3isam46
01-28-2012, 07:32 AM
بحث جاهز تاريخ الموسيقى العربية
بحث حول الموسيقى، تاريخ الموسيقى، الموسيقى العربية، بحوث جاهزة
ان الباحث وقع تحت تأثير المستشرقين ومن تبعهم من النقاد العرب الموسيقيين في ترتيب مراحل دراسة الموسيقى العربية ولم يشذ عنهم سوى باحثين (هنري فارمر، والدكتور صبحي انور رشيد) اللذين استعانا بعلم الاثار؛ وهكذا غدا الترتيب، العصر الجاهلي، العصر الاسلامي، العصر الاموي، العصر العباسي، ثم الفترة المظلمة، وكأنه حقيقة. لكن الحقيقة هي غير ذلك تماماً فلا يعقل ان يكون للعصر الجاهلي (500 –الى سنة 662)م قد ظهرت فجأة. والحقيقة ان لها امتداداً كبيراً قدر بأربعة الاف سنة قبل الميلاد أكده علم الاثار فأقدم الالات هي القيثارة والتي أكدت الدكتورة (آن كلموان) إن العازفين عليها كانوا يستخدمون السلم السباعي قبل الاغريق (الفيثاغوري) بمئات السنين. ان الالات الموجودة في المناطق العربية.. العود، الناي القانون والايقاعات كلها موجودة في الحضارات التي تشكلت في المناطق العربية، السومريون، البابليون، الاشوريون، وحضارة الجزيرة العربية، وهي أي الالات، صورة متطورة عن اجدادها.. وليس هناك تأثير فارسي وتركي سوى في الفترة الاخيرة (نهاية العباسيين) فقد وجد بعض التلاقح بينها جميعاً. كما ان فترة العصر الجاهلي فيها الكثير من المدن، مكة، تدمير، الحيرة، المدن اليمنية، وهذا يدل على أن العرب قد عرفوا غناء المدن ولا يقتصر غناؤهم على الحداء والنعي.
يعتبر الفن من اقدم المظاهر المعرفية واكثرها شيوعاً في الحياة الانسانية ومن المحال ان نجد مجتمعاً ما ومهما تدنى مستوى تطوره ان يخلو تماماً من أي شكل من اشكال التعبير الجمالي في الغناء او الموسيقى لاننا في مثل هذا الحال نكون قد جردناه من انسانيته خاصة وان الغناء والموسيقى كانا ولا يزالان يمثلان ظاهرة سوسيولوجية تجد فيها الشعوب والامم خصائص تميزها عن غيرها. ويعتقد علماء الانثرويولوجيا ان للموسيقى دوراً هاماً في تشكيل الذوق العام، وهذا بدوره يجب ان لا يقود الى الاعتقاد والتصور بوجود جميع اشكال الفن عند مجتمع ما دون غيره لان هذا التفاوت والتباين في درجة النضج الفني او مستوى تطوره مرتبط بتطور ادوات الانتاج وتطور المجنمع تأريخيا.
ان شيوع الفن عالمياً جعل الكثير من الفلاسفة أن يعتبروه احد المسلمات الاساسية في الثقافة الانسانية ويعتقد علماء الانثروبولوجيا ان للانسان نزوع غريزي للتعبير عن احساسه بالجمال وان هذا النزوع فطري للتعبير عن الجمال هو خصيصة انسانية بحتة وان اختلفت انماط هذا التعبير من مجتمع لاخر ازاء ردود الافعال تجاه الظواهر الحياتية او الجمالية ولكي نفهم الموسيقى لابد من (الربط بين حقائق تأريخ الموسيقى وتأريخ الروح الانسانية والحضارة العامة على حسب رأي (هوجو لايختنتريت) في مظاهرها المختلفة، وتأريخ الاحوال السياسية والاجتماعية، اذ ان لذلك اثراً بالغاً على الفن والعلم).
وفي البدء ارتبطت الموسيقى بالسحر، ولكنها ما لبثت ان غادرته الى المعابد واختلفت وظيفتها واصبحت جماعية بعد ان كانت فردية واصبحت اكثر تنظيماً واتساقاً مع الشعائر الدينية في تجلياتها المتباينة وما للاناشيد والتراتيل من دور طقسي مقدس انعكس بالتالي على العلاقة التبادلية بين اللغة والموسيقى من خلال تأثر الشعر بالموسيقى واخيراً غادرت الموسيقى المعابد لتصبح عالماً بذاته، وليس عالماً روحياً صرفاً بعد ان اتخذت طابعها الدنيوي.
< العصر الجاهلي
واذا كان للاديب عموماً المنزلة الاولى عند العرب فإن للموسيقى المنزلة الثانية ويرجع الكثير من الباحثين جذور الغناء والموسيقى عند العرب الى القرنين الخامس والسادس الميلادي، وهما القرنان اللذان اصطلح على تسميتهما، العصر الجاهلي (500 – 662م) بعد ان نضجت اللغة العربية وجاءت ممثلة في اكمل واجمل صورها في قصائد امرئ القيس والتي زامنها ظهور الحداء وظهور بعض الالات الموسيقية البسيطة ويرى سيمون جارجي (ان مصدر الانشاد عند العرب لا يكمن في القوالب الايقاعية ولا في اللغة العربية بل في وقع بعض الحركات التي تمثل اساس الموسيقى في العالم اجمع، فالبدوي غنى بعفوية وفق ايقاع ذلك السير الطويل في صحراء لانهاية لها).وهو الحداء، والحداء: هو الغناء الرتيب الذي كان يترنم به حداة الابل والذي مثل النواة الاولى للغناء، شأنه في ذلك شأن الموسيقى القديمة والى جانب هذا الغناء الرتيب البدائي هناك شكل آخر للموسيقى يصاحب الرقص الديني قبل الاسلام ويسمى التهليلات.
وكان لتأثر العرب بموسيقى الاحباش في الجنوب وموسيقى المصريين والكنعانيين والاراميين في الشمال وتأثرهم بالحانهم وآلاتهم من خلال رحلاتهم التجارية الاثر الاكبر. بَيَد ان تأثرهم بالموسيقى والغناء الفارسي والروماني كان اعم ولازالت لحد الان اغانٍ عراقية فولكلورية تستمد عروضها وآلحانها من اللغة السريانية كما في اغنية (مطر مطر). مطر مطر شاشة/ عبر بنات الباشةاو اغية: (طلعت الشميسة)وكانت نظرة العرب في الجاهلية للغناء وخاصة لدى الاشراف والامراء بعيدة عن الاحترام باعتبارها مهنة لانهم كانوا ينظرون الى جميع المهن نظرة احتقار وازدراء وكان المغنون من غير العرب، واشتهرت انذاك مغنيتان هما (جرادتاعاد) اللتان يضرب بهما المثل: ( تركته تغنيه الجرادتان) وهما جاريتان لمعاوية بن بكر.
< العصر الاسلامي
مثل الاستقبال الحافل للرسول (ص) في المدينة والذي شارك فيه الرجال والنساء والصبيان حفلاً موسيقياً كبيراً وفي حضرة الرسول (ص) بعد ان هرع اهالي المدينة لاستقباله واشترك في الغناء النساء والاطفال فرحين بقدومه وهذه مسألة معروفة لجمهرة المسلمين وهم ينشدون:
طلع البدر علينا/ من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا/ ما دعا لله داع
ايها المبعوث فينا/ جئت بالامر المطاع
جئت شرفت المدينة/ مرحباً ياخير داع
اما اول من ضرب بالدفوف في الاسلام فهن فتيات من بني النجار وهن ينشدن:
نحن جواد من بني النجار/ ياحبذا محمد من جار
وتعتبر هذه الاحتفالية علامة فارقة في تاريخ الغناء والموسيقى العربية ويصر الكثير من الفقهاء قدماء ومحدثين على تحريم الغناء الا ان الرسول (ص) نهى عن الغناء الذي فيه (جاهلية) أي غناء المجون والخلاعة وتعتبر (سرين) القبطية وهي جارية حسان بن ثابت اول مغنية في فجر الاسلام واكثرهن شهرة وقد اخذت عنها (عزة الميلاء) سيدة المدرسة الغنائية آنذاك والتي مهدت الطريق لمن عاصرها او جاء بعدها.اما اول من حاول تعريب الاغنية عن الفارسية والرومية فهو (سعيد بن مسبح ) ويصفه الاصفهاني في (اغانيه) بأنه مغن متقدم ومن فحول المغنيين نقل غناء الفرس الى غناء العرب واخذ الحان الروم وانتقى افضلها واستبعد قبيحها او ما لا ينسجم مع الذائقة العربية وغنى على هذا المذهب فكان ريادياً في ذلك وتبعه الاخرون.ويذكر د. محمد احمد حنفي في كتابه (اسحاق الموصلي): (وحتى زمان الخليفة عمر بن الخطاب ظل اهل الطرب يحتفظون بما عرف من الغناء العربي المتوارث والشائع مثل الحداء والنصب، والسناد.
< العصر الاموي
وما ان نصل الى العصر الاموي حتى نشهد نهضة غنائية وموسيقية تلقت الدعم والرعاية من الخلفاء الامويين المنهمكين بالتمتع بلذائذ الحياة لشدة تأثرهم بالحضارة البيزنطية وتشبها بسيرة اباطرتهم. ويذكر فايد المعروسي ان الخليفة معاوية طرب عند سماعه لغناء (سائب خاثر) مولى بني مخزوم واثنى عليه وهو يغني قول حسان بن ثابت:لنا الجفنات الغر يلمعن في الدجى/ واسيافنا يقطرن من نجدة دماً
بعدها اخذت النهضة الموسيقية سبلاً جديدة متوخية الطرائق العلمية فوضعت التآليف الموسيقية والغنائية وكان (يونس الكاتب) اول من كتب في هذا الموضوع وله (كتاب النغم) و(كتاب القيان) واصبح هذان الكتابان نواة لمن كتب بعده ويصف ابو الفرج الاصفهاني (يونس الكاتب) بأنه اول من كتب عن الغناء والموسيقى عند العرب وكانت هناك مدرستان في الغناء احدهما في مكة) والاخرى في (المدينة) ولكل منهما طرائقهما واساليبهما الغنائية وقد امتلئت هاتان المدينتان بالمغنين والمغنيات وعاش فيها في زمن واحد العديد من المشهورين منهم:
عزة الميلاء، جميلة، دلال، برد الفؤاد، نومة الضحى، رحمة، هبة الله، معبد، مالك، ابن عائشة، نافع بن طنبود، حبابة، سلامة، بلبلة، لذة العيش، سعيدة، الزرقاء وغيرهم..
ونتيجة للفتوحات الاسلامية تيسرت للعرب حالة من الاستقرار والرفاهية كشفت لهم ما وصلت اليه الموسيقى في بلاد فارس او بلاد الروم او بلاد الاقباط (مصر) مما دفع بالمسلمين لان ينظروا في امور دنياهم بمنظار اكثر تساهلاً وتسامحاًُ من ذي قبل.
وفي هذا العصر استخدمت الآت موسيقية اكثر تطوراً مما سبقتها مثل العود المتعدد الاوتار والقيثارة ذات الاثنا عشر وتراً (المعزف) والدف والطبلة واخيراً الطنبور او الطنبورة بالاضافة الى السنطور والكمنجة.
< العصر العباسي
اما في العصر العباسي فقد حدثت ثورة حقيقية على يد ابراهيم الموصلي وولده اسحاق الموصلي وابراهيم بن المهدي واخذ الغناء والموسيقى بعداً جديداً جراء الازدهار الاقتصادي الذي كان له الاثر الواضح على الدولة والمشتغلين في هذا المضمار ونشاط الترجمة وتنوع القيم المعرفية، ووفرة الالات الموسيقية وانغمار الخلفاء في البحث عن هذه المتع واللذائذ كان له اثر في اغناء حياتهم وثقافتهم على السواء. فأصبحت الموسيقى في بدء هذا العصر او كادت ان تكون علماً مستقلاً بعد ان اقبل المعنيون بالفن بنهم على قراءة مؤلفات (ارسطو) وغيره من الفلاسفة اليونان في الموسيقى ووصل بهم الامر ان اضافوا شروطاً جديدة اغنت فصول هذه الكتب من خلال تنظيراتهم حتى ظهر اخر المطاف عندهم علم جديد اسموه (علم الموسيقى) بعد ان اخترعت النوتة او السلم الموسيقي ولم يتوقف الامر عند هذا الحد، بل انهمك الكثير من الباحثين على دراسة اغان وموسيقى الشعوب الاخرى كالفرس والروم والهنود وتحليلها والافادة منها من خلال مواءمتها مع الغناء العربي وهذا بدوره اغنى الجهد الموسيقي وجعله اكثر تنوعاً وثراءً من خلال التلاقح الموسيقي وانعكس هذا بدوره على الجهد التأليفي ومن الذين كانت لهم ثقافة موسيقية (يحيى المكي) هذا المغني المعمر والمخضرم الذي عاش في العصر الاموي والعصر العباسي اخذ منه الكثير من المغنين واشهرهم ابراهيم الموصلي وقد الف كتاباً في الغناء اسماه (الاغاني ونسبها واجناسها) الا ان الاصفهاني تعرض له بالنقد الشديد، لكونه حفل بأخطاء شديدة على حسب رأيه ويليه في الاهمية: ابن سينا، والفارابي، والكندي, وصفي الدين الرومي البغدادي المجدد في الموسيقى العباسية، الا ان ما كتبه الثلاثة الاوائل اصبح مرجعاً رئيسياً للموسيقيين الغربيين واصبحت نظرياتهم ملهماً لهم في النهضة الاوربية، وبقيت الكثير من فصولها تدرس في الجامعات الاوربية، وظلت اوربا مدينة لهم بالكثير من الالات الموسيقية التي وردت لهم من اسبانيا تحمل معها اسماءها العربية: كالعود، والقانون ، والربابة، والقيثارة ، والنقارة، وللوقوف على ما وصلت اليه النهضة الموسيقية عند العرب وغيرهم من الشعوب التي دخلت في الاسلام الدور الذي لعبته في الحياة الفنية، انواع الالات، الاماسي الغنائية، طبقات المغنيين واشهرهم الطرائف التي رافقتها.. دور الموسيقيين الفلاسفة في العزف والاداء والتلحين والبراعة في اداء الادوار يتوجب الرجوع الى كتاب (الاغاني) لابي مرج الاصفهاني للاستزادة وبذكر ابو الفرج فيما يذكره من قصص في اغانيه وبتوصيف اخاذ الاماسي الجميلة التي كان يحييها الخليفة هارون الرشيد في قصوره والتي كان مهندسها شقيقه (ابراهيم بن المهدي) ومشاركة اخته (عليه بنت المهدي) والطريف فيها ان المغنيين والعازفين هم من افراد العائلة فقط. ومن الذين انهمكوا في غناء البحث الموسيقي "اخوان الصفا" الذين اولوا المفاهيم الجمالية الموسيقية اهمية استثنائية وعملوا على خلق مفهوم موسيقي ينسجم مع التناسب الفيثاغوري، وذكروا افكارا عميقة عن طبيعة الموسيقى، وتأثيراتها النفسية، ومذهبهم الروحاني الفلسفي يوصل الجمال بكل الوانه الى الله، واذا كان الدور الاول قد بدأه سعيد بن مسجع فان الدور الريادي في المرحلة الثانية كان للكندي: خاصة بعد ظهور مدرسة الشراح الاغريقيين وانتشارها قبيل القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي، فاصبح رائدها واستاذها الاول.
< العصر الاندلسي
اما الدور المهم والخطير فقد قام به ابي الحسن علي بن نافع الملقب (زرياب) بعد ان دخل الاندلس في زمن الخليفة عبد الرحمن الثاني في عام 822 م حيث كانت قرطبة مركزاً لأرقى الحظارات، وقد استطاع هذا الموسيقار الطموح والذي اشتهر باسم (العندليب المغرد) ان ينفذ مشاريعه الفنية في نشر الموسيقى الشرقية من خلال تأسيسه لأول معهد للموسيقى بعد ان استدعى المغنين من المدينة المنورة، وقد وضع شروطاً يجب توفرها للمتقدمين الى المعهد منها: على المتقدم ان يجتاز امتحان يحدد فيه درجة استعداده الذاتي للغناء، وألا تعذر قبوله، اما مناهج المعهد فتشتمل على: العزف، الغناء، التلحين، والشعر والرقص. وعمل على توفير مستلزمات المعهد، فعمل على نقل جميع الآلات الموسيقية انذاك الى الاندلس وطور العود بإضافة الوتر الخامس له وكان الاقبال على المعهد كبيراً وتوافد الطلبة من ارجاء اسبانيا ومن فرنسا والمانيا وانكلترا حتى ان ملك انكلترا (جورج الثالث) اوفد ابنة اخته (دوبانت) مع اكثر من عشرين طالباً للدراسة في هذا المعهد حتى بلغ عدد الطلبة (700 طالب وطالبة) بعدها انتشرت المعاهد الموسيقية في اشبيلية، وبلنسية وغرناطة. واهم ما اشتهرت به الاندلس فن الموشحات والزجل، ويذكر سيمون جارجي في مؤلفه (الموسيقى العربية): ان زرياب الذي نقل الموسيقى البغدادية، وفق الاسس التي بنيت عليها، عمل على اخضاعها لتطور خلاق وذكي، واضفى عليها طابع اندلسي بحت، أي جعل لها خصوصيتها. ان زرياب الذي زاد وتراً خامساً لعود اسحق الموصلي، اخترع مضراب العود من قوادم النسر عوضاً عن مضراب الخشب. والحق لقد ترك المسلمون في فن العصور الوسطى، ارثاً هائلاً ومهماً، والذي مثل قمة ما وصلت اليه الفنون، والعلوم والثقافة من تطور، ولم يتوقف الامر عند تبادل الخبرات الفنية عند الشعوب المسلمة أو غير المسلمة، بل تعدوا ذلك، فأخذوا الالات الموسيقية من الفرس، والهنود، واليونان، وطوروها، واسهم الفلاسفة في اغناء هذا الجانب نظرياً وعملياً.ان السمة المميزة للموسيقى العربية، هي الايقاع المنتظم، فالايقاع الشرقي هو السبب في تنظيم حقول النغم، وكان الفيلسوف الكندي اول من وصف ذلك. ان اهم ما اشتهر به العرب، هو حبهم لموسيقى الغناء، اكثر من حبهم للموسيقى الألية التي لا يصاحبها الغناء، وظلت موسيقاهم، أحاديث أصابع
بحث حول الموسيقى، تاريخ الموسيقى، الموسيقى العربية، بحوث جاهزة
ان الباحث وقع تحت تأثير المستشرقين ومن تبعهم من النقاد العرب الموسيقيين في ترتيب مراحل دراسة الموسيقى العربية ولم يشذ عنهم سوى باحثين (هنري فارمر، والدكتور صبحي انور رشيد) اللذين استعانا بعلم الاثار؛ وهكذا غدا الترتيب، العصر الجاهلي، العصر الاسلامي، العصر الاموي، العصر العباسي، ثم الفترة المظلمة، وكأنه حقيقة. لكن الحقيقة هي غير ذلك تماماً فلا يعقل ان يكون للعصر الجاهلي (500 –الى سنة 662)م قد ظهرت فجأة. والحقيقة ان لها امتداداً كبيراً قدر بأربعة الاف سنة قبل الميلاد أكده علم الاثار فأقدم الالات هي القيثارة والتي أكدت الدكتورة (آن كلموان) إن العازفين عليها كانوا يستخدمون السلم السباعي قبل الاغريق (الفيثاغوري) بمئات السنين. ان الالات الموجودة في المناطق العربية.. العود، الناي القانون والايقاعات كلها موجودة في الحضارات التي تشكلت في المناطق العربية، السومريون، البابليون، الاشوريون، وحضارة الجزيرة العربية، وهي أي الالات، صورة متطورة عن اجدادها.. وليس هناك تأثير فارسي وتركي سوى في الفترة الاخيرة (نهاية العباسيين) فقد وجد بعض التلاقح بينها جميعاً. كما ان فترة العصر الجاهلي فيها الكثير من المدن، مكة، تدمير، الحيرة، المدن اليمنية، وهذا يدل على أن العرب قد عرفوا غناء المدن ولا يقتصر غناؤهم على الحداء والنعي.
يعتبر الفن من اقدم المظاهر المعرفية واكثرها شيوعاً في الحياة الانسانية ومن المحال ان نجد مجتمعاً ما ومهما تدنى مستوى تطوره ان يخلو تماماً من أي شكل من اشكال التعبير الجمالي في الغناء او الموسيقى لاننا في مثل هذا الحال نكون قد جردناه من انسانيته خاصة وان الغناء والموسيقى كانا ولا يزالان يمثلان ظاهرة سوسيولوجية تجد فيها الشعوب والامم خصائص تميزها عن غيرها. ويعتقد علماء الانثرويولوجيا ان للموسيقى دوراً هاماً في تشكيل الذوق العام، وهذا بدوره يجب ان لا يقود الى الاعتقاد والتصور بوجود جميع اشكال الفن عند مجتمع ما دون غيره لان هذا التفاوت والتباين في درجة النضج الفني او مستوى تطوره مرتبط بتطور ادوات الانتاج وتطور المجنمع تأريخيا.
ان شيوع الفن عالمياً جعل الكثير من الفلاسفة أن يعتبروه احد المسلمات الاساسية في الثقافة الانسانية ويعتقد علماء الانثروبولوجيا ان للانسان نزوع غريزي للتعبير عن احساسه بالجمال وان هذا النزوع فطري للتعبير عن الجمال هو خصيصة انسانية بحتة وان اختلفت انماط هذا التعبير من مجتمع لاخر ازاء ردود الافعال تجاه الظواهر الحياتية او الجمالية ولكي نفهم الموسيقى لابد من (الربط بين حقائق تأريخ الموسيقى وتأريخ الروح الانسانية والحضارة العامة على حسب رأي (هوجو لايختنتريت) في مظاهرها المختلفة، وتأريخ الاحوال السياسية والاجتماعية، اذ ان لذلك اثراً بالغاً على الفن والعلم).
وفي البدء ارتبطت الموسيقى بالسحر، ولكنها ما لبثت ان غادرته الى المعابد واختلفت وظيفتها واصبحت جماعية بعد ان كانت فردية واصبحت اكثر تنظيماً واتساقاً مع الشعائر الدينية في تجلياتها المتباينة وما للاناشيد والتراتيل من دور طقسي مقدس انعكس بالتالي على العلاقة التبادلية بين اللغة والموسيقى من خلال تأثر الشعر بالموسيقى واخيراً غادرت الموسيقى المعابد لتصبح عالماً بذاته، وليس عالماً روحياً صرفاً بعد ان اتخذت طابعها الدنيوي.
< العصر الجاهلي
واذا كان للاديب عموماً المنزلة الاولى عند العرب فإن للموسيقى المنزلة الثانية ويرجع الكثير من الباحثين جذور الغناء والموسيقى عند العرب الى القرنين الخامس والسادس الميلادي، وهما القرنان اللذان اصطلح على تسميتهما، العصر الجاهلي (500 – 662م) بعد ان نضجت اللغة العربية وجاءت ممثلة في اكمل واجمل صورها في قصائد امرئ القيس والتي زامنها ظهور الحداء وظهور بعض الالات الموسيقية البسيطة ويرى سيمون جارجي (ان مصدر الانشاد عند العرب لا يكمن في القوالب الايقاعية ولا في اللغة العربية بل في وقع بعض الحركات التي تمثل اساس الموسيقى في العالم اجمع، فالبدوي غنى بعفوية وفق ايقاع ذلك السير الطويل في صحراء لانهاية لها).وهو الحداء، والحداء: هو الغناء الرتيب الذي كان يترنم به حداة الابل والذي مثل النواة الاولى للغناء، شأنه في ذلك شأن الموسيقى القديمة والى جانب هذا الغناء الرتيب البدائي هناك شكل آخر للموسيقى يصاحب الرقص الديني قبل الاسلام ويسمى التهليلات.
وكان لتأثر العرب بموسيقى الاحباش في الجنوب وموسيقى المصريين والكنعانيين والاراميين في الشمال وتأثرهم بالحانهم وآلاتهم من خلال رحلاتهم التجارية الاثر الاكبر. بَيَد ان تأثرهم بالموسيقى والغناء الفارسي والروماني كان اعم ولازالت لحد الان اغانٍ عراقية فولكلورية تستمد عروضها وآلحانها من اللغة السريانية كما في اغنية (مطر مطر). مطر مطر شاشة/ عبر بنات الباشةاو اغية: (طلعت الشميسة)وكانت نظرة العرب في الجاهلية للغناء وخاصة لدى الاشراف والامراء بعيدة عن الاحترام باعتبارها مهنة لانهم كانوا ينظرون الى جميع المهن نظرة احتقار وازدراء وكان المغنون من غير العرب، واشتهرت انذاك مغنيتان هما (جرادتاعاد) اللتان يضرب بهما المثل: ( تركته تغنيه الجرادتان) وهما جاريتان لمعاوية بن بكر.
< العصر الاسلامي
مثل الاستقبال الحافل للرسول (ص) في المدينة والذي شارك فيه الرجال والنساء والصبيان حفلاً موسيقياً كبيراً وفي حضرة الرسول (ص) بعد ان هرع اهالي المدينة لاستقباله واشترك في الغناء النساء والاطفال فرحين بقدومه وهذه مسألة معروفة لجمهرة المسلمين وهم ينشدون:
طلع البدر علينا/ من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا/ ما دعا لله داع
ايها المبعوث فينا/ جئت بالامر المطاع
جئت شرفت المدينة/ مرحباً ياخير داع
اما اول من ضرب بالدفوف في الاسلام فهن فتيات من بني النجار وهن ينشدن:
نحن جواد من بني النجار/ ياحبذا محمد من جار
وتعتبر هذه الاحتفالية علامة فارقة في تاريخ الغناء والموسيقى العربية ويصر الكثير من الفقهاء قدماء ومحدثين على تحريم الغناء الا ان الرسول (ص) نهى عن الغناء الذي فيه (جاهلية) أي غناء المجون والخلاعة وتعتبر (سرين) القبطية وهي جارية حسان بن ثابت اول مغنية في فجر الاسلام واكثرهن شهرة وقد اخذت عنها (عزة الميلاء) سيدة المدرسة الغنائية آنذاك والتي مهدت الطريق لمن عاصرها او جاء بعدها.اما اول من حاول تعريب الاغنية عن الفارسية والرومية فهو (سعيد بن مسبح ) ويصفه الاصفهاني في (اغانيه) بأنه مغن متقدم ومن فحول المغنيين نقل غناء الفرس الى غناء العرب واخذ الحان الروم وانتقى افضلها واستبعد قبيحها او ما لا ينسجم مع الذائقة العربية وغنى على هذا المذهب فكان ريادياً في ذلك وتبعه الاخرون.ويذكر د. محمد احمد حنفي في كتابه (اسحاق الموصلي): (وحتى زمان الخليفة عمر بن الخطاب ظل اهل الطرب يحتفظون بما عرف من الغناء العربي المتوارث والشائع مثل الحداء والنصب، والسناد.
< العصر الاموي
وما ان نصل الى العصر الاموي حتى نشهد نهضة غنائية وموسيقية تلقت الدعم والرعاية من الخلفاء الامويين المنهمكين بالتمتع بلذائذ الحياة لشدة تأثرهم بالحضارة البيزنطية وتشبها بسيرة اباطرتهم. ويذكر فايد المعروسي ان الخليفة معاوية طرب عند سماعه لغناء (سائب خاثر) مولى بني مخزوم واثنى عليه وهو يغني قول حسان بن ثابت:لنا الجفنات الغر يلمعن في الدجى/ واسيافنا يقطرن من نجدة دماً
بعدها اخذت النهضة الموسيقية سبلاً جديدة متوخية الطرائق العلمية فوضعت التآليف الموسيقية والغنائية وكان (يونس الكاتب) اول من كتب في هذا الموضوع وله (كتاب النغم) و(كتاب القيان) واصبح هذان الكتابان نواة لمن كتب بعده ويصف ابو الفرج الاصفهاني (يونس الكاتب) بأنه اول من كتب عن الغناء والموسيقى عند العرب وكانت هناك مدرستان في الغناء احدهما في مكة) والاخرى في (المدينة) ولكل منهما طرائقهما واساليبهما الغنائية وقد امتلئت هاتان المدينتان بالمغنين والمغنيات وعاش فيها في زمن واحد العديد من المشهورين منهم:
عزة الميلاء، جميلة، دلال، برد الفؤاد، نومة الضحى، رحمة، هبة الله، معبد، مالك، ابن عائشة، نافع بن طنبود، حبابة، سلامة، بلبلة، لذة العيش، سعيدة، الزرقاء وغيرهم..
ونتيجة للفتوحات الاسلامية تيسرت للعرب حالة من الاستقرار والرفاهية كشفت لهم ما وصلت اليه الموسيقى في بلاد فارس او بلاد الروم او بلاد الاقباط (مصر) مما دفع بالمسلمين لان ينظروا في امور دنياهم بمنظار اكثر تساهلاً وتسامحاًُ من ذي قبل.
وفي هذا العصر استخدمت الآت موسيقية اكثر تطوراً مما سبقتها مثل العود المتعدد الاوتار والقيثارة ذات الاثنا عشر وتراً (المعزف) والدف والطبلة واخيراً الطنبور او الطنبورة بالاضافة الى السنطور والكمنجة.
< العصر العباسي
اما في العصر العباسي فقد حدثت ثورة حقيقية على يد ابراهيم الموصلي وولده اسحاق الموصلي وابراهيم بن المهدي واخذ الغناء والموسيقى بعداً جديداً جراء الازدهار الاقتصادي الذي كان له الاثر الواضح على الدولة والمشتغلين في هذا المضمار ونشاط الترجمة وتنوع القيم المعرفية، ووفرة الالات الموسيقية وانغمار الخلفاء في البحث عن هذه المتع واللذائذ كان له اثر في اغناء حياتهم وثقافتهم على السواء. فأصبحت الموسيقى في بدء هذا العصر او كادت ان تكون علماً مستقلاً بعد ان اقبل المعنيون بالفن بنهم على قراءة مؤلفات (ارسطو) وغيره من الفلاسفة اليونان في الموسيقى ووصل بهم الامر ان اضافوا شروطاً جديدة اغنت فصول هذه الكتب من خلال تنظيراتهم حتى ظهر اخر المطاف عندهم علم جديد اسموه (علم الموسيقى) بعد ان اخترعت النوتة او السلم الموسيقي ولم يتوقف الامر عند هذا الحد، بل انهمك الكثير من الباحثين على دراسة اغان وموسيقى الشعوب الاخرى كالفرس والروم والهنود وتحليلها والافادة منها من خلال مواءمتها مع الغناء العربي وهذا بدوره اغنى الجهد الموسيقي وجعله اكثر تنوعاً وثراءً من خلال التلاقح الموسيقي وانعكس هذا بدوره على الجهد التأليفي ومن الذين كانت لهم ثقافة موسيقية (يحيى المكي) هذا المغني المعمر والمخضرم الذي عاش في العصر الاموي والعصر العباسي اخذ منه الكثير من المغنين واشهرهم ابراهيم الموصلي وقد الف كتاباً في الغناء اسماه (الاغاني ونسبها واجناسها) الا ان الاصفهاني تعرض له بالنقد الشديد، لكونه حفل بأخطاء شديدة على حسب رأيه ويليه في الاهمية: ابن سينا، والفارابي، والكندي, وصفي الدين الرومي البغدادي المجدد في الموسيقى العباسية، الا ان ما كتبه الثلاثة الاوائل اصبح مرجعاً رئيسياً للموسيقيين الغربيين واصبحت نظرياتهم ملهماً لهم في النهضة الاوربية، وبقيت الكثير من فصولها تدرس في الجامعات الاوربية، وظلت اوربا مدينة لهم بالكثير من الالات الموسيقية التي وردت لهم من اسبانيا تحمل معها اسماءها العربية: كالعود، والقانون ، والربابة، والقيثارة ، والنقارة، وللوقوف على ما وصلت اليه النهضة الموسيقية عند العرب وغيرهم من الشعوب التي دخلت في الاسلام الدور الذي لعبته في الحياة الفنية، انواع الالات، الاماسي الغنائية، طبقات المغنيين واشهرهم الطرائف التي رافقتها.. دور الموسيقيين الفلاسفة في العزف والاداء والتلحين والبراعة في اداء الادوار يتوجب الرجوع الى كتاب (الاغاني) لابي مرج الاصفهاني للاستزادة وبذكر ابو الفرج فيما يذكره من قصص في اغانيه وبتوصيف اخاذ الاماسي الجميلة التي كان يحييها الخليفة هارون الرشيد في قصوره والتي كان مهندسها شقيقه (ابراهيم بن المهدي) ومشاركة اخته (عليه بنت المهدي) والطريف فيها ان المغنيين والعازفين هم من افراد العائلة فقط. ومن الذين انهمكوا في غناء البحث الموسيقي "اخوان الصفا" الذين اولوا المفاهيم الجمالية الموسيقية اهمية استثنائية وعملوا على خلق مفهوم موسيقي ينسجم مع التناسب الفيثاغوري، وذكروا افكارا عميقة عن طبيعة الموسيقى، وتأثيراتها النفسية، ومذهبهم الروحاني الفلسفي يوصل الجمال بكل الوانه الى الله، واذا كان الدور الاول قد بدأه سعيد بن مسجع فان الدور الريادي في المرحلة الثانية كان للكندي: خاصة بعد ظهور مدرسة الشراح الاغريقيين وانتشارها قبيل القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي، فاصبح رائدها واستاذها الاول.
< العصر الاندلسي
اما الدور المهم والخطير فقد قام به ابي الحسن علي بن نافع الملقب (زرياب) بعد ان دخل الاندلس في زمن الخليفة عبد الرحمن الثاني في عام 822 م حيث كانت قرطبة مركزاً لأرقى الحظارات، وقد استطاع هذا الموسيقار الطموح والذي اشتهر باسم (العندليب المغرد) ان ينفذ مشاريعه الفنية في نشر الموسيقى الشرقية من خلال تأسيسه لأول معهد للموسيقى بعد ان استدعى المغنين من المدينة المنورة، وقد وضع شروطاً يجب توفرها للمتقدمين الى المعهد منها: على المتقدم ان يجتاز امتحان يحدد فيه درجة استعداده الذاتي للغناء، وألا تعذر قبوله، اما مناهج المعهد فتشتمل على: العزف، الغناء، التلحين، والشعر والرقص. وعمل على توفير مستلزمات المعهد، فعمل على نقل جميع الآلات الموسيقية انذاك الى الاندلس وطور العود بإضافة الوتر الخامس له وكان الاقبال على المعهد كبيراً وتوافد الطلبة من ارجاء اسبانيا ومن فرنسا والمانيا وانكلترا حتى ان ملك انكلترا (جورج الثالث) اوفد ابنة اخته (دوبانت) مع اكثر من عشرين طالباً للدراسة في هذا المعهد حتى بلغ عدد الطلبة (700 طالب وطالبة) بعدها انتشرت المعاهد الموسيقية في اشبيلية، وبلنسية وغرناطة. واهم ما اشتهرت به الاندلس فن الموشحات والزجل، ويذكر سيمون جارجي في مؤلفه (الموسيقى العربية): ان زرياب الذي نقل الموسيقى البغدادية، وفق الاسس التي بنيت عليها، عمل على اخضاعها لتطور خلاق وذكي، واضفى عليها طابع اندلسي بحت، أي جعل لها خصوصيتها. ان زرياب الذي زاد وتراً خامساً لعود اسحق الموصلي، اخترع مضراب العود من قوادم النسر عوضاً عن مضراب الخشب. والحق لقد ترك المسلمون في فن العصور الوسطى، ارثاً هائلاً ومهماً، والذي مثل قمة ما وصلت اليه الفنون، والعلوم والثقافة من تطور، ولم يتوقف الامر عند تبادل الخبرات الفنية عند الشعوب المسلمة أو غير المسلمة، بل تعدوا ذلك، فأخذوا الالات الموسيقية من الفرس، والهنود، واليونان، وطوروها، واسهم الفلاسفة في اغناء هذا الجانب نظرياً وعملياً.ان السمة المميزة للموسيقى العربية، هي الايقاع المنتظم، فالايقاع الشرقي هو السبب في تنظيم حقول النغم، وكان الفيلسوف الكندي اول من وصف ذلك. ان اهم ما اشتهر به العرب، هو حبهم لموسيقى الغناء، اكثر من حبهم للموسيقى الألية التي لا يصاحبها الغناء، وظلت موسيقاهم، أحاديث أصابع