسماعيل الكاشف .
وإني أرجو من الله أن ينال بحثي هذا رضائكم واستحسانكم ولكم جزيل الشكر والتقدير .
والله الموفق
الباب الأول :
تأسيس الدولة الطولونية .
- الفصل الأول : نشأة أحمد بن طولون وصفاته .
- الفصل الثاني : ولايته على مصر .
- الفصل الثالـث : حروب أحمد بن طولون حتى وفاته .
- الفصل الرابع : أهم أعمال ابن طولون .
1 ) مدينة القطائع .
2 ) جامع ابن طولون .
الفصل الأول
نشأة أحمد بن طولون وصفاته
لقد كان أبوه طولون مولى نوح بن أسد السماني عامل بخاري وخراسان ؛ أهداه نوح إلى الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد ، فرقاه المأمون حتى صار من الأمراء . ولد أحمد سنة 220هـ كما ورد في كتاب ابن الدايه وكتاب البلوي في مدينة سر من رأى ، وبعض المصادر تقول أنه ولد في سنة 214هـ ولكن الأصح أنه ولد سنة 220هـ من جارية تسمى قاسم . وقالت بعض المصادر أن احمد لم يكن ابن طولون وإنما طولون تبناه وأنه ابن يلبخ التركي ولكن الصحيح أحمد هو ابن طولون ودليل ذلك أن الموفق لما كان يلعنه في المساجد لم ينسبه إلى يلبخ وهو معروف أنه مضحاك ويُسخر منه بل نسبه إلى طولون وهو معروف بالستر .
ونشأ أحمد بن طولون على مذهب جميل ، وحفظ القرآن وأتقنه ، وكان من أطيب الناس صوتاً به ، وتفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة . ولما ترعرع أحمد تزوج بابنة عمه ماجور وهي خاتون فولدت له إبنه العباس وابنته فاطمة ، ولما مات أبوه طولون سنة 240هـ فوض له الخليفة المتوكل ما كان لأبيه من أعمال ، ونشأ أحمد بن طولون على الفقه والصلاح والدين والجود حتى صار له في الدنيا الذكر الجميل . وكان شديد الإزراء على الترك وأولادهم لما يرتكبونه في أمر الخلفاء .
وكتب أحمد بن طولون إلى وزير المتوكل عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، ليكتب ورقه له على الثغور ليكون على جهاد متصل وثواب دائم ، فخرج أحمد ومعه الخاقاني وهو أحمد بن محمد بن خاقان ؛ فلما رأى ما الناس عليه من الأمر بالمعروف ومجانبة المنكر أنست نفسه وأقام يسمع الحديث مدة ، فرجع الخاقاني إلى سرى من رأى فإستقبلته أم أحمد قاسم بالبكاء حسباً منها أن إبنها مات فحلف لها الخاقاني أنه بخير ، ورجع إلى أحمد وأخبره عن حال أمه فرجعوا إلى بلادهم معهم أناس ومعهم خادم الخليفة المستعين بالله ومعه ثياب مثمنة من عمل الدوم ، فساروا إلى الرها ، فقيل أن جماعة من قطاع الطرق في طريقهم ؛ فأشار الناس إلى دخول حصن الدها حتى يتفرقوا ؛ فقال أحمد : لا يراني الله فاراً وقد خرجت على نية الجهاد . فخرجوا والتقوا بقطاع الطرق فقتل منهم جماعة وفر الباقون ، فزاد أحمد في أعين الناس مهابة وإجلال ، فلما وصلوا إلى سرى من رأي ذهب الخادم إلى المستعين بالثياب ، فلما رأيها إستحسنها فقال له الخادم لولا ابن طولون ماسلمت ولا سلمنا وحكى له القصة ؛ فبعث الخليفة المستعين إلى أحمد مع الخادم ألف دينار سراً وأخبره أن الخليفة يحبه ولولا خوفه عليه من الناس لقربه لديه .
وكان ابن طولون إذا دخل إلى الخليفة أومأ إليه بالسلام سراً ووهب له الخليفة جارية اسمها مياس فولدت له ابنه خمارويه سنة 250هـ .
أما إذا جئنا إلى صفات أحمد بن طولون فقد اشتهر بالتقوى ، وقد اتخذ الجهاد في حياته ، ولقد ذكر كثير من المؤرخين أنه كان رجلاً ذكياً بعيد النظر صادق الفراسة ، أما أعظم صفاته التي برز بها فهي كرمه الحاتمي الذي استطاع بواسطته أن يكسب رجالاً ما كانوا يترددون في الانضمام إلى خصومه .
الفصل الثاني
ولايته على مصر
تنكر الأتراك على الخليفة المستعين وخلعوه ونفوه إلى واسط ، وصار المعتز الخليفة ، واختار الأتراك أحمد بن طولون ليستلم المستعين ويذهب به إلى واسط وأرسلت له قبيحه أم المعتز كتاب ليقتل المستعين ويحكم واسط لكن ابن طولون قال»والله لا يراني الله عز وجل أقتل خليفة له في رقبتي بيعه وأيمان مغلظة أبداً «( ) فلما أمتنع أحمد عن قتل المستعين وجه له الأتراك خطاباً بتسليم المستعين إلى سعيد الحاجب فسلمه له ؛ فقتل المستعين . فوارى أحمد بن طولون جثة المستعين الثرى ورجع إلى سرى من رأى وأقام بها ، فزاد محله عند الأتراك فولوه مصر نيابة عن أميرها وذلك سنة 254هـ . فقال حين دخلها : » غاية ما وعدت به في قتل المستعين واسط ،فتركت ذلك لله تعالى ، فعوضني ولاية مصر والشام «( ) ودخل أحمد بن طولون مصر وكان على خراجها أحمد بن محمد بن مدبر وكان من دهاة الناس ، ولقي أيضاً شقير الخادم صاحب البريد ، وهو غلام قبيحه والدة المعتز .
وقد أهدى ابن المدبر لابن طولون ألف ألف دينار ، لكن أحمد رفضها فخاف ابن المدبر من أحمد ، وبعد مدة أرسل أحمد إلى ابن المدبر يطلب منه الغلمان الذين لديه فلم يستطع إلا القبول وأرسل الغلمان إليه وهذا يدل على دهاء أحمد بن طولون .
ولما حصلت مصر إلى يارجوخ في جملة ما حصل له من أمور باكباك ، كتب إلى أحمد ابن طولون ويقول له تسلم من نفسك لنفسك ، وزارة جميع الأعمال الخارجية عن مصر . وكتب إلى إسحاق بن دينار ، وهو متقلد الإسكندرية بتسليمها إلى أحمد بن طولون الذي بدوره جعله على الإسكندرية .
الفصل الثالث
حروب أحمد بن طولون حتى وفاته
كان ابن الشيخ حاكم على فلسطين والأردن فلما قتل المهتدى على يد الأتراك عام 256هـ وبويع المعتمد بالخلافة ، رفض ابن الشيخ أن يبايعه وكانت له أطماع شخصية ، فأمر الخليفة أحمد بن طولون في محاربته ، فإستعد ابن طولون بجيش كبير ، واستخلف ابن طولون علىمصر أخاه موسى وسافر على رأس الجند إلى أن وصلوا إلى حدود فلسطين ، ويذكر أيضاً أن ابن الشيخ سطا على مال موجه من مصر إلى العاصمة في سر من رأى واستولى عليه ، غير أن الخليفة أمر ابن طولون بالرجوع إلى مصر ولا يُعلم ما هي الأسباب وراء ذلك القرار هل هو خوف الخليفة من توغل ابن طولون في الشام ، أم أراد أن يبعد ماجور التركي الذي أقطعه الشام على ساحة الخلافة . لكن المهم أن ابن طولون كسب هذا الجيش الذي كان عماد حكمه وحكم ابنه خمارويه من بعده .
بعد ذلك استطاع ماجور من القضاء على فتنة عيسى بن الشيخ الذي هرب إلى أرمينية ونرى أن ماجور هذا إشترك مع ابن المدبر في الكيل لابن طولون ووضع الدسائس له في العاصمة سر من رأى وكتبوا إلى المعتمد يحذرونه من قوة ابن طولون التي في ازدياد ، ولذا كتب الخليفة إلى ابن طولون أن يترك في مصر نائباً وأن يسافر إلى سر من رأيى ليتولى منصباً فيها . ولكن ابن طولون فهم الغرض من إستدعائه وبعث كاتبه وموضع ثقته الواسطي سنة 257هـ ومعه الهدايا والأموال لأولياء الأمر في بلاط الخليفة ولا سيما الوزير حسن بن مخلد وطبيعي أيضاً أن يعمل يارجوخ على نصرة زوج ابنته ، وأقنعوا الخليفة في الثقة في ابن طولون .
فخاف ابن المربد من هذا النصر لابن طولون وطلب نقله إلى إقليم أخر فنقل إلى الشام .
وعين بدلاً منه عامل أخر ، ونرى أن الخليفة طلب من ابن طولون مال لكن ابن طولون قال كيف أعطيك المال والخراج ليس في يدي فقلده الخليفة أمور الخراج في مصر والثغور ونأتي إلى ثورة بغا الأصغر على ابن طولون في موقع بين الإسكندرية وبرقة ثم اتجه إلى الصعيد فأرسل إليه ابن طولون جيشاً هزمهم وحمل رأسه إلى الفسطاط .
وأيضاً ثورة ابن الصوفي الذي استولى على أقليم اسنا في مصر العليا فعبث إليه ابن طولون جيشاً بقيادة ازداد ولكن ابن الصوفي هزم ذلك الجيش وقتل ازداد ومثل به فأرسل ابن طولون جيشاً آخر بقيادة بهم بن الحسين الذي أخمد ثورة بغا الأصغر وهزم بهم بن الحسين ابن الصوفي ، وهرب ابن الصوفي لكنه بعد مده خاف من العمرى الذي زادت قوته في جنوب مصر فتقابل الجيشان وقتل ابن الصوفي فأراد ابن طولون القضاء على العمري فوجه إليه جيشاً لكن العمري استطاع الإنتصار على الجيش المرسل إليه ، لكنه قتل على يد غلمانه وأرسلوا رأسه إلى ابن طولون .
وجاءت هنا مشاكل ابن طولون مع الموفق أخى الخليفة المعتمد فقد طلب من ابن طولون أموال لكي يستطيع صرفها في إخماد ثورة الزنج التي نشبت في شرقي الدولة العباسية وأرسل إلى ابن طولون شخصاً اسمه نحرير ، وأرسل المعتمد رسالة إلى ابن طولون يحذره فيها من نحرير ويخبره أنه لم يرسله إلى مصر إلا بإرادة الموفق فتنبه ابن طولون واستقبل نحريراً في قصره وعمل على أن لا يمكنه من الاتصال بأحد أثناء إقامته في مصر فضلاً على أنه استولى على كل الرسائل التي كان نحرير يحملها من قبل الموفق إلى أعيان مصر وكبار رجالها .
وأجاب ابن طولون مطالب الموفق بكتاب رقيق سلمه إلى نحرير مع مليون ومائتي ألف دينار فضلاً عن الخيل والأقمشة . أما الموفق نفسه فالظاهر أنه كان يتوقع أن يرسل ابن طولون إليه مبلغاً يفوق ما وصله فغضب وكتب إلى ابن طولون كتاباً شديداً يلومه فيه ويعنفه أشد العنف . بل أنه أراد أن يعزله لكنه لم يجد أحداً يقبل وظيفته لما كان يفرقه على كبار رجال الدولة من العطايا ، وكتب ابن طولون رداً على كتاب الموفق ، فأمر الموفق موسى بن بغا بتسيير جيش إلى مصر فلما علم ابن طولون بدأ يحصن مصر ، لكن جنود موسى ساد بينهم الإضطراب وثاروا يطلبون أعطياتهم المتأخرة وأحس موسى بقوة خصمه فترك الجنود واعتزل في العراق حيث مات بعد شهرين ، وبذلك نرى أن موقف ابن طولون أصبح قوياً جداً وثبت حكمه على مصر .
بدأ أحمد بن طولون في التطلع إلى مد نفوذه خارج مصر فأراد الشام لكنه أراد أسباباً لذلك فادعى أنه فتح باب الجهاد على البيزنطيين فسار على رأس الجند إلى الشام لكن قبل ذلك كتب كتاب تعزية إلى علي بن ماجور في وفاة والده حاكم الشام بل طلب منه أن يستعد بالمؤونة اللازمة للجند المصريين ، ولم يجد علي بن ماجور وأتباعه بداً من الخضوع ، فسار ابن طولون بجيشه حتى وصل مدينة الرمله في فلسطين حيث قدم إليه حاكمها فروض الطاعة ،أما في دمشق فقد استقبله الوالي علي ابن ماجور ومعه أحمد دوغباش الذي كان وصياً عليه . أما ابن طولون فقد نوب ابن دوغباش لحكم الإقليم وكذلك خضعت له حمص وحماه وحلب . ولكن في انطاكيه قاومه سيما الطويل حاكم الأقليم الذي كان عنده جند كثير من الترك .
وحاصر أحمد بن طولون أنطاكيه ودام الحصار بعض الوقت وجزع الناس من سيما الطويل فدلوا ابن طولون على مواطن الضعف في الحصن فدخله سنة 265هـ وقتل سيما الطويل ودان له أهلها بالطاعة .
وكان ابن طولون ينوي غزو البيزنطيين لولا ما بلغه من ثورة ابنه العباس فعادة إلى القطائع سنة 265هـ ليقضي على هذه الثورة .
ولما رجع أحمد بن طولون إلى الفسطاط هرب إبنه إلى الجيزة وأسر معه الواسطي بعدما سرق بيت المال ، ومن الجيزة توجه إلى برقة وتوجه إلى أفريقيه وأباح المدينة لجنده وقتل الرجال . وإستغاثت طائفة من أهل حصن لبدة بإلياس بن منصور النفوسي زعيم الخوارج الأباضية وسار إلياس إلى العباس في اثنى عشر ألف مقاتل فقتل أكثر الذين مع العباس وفر العباس إلى برقة ، واستطاع الواسطي الهروب من الأسر ، فأرسل أحمد بن طولون جيشاً إلى برقة استطاع أسر العباس وصحبه فأمر ابن طولون بجلد المتآمرين ومعهم ابنه العباس حتى مات بعضهم من جلد السياط ، وزج بالعباس في السجن .
بعد ذلك خرج مولى أحمد بن طولون لؤلؤ الذي عهد إليه بحكم حلب وقنسرين وحمص وديار مضر وإنضم إلى الموفق وإعترف بسلطانه عليه وبعث إليه الأموال التي كان عليه أن يرسلها إلى سيدة أحمد بن طولون ، فأعد ابن طولون العدة وتوجه إلى الشام وعين ابنه خمارويه ينوب عنه في مصر وكان ذلك في شهر جماد الأولى سنة 269هـ ووصل إلى دمشق وجاءه كتاب من الخليفة المعتمد يخبره أنه قادم إليه ففرح أحمد بن طولون بهذا الخبر لأنه أراد نقل الخلافة إلى مصر لكن الموفق علم بالأمر وقبض على الخليفة وأسره في العاصمة سرى من رأى ، وعقد بعده الموفق لإسحاق بن كنداج على مصر . فعمل أحمد بن طولون إجتماع في دمشق جمع فيه الفقهاء وكتب كتاب خلع فيه أبا أحمد الموفق من ولاية العهد لمخالفته المعتمد وأسره له ، ولم يكتف ابن طولون بذلك بل جرد حملته المشهورة على الحجاز لمنع من أن يدعى للموفق على منابر مكة وحين بلغ الموفق ما فعله ابن طولون كتب إلى عماله يأمرهم بلعن ابن طولون على المنابر لكن الموفق أدرك أن موقفه ضعيف فبدأ يتصل بابن طولون فأرسل إليه يعاتبه على المبادرة بخلعه واسقاط اسمه ويعتذر له على ما كان من لعنه على منابر بغداد ولم يكن من أحمد بن طولون إلى أن جنح إلى المسالمة وإعتذر له .
بعد المؤتمر مرض ابن طولون مرضه الذي أدى لوفاته فأسرع بالعودة إلى مصر فوصل الفسطاط في جمادى الآخرة سنة 270هـ .
وتوفي أحمد بن طولون ليلة الأحد 10 ذي القعدة سنة 270هـ بعد أن حكم مصر ستة عشر عاماً .
الفصل الرابع
أهم أعمال أحمد بن طولون
1 ) مدينة القطائع :-
إختط ابن طولون عاصمته الجديدة القطائع سنة 256 هـ في المكان الواقع في سفح جبل يشكر إلى الشرق من العسكر ، والشمال الشرقي من الفسطاط ، وكان أحمد بن طولون حكيماً فقد أمكنه بذلك إبعاد جيشه غير المتجانس عن الأحياء العربية المصرية . وقسم الأمير مدينته الجديدة بيت جنده ورجال حاشيته ومن إحتاجوا إليهم من صناع أو تجار ، فصارت لكل طائفة قطيعة . وكانت كل قطيعة تعرف باسم من سكنها ، فكان هناك قطيعة الروم ، وقطيعة السودان ، وقطيعة البزازين ، وقطيعة الجزارين …. الخ .
وأصبح يطلق على مدينة ابن طولون القطائع ، وكان لقصر ابن طولون أبواب كبيرة وكان لكل باب منها اسم يدل أحياناً على الجهة التي يؤدي لها . وكان أهم أبواب القصر الطولوني باب الميدان ومنه كان يمر الجند . ولم تبق القطائع مدة طويلة مقر الأمير وخدمه وحشمه ورجال بلاطه وجيشه وحكومته فحسب بل ما لبث أن اتسع نطاقها وزادت عمارتها .
2- جامع ابن طولون :-
أراد أحمد بن طولون أن يكون له مسجد جامع كبير يتضاءل إلى جانبه جامع عمرو بن العاص وجامع العسكر ، ويكون عنواناً لعظمة الأمير ورخاء البلاد في عصره . فاختار أحمد بن طولون مكاناً لهذا الجامع على جبل يشكر . وكان مكان الجامع يتوسط القطائع عاصمة ابن طولون الجديدة ، وفرغ من بناء الجامع عام 265هـ .
ويتكون جامع ابن طولون من صحن مربع مكشوف طول كل ضلع فيه نحو اثنين وتسعين متراً ، وتحيط به أروقة من جوانبه الأربعة وتقع القبلة في أكبر هذه الأروقة .
وبين جدران الجامع وسوره الخارجي ثلاثة أروقة خارجية تسمى الزيادات . وأهم ما يمتاز به جامع أحمد بن طولون هو مئذنته أو منارته التي تقع في الرواق الخارجي الغربي ، وتكاد لا تتصل بسائر بناء الجامع ، وهي مشيدة من الحجر وتتكون من قاعدة مربعة تقوم عليها طبقة اسطوانية عليها أخرى مثمنة . وأما السلالم ضمن الخارج على شكل مدرج حلزوني . وليس لهذه المنارة نظير في البلاد الإسلامية .
ويمتاز جامع ابن طولون بمنبره الخشبي الجميل ويعتبر من أجمل نماذج الصناعة الخشبية في عصر المماليك . وفي المسجد الطولوني ستة محاريب أولها المحراب الأصلي المجاور للمنبر . وفي الجامع زخارف كثيرة محفورة في الجبس ، ويعتبر جامع ابن طولون من أهم وأقدم الآثار العربية في مصر .
الباب الثاني
أولاد أحمد بن طولون حتى زوال دولتهم
الفصل الأول : خُمارويه وولايته على مصر
الفصل الثاني : جيش بن خمارويه وولايته على مصر
الفصل الثالث : هارون بن خمارويه وولايته على مصر
الفصل الرابع : شيبان بن أحمد بن طولون حتى نهاية الدولة الطولونية
الفصل الأول
خمارويه وولايته على مصر
هو خمارويه بن أحمد بن طولون . ملك مصر والشام والثغور بعد موت أبيه بمبايعة الجند له في يوم الأحد 10 ذو القعدة سنة 270هـ . وعندما ولي أمره مصر أمر بقتل أخيه العباس الذي كان في حبس أبيه أحمد بن طولون لإمتناع العباس من مبايعته . وأم خمارويه هي مياس ، ولد بسر من رأى في سنة 250هـ.
فعقد خمارويه لأبي عبد الله أحمد بن محمد الواسطي على جيش إلى الشام ؛ وعقد لسعد الأيسر على جيش آخر ، فنزل الواسطي فلسطين وبموت ولي نعمته أحمد أبن طولون كتب إلى الموفق يصغر أمر خمارويه ويحرضه على المسير إلى قتاله ، فأقبل ابن الموفق من بغداد وقد انضم إليه إسحاق بن كنداج ومحمد بن ديوداد أبي الساج ونزل الرقة فتسلم قنسرين والعواصم ثم سار ابن الموفق حتى قاتل أصحاب خمارويه وهزمهم ودخل دمشق ، فخرج خمارويه في جيش عظيم سنة 271هـ ؛ فالتقى مع ابن الموفق بنهر أبي فطرس المعروف بالطواحين من أرض فلسطين ، فإقتتلا فانهزم أصحاب خمارويه واحتوى ابن الموفق على عسكر خمارويه بما فيه . ومضى خمارويه عائداً إلى مصر مهزوماً وحارب سعد الأيسر ابن الموفق حتى هزمه وأزاله عن عسكره اثنى عشر ميلاً . ثم مضى سعد الأيسر مع الواسطي إلى دمشق وطمع في البلاد الشامية واستخف بخمارويه وغيره ثم استولى على دمشق ، ولما وصل خمارويه إلى مصر وعلم بأمر سعد الأيسر رجع إلى الشام سنة 272هـ فقابل سعد الأيسر وقاتله وهزمه وظفر به وقتله ، ودخل دمشق وملكها في محرم سنة 273هـ وأقام بها أياماً ثم سار لقتال ابن كنداج فتقاتلا فكانت الهزيمة أولاً على خمارويه لكن خمارويه ثبت مع حاميته وقاتل ابن كنداج حتى هزمه وتبعه بأصحابه حتى وصلت جيوش خمارويه إلى سر من رأى بالعراق ثم كتب خمارويه إلى أبي أحمد الموفق طلحة في الصلح ، فأجابه أخو الخليفة الموفق لذلك وكتب لخمارويه بولايته على مصر والشام جميعه والثغور ثلاثين سنة ، فعاد خمارويه إلى مصر .
ثم بلغ خمارويه مسير محمد بن أبي الساج إلى أعماله بمصر ،فخرج بعساكره ولقيه بثنية العقاب في دمشق وقاتله وأشتدت الحرب بين الفريقين وإنكسر عساكر خمارويه لكنه ثبت مع خاصته كعادته وقاتل حتى هزم ابن أبي الساج أقبح هزيمة وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة وأسر وغنم ، وعاد إلى الديار المصرية ودخلها سنة 276هـ .
وفي سنة 278هـ ورد الخبر إلى خمارويه بموت الموفق وفي سنة 279هـ بموت الخليفة المعتمد ، وبويع بالخلافة المعتضد أبو العباس أحمد بن الموفق طلحة بعد عمه المعتمد فبعث خمارويه إلى المعتضد بهدايا وتحف وسأله أن يزوجه ابنته قطر الندى لولد الخليفة المعتضد المكتفي بالله ، لكن المعتضد استأثرها لنفسه وتزوجها سنة 281هـ ولما تصاهر خمارويه مع المعتضد زالت الوحشة . وولاه المعتضد من الفرات إلى برقة ثلاثين سنة ، وجعل إليه الصلاة والخراج والقضاء بمصر وجميع الأعمال .
وإن خمارويه عني بالقصر أشد العناية وجعل حول أسواره بساتين وجنان عظيمة ووضع له بركة من الزئبق لكي يريح بها جسمه ، وبنى غرف أخرى إلى أمهات وزوجات أبيه أحمد بن طولون وإلى زوجاته المعزولات .
كان خمارويه كثير الفساد بالخدم ، فدخل الحمام مع جماعة منهم فطلب من بعضهم الفاحشة فإمتنع الخادم حياء من الخدم فأمر خمارويه أن يضرب ؛ فلم يزل يصيح حتى مات في الحمام فأبغضه الخدم وكان قد بنى قصراً بسفح قاسيون بالشام يشرب فيه الخمر ، فدخل تلك الليلة الحمام فذبحه خدمه . وقيل : ذبحوه على فراشه وهربوا وقيل غير ذلك ، وكان ذبحه سنة 282هـ ، وحمل أبا الجيش خُمارويه في تابوت من دمشق إلى مصر وصلى عليه ابنه جيش ودفن بالقصر إلى جانب أبي عبيد البراني ( ) .
وكانت مدة حكم خمارويه على مصر والشام اثنتى عشرة سنة وثمانية عشر يوماً وتولى مصر بعده ابنه أبو العساكر جيش بن خمارويه بن أحمد بن طولون .
الفصل الثاني
جيش بن خمارويه وولايته على مصر
هو أبو العساكر جيش بن أبي الجيش خُمارويه بن أحمد بن طولون . وليَ مصر والشام بعد مقتل أبيه خمارويه بدمشق في 17 ذي القعدة سنة 282هـ ، فأقام بدمشق أياماً ثم عاد إلى ديار مصر . وكان لما مات أبوه تقاعد عن مبايعته جماعة من كبار القواد لقلة المال وعجزه عن أن ينعم عليهم ، ولكن تلطف بعض القواد في أمره حتى تمت البيعة ، وبايعوه وهو صبي لم يؤدبه الزمان .
فلما تم أمره أقبل على الشرب واللهو مع عامة أوباش ، وأول شيء عملوه صحبته هو أنهم حرضوه على عمه أبي العشائر نصر بن أحمد بن طولون ، فقبض عليه جيش ودس إليه من قتله ثم اشتغل بعد ذلك جيش بهذه الطائفة المذكورة عن حقوق قواد أبيه وعن أحوال الرعية . وأخذ جيش كلما شرب الخمر مع طائفته يقول لهم غداً أقلدكم محل هؤلاء القواد الكلاب وكانت الأخبار تصل إلى القواد، فتأمر القواد عليه ليقتلوه ، وبلغه الخبر وأخذ يتوعدهم بالقتل ؛ فوصل الخبر لهم فاعتزل من عسكره كبار القواد وخرجوا في خاصة غلمانهم وساروا حتى وصلوا إلى الكوفة وإتصلت أخبارهم بالخليفة المعتضد ببغداد فوجه إليهم بالزاد والميرة والدواب ، وبعث إليهم من يتلقاهم وقبلهم أحسن قبول وأجزل جوائزهم وضاعف أرزاقهم .
وبلغ جيش خروج طفج بن جف أمير دمشق عن طاعته ، وخروج ابن طغان أمير الثغور أيضاً ، وأنهما خلعاه وأسقطا أسمه من الدعوة والخطبة على منابر أعمالهم .
فلم يكربه هذا الأمر ولم يفعل حياله أي شيء ، فلما رأى ذلك من بقي من غلمان أبيه بمصر مشى بعضهم إلى بعض وتشاوروا في أمره ، فإجتمعوا على خلعه ، وفي الغد اجتمع قواد أبيه ومعهم عدول البلد وقالوا نحضره ونسأله أن يعدل من أمره فإن لم يستطع بايعنا غيره بالبيعة ، فأحضروه وسألوه وقال أنه غير قادر على ذلك وغير قادر على تدبير أمور الدولة وأنه جعل من له في عنقه بيعة في حل ، وعُمل بذلك محضر شهد فيه عدول البلد ووجوهه ومن حضر من القواد والغلمان وصرفوه وحبسوه .
وكان خلع جيش 10 جمادى الآخرة سنة 283هـ وكانت ولايته ستة أشهر واثنى عشر يوماً ،وقتل في السجن بعد خلعه بأيام يسيرة .
الفصل الثالث
هارون بن خمارويه وولايته على مصر
هو الأمير أبو موسى هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون . ولي مصر بعد قتل أخيه جيش بن خمارويه في العاشر من جمادي الآخرة سنة 283هـ . وكانت بيعته من غير عطاء للجند ، وهو من الغرائب وبايعوه طوعاً ولم يمتنع عليه أحد ، وجعلوا أبا جعفر بن أبُي خليفته والمؤيد لأمره وتدبيره ، وسكنت ثائرة الحرب وقد قدار الناس وقتل غالب أصحاب جيش . ثم بعد أيام أمر أبو جعفر بن أبُي ربيعه بن أحمد ابن طولون أن يخرج إلى الإسكندرية ، وكاتبه بعض الناس في الثورة وأخذ مقاليد الحكم ، وجاء ربيعه إلى جبل المقطم ، وسمع أبو جعفر بالخبر فأخبر الناس بالذهاب إلى الموقع ، وانتظر ربيعة من كاتبوه فلم يظهر منهم أحد ، وأخذ يبارز الغلام الواحد تلو الآخر ويقتلهم وأخذ يبارزهم حتى الزوال فأكبوا عليه ورموا بأنفسهم عليه حتى أخذوه وإعتقلوه ؛ فلما كان الغد أمر أن يضرب بالسوط ، فأخذ يضربه غلمان الكفتي ، والكفتي هذا كان من قواد أبيه ، وربيعة قتل غلامه في المبارزة ، فضربوه حتى مات ، لكن الكفتي قال: لحم البقر لا ينضج سريعاً فضرب أسواطاً بعد موته . وفي الغد بلغ سودان أبيه كلام الكفتي فغضبوا وزحفوا على داره ونهبوها .
وثبت ملك هارون وهو صبي والأمر كله مردود إلى ابي جعفر بن أبُي يدبر كما يرى ، فلما رأى غلمان أبيه الكبار الأمر كله لأبي جعفر ، وهم بدر وفائق وصافي ، قبض كل منهم على قطعة من الجيش وحازها لنفسه . ثم خرج بدر القائد والحسن ابن أحمد الماذرائي إلى الشام فأصلحوا أمرها ، وإستخلفوا على دمشق الأمير طفج بن جف .
وكان أبو جعفر عنده دهاء ومكر فبقى في قلبه أثر مما فعله برمش من يوم خلع جيش وقتل علي بن أحمد ، فجلس أبو جعفر يوماً ببرمش وحرضه على القواد الروم فبسط لسانه على بدر وغيره من الأورام ، ودس برمش غلاماً إلى بدر فوقف على الباب فلما خرج بدر أقبل عليه الغلام وقبل فخذه فإنكب بدر على رأسه ، فضربه الغلام في رأسه وشجه ، وقبض على الغلام فقال دسني برمش فغضب الناس وثاروا على برمش فلما علم بالأمر خرج هو وغلمانه وحواشيه إلى الموضع المعروف ببئر برمش ، فركب ابن أبُي وقال لهارون أن غلامه برمش خرج عليه ، وخرجوا إليه فلما رأى هذا استعد للقتال فقالوا له أن أميره معهم فلم يقاتل إلا أن أبي جعفر حرض جنده فقتلوه بسيوفهم .
وقد خرج في الشام رجل يقال له القرمطي أدعى أنه من نسل علي بن أبي طالب وعاث بالأرض فساداً ، فأرسل هارون له جيشاً لكنه إنهزم منه ، فأرسل له الخليفة المكتفي جيشاً بقيادة محمد بن سليمان فهزمه وقبض على القرمطي وقتل في بغداد .
وأمر الخليفة محمد بن سليمان لمقاتلة هارون بن خمارويه فلما علم بذلك هيأ العساكر فاستعدوا ثم رحلوا إلى العباسة يريدون الشام ، وكان القواد بدر وفائقاً انضموا إلى جيش محمد بن سليمان لحقدهم على هارون الذي قدم عليهم القائد لحجاً وهم يرون أنهم أحق منه ، فكتب لهم هارون كتاباً يستعطفهم في الرجوع إليه .
وبينما هارون بن خمارويه ذات ليلة بالعباسة وقد شرب وثمل ونام أمناً وثب عليه بعض غلمانه فذبحه ، فنهض عمه شيبان بن أحمد بن طولون ودعا لنفسه ، وضمن للناس حسن القيام بأمر الدولة والإحسان لمن ساعده ، فبايعه الناس على ذلك .
الفصل الرابع
شيبان بن أحمد بن طولون
حتى نهاية الدولة الطولونية
هو شيبان بن أحمد بن طولون الأمير أبو المقانب ، ولي إمرة مصر بعد قتل ابن أخيه هارون بن خمارويه في 19صفر 292هـ .
ولما علم أبو جعفر بن أبُي بالأمر ما كان من أمر هارون وقتله رحل عن موضعهما في العباسة مع نفر من خاصة أصحابه ولحق بعسكر طفج بن بن جف نائب دمشق ، وقد وصل محمد بن سليمان الكاتب وفائق ويمن وغيرهم من موالي خمارويه وأخبروهم بذلك ، فرحلوا بعساكرهم حتى نزلوا العباسة ، وذلك بعد رحيل شيبان عنها إلى مدينة الفسطاط أما شيبان لما دخل الفسطاط مع جميع إخوته وبني عمه والعسكر الذي كان بقي من عسكر ابن أخيه هارون تهيأ لقتال القوم ، وتهيأ محمد بن سليمان ومن معه وكان دميانه البحري قد وصل إلى الفسطاط أيضاً فضرب جسر الفسطاط الشرقي بالنار وأحرقه وأحرق بعض الجسر الغربي ، ثم جاء محمد بن سليمان بعسكره ونزل بباب الفسطاط ، فضرب خيامه بها سنة 292هـ . ولما بلغ ذلك شيبان خرج بعساكره من مدينة الفسطاط وقد اجتمع معه من الفرسان والرجالة عدة كثيرة ووقف بهم لمنع محمد بن سليمان الكاتب من دخول المدينة ، والتقى الجمعان وكان بينهم مناوشة ساعة ؛ ثم كتب محمد بن سليمان إلى شيبان والحرب قائمة يؤمنه على نفسه وجميع أهله وماله وولده وإخوانه وبني عمه جميعاً ؛ ونظر شيبان عند وصول الكتاب إليه قله من معه من الرجال ، فإستأ من إلى محمد بن سليمان وجمع إخوانه وبني عمه في الليل وتوجهوا إلى محمد بن سليمان وصاروا في قبضته لكن الفرسان علموا بما فعل شيبان فكفوا عن القتال وبقيت الرجاله على حالها ولم تعلم بما فعله شيبان وفي صباح يوم الخميس التقوا مع عسكر محمد بن سليمان فإنكسروا وإنكبت الخيل عليهم وأزالتهم وأنكبت أيضاً على قطائع السودان الطولونية وأخذوا يأخذون منهم ويذهبون بهم إلى محمد بن سليمان وهو راكب على فرسه فيأمر بذبحهم .
ثم دخل محمد بن سليمان الكاتب مدينة الفسطاط بعساكره من غير أن يمنعه عنها مانع ، أحرقت القطائع التي كانت حول الميدان من مساكن السودان بعد أن قتل فيها خلق كثير حتى صارت خراباً ودماراً . وكانت مدة تغلب شيبان على مصر ، تسعة أيام منها أربعة كان فيها أمره ونهيه .
ولبث محمد بن سليمان الكاتب في الفسطاط أربعة أشهر خرب فيها المدينة وقتل خلق كثير واستصحب معه الأمير شبيبان بن أحمد بن طولون وبني عمه وأولادهم وأعوانهم ، والجميع في الحديد إلى العراق وأخرج قوادهم في بغداد ونكل بهم وقتلهم وكان ذلك في يوم الخميس مستهل شهر رجب من عام 292هـ .
وبهذا زالت الدولة الطولونية التي أسسها أحمد بن طولون عام 254هـ والتي استمرت قرابة الأربعين عاماً .
الخاتمة
الحمد لله رب العالمين لقد تم بحثي هذا وإني أرجو من الله أن أكون قد شملت كافة الموضوع عن الدولة الطولونية وإن دأبي أن يكون هناك كتاب حديث يعني الدولة الطولونية منفردة وحدها بدلاً من الكتب التي تضعها في سياق الدولة العباسية ولا تعطينا المعلومات الكاملة عن هذه الدولة بل معلومات مختصرة متى قامت ومن أسسها ومتى إنتهت وكيف ، ولكن أريد كتاباً شاملاً لكل مناحي هذه الدولة
هذا وما أصبت فمن الله وما أخطأت فمن نفسى والشيطان .
والحمد لله رب العالمين ،،،
مع خالص شكري وتقديري
إبنكم البار / محمد عبد العزيز الرحيلي
قائمة المصادر
1 ) أبي محمد عبد الله بن محمد المديني البلوي : سيرة أحمد بن طولون - دمشق .
2 ) الدكتورة سيدة إسماعيل كاشف : أحمد بن طولن - القاهرة 1385هـ .
3 ) جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن تغرى بردي الأتابكي : النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - بيروت 1413هـ -1992م .
4 ) الدكتور أحمد مختار العبادي : في التاريخ العباسي والفاطمي - بيروت .
5 ) الدكتور حسن إبراهيم حسن : تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي - القاهرة 1416هـ - 1996م .
6 ) الدكتور علي عبد المنعم شعيب : المختصر في تاريخ مصر - بيروت.
7 ) محمود شاكر : التاريخ الإسلامي - الدولة العباسية - بيروت 1411هـ - 1991م .
8 ) ابن سعيد الأندلسي : المغرب في حلى المغرب .
9 ) التويري : نهاية الأرب في فنون العرب .
10 ) العيني : عقد الجمعان في تاريخ أهل الزمان .
الفهرس
الموضـــوع الصفحة
المقدمة 1
الباب الأول
تأسيس الدولة الطولونية
( الفصل الأول) نشأة أحمد بن طولون وصفاته
2
3
( الفصل الثاني ) ولايته على مصر 6
( الفصل الثالث ) حروب أحمد بن طولون حتى وفاته 8
( الفصل الرابع ) أهم أعمال أحمد بن طولون
1 - مدينة القطائع
2 - جامع ابن طولون 14
14
15
الباب الثاني
أولاد أحمد بن طولون حتى زوال دولتهم
( الفصل الأول ) خُمارويه وولايته على مصر
16
17
( الفصل الثاني ) جيش بن خُماروايه وولايته على مصر 20
(الفصل الثالث ) هارون بن خُمارويه وولايته على مصر 22
(الفصل الرابع ) شيبان بن أحمد بن طولون حتى نهاية الدولة الطولونية 24
الخاتمة 26
قائمة المصادر 27
الفهرس 28